المسلم والمرض


بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الخطبة الأولى

أيها الناس، يقول الله - تعالى -: ( وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيء مّنَ الخَوف وَالجُوعِ وَنَقصٍ, مّنَ الأمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشّرِ الصَّـابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَـابَتهُم مٌّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيهِ راجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيهِم صَلَواتٌ مّن رَّبهِم وَرَحمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ [البقرة: 155-157].

فمن سنة الله - تعالى -في خلقه أن يبتليَهم بالمصائب والتي تختلف على حسب أنواعها، فتارةً تكون في البدن، وتارة في الولد، وتارة تكون في المال، وقد تجتمع أحيانًا، وتفترق أحيانًا أخرى.

ولا شك ـ عباد الله ـ أن نعمة الصحة والعافية عند العبد أهم من ماله وأملاكه مهما بلغت، ولذلك تجد من أصيب بمرض ينفق أموالاً طائلةً طلبًا للعافية والسلامة، وذلك لأن نعمة العافية من أعظم نعم الله على الإنسان، قال: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)) أخرجه البخاري.

 

عباد الله، وإذا تأملنا حال الإنسان المسلم مع المرض نجد أنه على أربعة أحوال: حال قبل المرض، وحال في أثناء المرض، وحال في أثناء العلاج، وحال بعد شفائه من المرض.

أما حاله قبل المرض أي: في أثناء صحته وعافيته فعليه بتقوى الله وطاعة والكف عما حرمه الله، وأما في حاله في أثناء المرض فعليه أن يصبر ويحتسب أجره عند الله - تعالى -، قال: ((ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يُهمٌّه إلا كفّر به من سيئاته)) رواه مسلم، وليتفاءل المريض بأن هذا المرض الذي نزل به قد يكون خيرًا له كما قال: ((من يرد الله به خيرًا يصب منه)) رواه البخاري.

وعلى المريض أن يراجع نفسه ويتفقدها، وأن ينظر في أحواله قبل المرضº لأن هذه المصائب غالبًا ما تكون بسب المعاصي في وقت صحته وعافيته، خرج الإمام أحمد وابن حبان عن عائشة - رضي الله عنها - أن رجلاً تلا هذه الآية: مَن يَعمَل سُوءا يُجزَ بِهِ [النساء: 123]، فقال: إنا لنجزى بكل ما عملنا؟! هلكنا إذًا، فبلغ ذلك النبي فقال: ((نعم يجزى به في الدنيا من مصيبة في جسده مما يؤذيه)).

وقد قال أبو بكر: يا رسول الله، كيف الصلاح بعد هذه الآية: لَّيسَ بِأَمَـانِيّكُم وَلا أَمَانِىّ أَهلِ الكِتَـابِ مَن يَعمَل سُوءا يُجزَ بِهِ [النساء: 123]؟! فقال: ((غفر الله لك يا أبا بكر، ألست تمرض؟! ألست تنصَب؟! ألست تحزن؟! ألست تصيبك اللأواء؟!)) قال: قلت: بلى، قال: ((فهو ما تجزون به)) رواه أحمد.

لقد غاب عن كثير من الناس عدمُ ربطهم تلك المصائب التي تحلّ بهم بسبب الذنوب والخطايا، بل جعلوا أسباب تلك المصائب مادية بحتة، فمرة بسبب تغير الجو، ومرة بسبب العدوى، فترتب من جراء ذلك عدم اتعاظهم بتلك المصائب.

 

عباد الله، لقد أدرك سلفنا الصالح ما غاب عن أذهان الكثيرين، حتى إن قائلهم ليقول: (والله، ما أذنبت ذنبًا إلا رأيت عقوبته في بدني أو أهلي أو مالي أو دابتي). ف- رحمهم الله - ورضي عنهمº قلّت ذنوبهم فعرفوا مداخلها، وكثرت ذنوبنا فلم نعرف مداخلها من مخارجها.

وعليه أيضًا في حال مرضه أن يكثر من التضرع إلى الله، وأن يظن بالله الظن الحسن، فالله - تعالى -يعطي من يشاء بفضله، ويمنع من يشاء بعدله، ولا يظلم ربك أحدًا، قال علية الصلاة والسلام: ((عجبًا لأمر المسلم، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراءُ شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيرًا له)) رواه مسلم من حديث صهيب بن سنان.

وقد وصف الحسن - رحمه الله - المرض فقال: \"أما والله ما هو بشرِّ أيام المسلم، قورب له أجله، وذكّر فيه ما نسي من معاده، وكفّر به عن خطاياه\". وكان - رحمه الله - إذا دخل على مريض قد عوفي قال له: \"يا هذا، إن الله قد ذكرك فاذكره، ووقاك فاشكره، فهذه الأسقام والبلايا كفارات للذنوب ومواعظ للمؤمنين، يرجعون بها عن كل شرّ كانوا عليه\". قال الفضيل - رحمه الله -: \"إنما جُعلت العلل ليؤدب بها العباد\".

وعلى المريض أن يستشعر نعمة الله - سبحانه - عليه الذي أجرى له ما كان يعمل في صحته أثناء مرضه، قال رسول الله: ((إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا)) أخرجه البخاري، وهذا من فضل الله على عبده المريض.

وأما حاله أثناء العلاج فعليه أن يوقن أن الشفاء كله بإذن الله - تعالى -، وأن الأطباء وتلك الأدوية لو اجتمعوا وكان بعضهم لبعض ظهيرًا ما استطاعوا أن يحدثوا ذرةً من شفاء وعافية إلا أن يشاء الله، وَإِن يَمسَسكَ اللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدكَ بِخَيرٍ, فَلاَ رَادَّ لِفَضلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِن عِبَادِهِ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس: 107].

فعلى المريض أن يعلق قلبه بالله - تعالى -، ويسأله الشفاء والعافية، وأن يحتسِب الأجر ويصبر، وينتظر فرج الله ولا ييأس من رحمة الله.

اللهم أسبغ علينا لباس الصحة والعافية، واجعلها عونًا لنا على طاعتك ومرضاتك.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أما حاله بعد المرض فعليه أن يكثر من شكر الله والثناء عليه، وأن يتذكر قدر الصحة والعافية، وأن يعمد إلى طاعة ربه، ولا يكون كحال بعض المرضى الذين ما إن يمنّ الله عليهم بالشفاء والعافية حتى يسارعوا بالعودة إلى معصية الله، وهذا من كفران المعروف ونسيان حق المنعم.

واعلموا ـ عباد الله ـ أن المرض ابتلاء ابتلي به الأنبياء والصالحين ومن بعدهم، قال: ((أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)) قال الألباني: \"إسناده جيد\".

اللهم صلّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply