بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
أما بعد:
قال - تعالى -: \" وَتَعَاوَنُوا عَلَى البرِ وَالتَّقوَى \" [المائدة: 2].
أحباب رسول الله: الإسلام شريعة الله للبشر، أنزلها لهم ليحققوا عبادته في الأرض والعمل بهذه الشريعة يقتضي تطوير الإنسان وتهذيبه، حتى يصلح لحمل هذه الأمانة وتحقيق هذه الخلافة \" إِنَّا عَرَضنَا الامَانَةَ عَلَى السَّمَـاواتِ وَالأرضِ وَالجِبَالِ فَأبَينَ أَن يَحمِلنَهَا وَأَشفَقنَ مِنهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَـانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً \" [الأحزاب: 72]. فلا تحقيق لشريعة الإسلام إلا بتربية النفس والجيل والمجتمع على الإيمان بالله ومراقبته والخضوع له وحده، ومن هنا كانت التربية الإسلامية فريضة في أعناق جميع الآباء والمعلمين، والمجتمع وأمانة يحملها الجيل للجيل الذي بعده، ويؤديها المربون للناشئة، والويل ثم الويل لمن يخون هذه الأمانة أو ينحرف بها عن هدفها أو يسئ تفسيرها أو يغير محتواها.
إنها تربية الإنسان على أن يحكم شريعة الله في جميع أعماله وتصرفاته ثم لا يجد حرجاً فيما حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، بل ينقاد مطيعاً لأمر الله ورسوله \" فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَّى? يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِم حَرَجاً مّمَّا قَضَيتَ وَيُسَلّمُوا تَسلِيماً \" [النساء: 56].
إن الأم والأب والمعلم والمجتمع مسئولون أمام الله عن تربية هذا الجيل، فإن أحسنوا تربيته سعد وسعدوا في الدنيا والآخرة، وإن أهملوا تربيته شقي وكان وزره في أعناقهم، ولذا جاء في الحديث: ((كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته))، إن هذه المسئولية العظيمة لتقع على عاتق كل من يقوم بدور التربية والتوجيه بالدرجة الأولى، إذ أنهم ليسوا أصحاب مهنة، بل هم أصحاب رسالة سامية عظيمة، بل هم أصحاب إرث عظيم، إنه إرث الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، إنه العلم.
وإن أول ما يجب تعليمه لهم النطق بالشهادتين وإفهامهم معناها إذا كبروا، وغرس حب الله وحب رسوله في قلوبهم وتعليمهم الصلاة في صغرهم، ليلتزموا بها عند الكبر وتحفيظهم القرآن وتعويدهم الصدق في القول والعمل، وهدايتهم إلى محاسن الدين بغرس محبته في قلوبهم وتعظيمه في نفوسهم بشرح محاسنه وفضائله وما امتاز به عن غيره من الأديان، فإن تعليم الولد في صغره عبارة عن تغذية روحه بما تتهذب به أخلاقه وتزكو أعماله وتحسن مقاصده بحيث يكون ميله إلى الخير محباً له، واعلموا أنكم مسؤولون أمام الله عنهم إذ أنتم إما أن تكونوا دعاة إلى خير - وأسأل الله أن نكون كذلك - وإما دعاة ضلال، ونعوذ بالله من ذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)).
أيها المربون: أنتم أمناء على هؤلاء النشء بالكلمة الطيبة الصادقة، والعمل المنظم، والقدوة السلوكية الحسنة، والتحضير الجيد للدرس، واستخدام كل ما يعين من الوسائل السمعية والبصرية والمراجع والنماذج والعينات ليصل الدرس بأهدافه إلى جميع الطلاب على مختلف مستوياتهم وقدراتهم، كونوا متحمسين في عملكم مبدعين مطورين ومتطورين لا يغلبنكم التراخي والكسل، فإن الماء الآسن لا يرجى منه إرواء، تحققوا من المعلومة قبل قولها، فإن طالب اليوم يعيش في عالم من المعلومة السريعة التي يجدها في كل مكان وأي مكان وربما فاق أستاذه إذا كان ذلك المعلم غير مطلع ولا يأبه بما يحدث حوله في العالم من أمور قد يجهلها، اجعلوا من أنفسكم براكين عطاء متفجرة بالعلم والحماس لهذه الرسالة العظيمة يحترمكم القاصي والداني، غذوا في طلابكم نشاطهم الإبداعي ساعدوهم على التخلص من الاعتماد على التوجيه الخارجي، اجعلوهم يعتمدون على ذكائهم، شاركوهم نشاطهم، وجهوا طاقاتهم دائماً إلى ما يعود عليهم بالخير والصلاح في دينهم ودنياهم وآخرتهم، فإن الحسن عندهم ما فعلتم، والقبيح ما تركتم، وحسن سلوك المربي أمام تلاميذه أفضل تربية لهم، ليتخرجوا غداً ويدعوا لكم ويشكروا لكم ويقدموا من علمهم وجهدهم لدينهم وأمتهم ووطنهم الكثير الكثير، ويبقى لكم ذخراً في الآخرة يوم لا ينفع مال ولا بنون فإنه من العمل الصالح الذي يبقى لصاحبه بعد موته كما أخبر بذلك الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم -.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد الله الذي بفضله تتم الصالحات وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه - صلى الله عليه وسلم -.
أما بعد:
فنتواصل الحديث عن ما بدأناه في الخطبة الأولى: فنذكر بعض الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المربي المسلم.
أولاً: أن يكون هدفه وسلوكه وتفكيره ربانياً، يهدف من كل أعماله التعليمية ودروسه أن يجعل الطلاب مثله ربانيين، يرون آثار عظمة الله وقدرته ويستدلون عليها في كل ما يدرسونه ويخشعون لله ويشعرون بإجلاله عند كل عبرة من عبر التاريخ أو سنة من سنن الحياة أو قانون من قوانين الطبيعة.
ثانياً: أن يكون مخلصاً لله، فلا يقصد بعلمه وسعة اطلاعه إلا مرضات الله والوصول إلى الحق وزرعه في عقول النشء وجعلهم أتباعاً له يدورون معه حيث دار، فإذا زال الإخلاص حل محله الحسد، فيصبح كل معلم يتعصب لرأيه أو طريقته ويسود الغرور والأثرة عوضاً عن التواضع للحق وإيثار الحق على الهوى.
ثالثاً: أن يكون عادلاً بين طلابه لا يميل إلى أي فئة منهم ولا يفضل أحداً على أحد إلا بالحق وبما يستحق كل طالب حسب عمله ومواهبه.
رابعاً: أن يكون صادقاً فيما يدعو إليه، وعلامة الصدق أن يطبقه على نفسه، فإذا طابق علمه عمله اتبعه الطلاب وقلدوه في أقواله وأفعاله.
خامساً: أن يكون واعياً للمؤثرات والاتجاهات العالمية المعاصرة وما تتركه في نفوس النشء من أثر على معتقداتهم وأساليب تفكيرهم وفهمهم للحياة، فاهماً لمشاكل الحياة المعاصرة وعلاج الإسلام لها.
هذه بعض الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المعلم المسلم وغيرها كثير ولكن المكان لايتسع لذكرها وإنما أردت من ذلك التذكير والنصيحة.
وأختم كلامي بقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)) وفي رواية: ((فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة)) وأن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.
هذا وصلوا وسلموا على من أرسله الله رحمة للعالمين، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد على آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد