استقبال رمضان وبيان فضله


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الخطبة الأولى :

الحمد لله الذي منّ على عباده بمواسم الخيرات، ليغفر لهم بذلك الذنوب ويكفر عنهم السيئات، وليضاعف لهم بذلك الثواب ويرفع لهم الدرجات، أحمده - سبحانه -، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واسع العطايا وجزيل الهبات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل المخلوقات، وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.

أما بعد: عباد الله، اتقوا ربكم واعبدوه، واشكروه على ما أنعم به عليكم، فمن نعمه فرض صيام شهر رمضان رحمة بالعباد، واحمدوه واعرفوا عظم نعمته عليكم بمواسم الخيرات التي تتكرر كل عام ليتكرر الفضل من الله والإنعام.

عباد الله: إنكم في شهر عظيم وموسم كريم، تضاعف فيه الحسنات لمن عرف قدره وحرمته، وتمحى فيه السيئات عن التائبين والمستغفرين، كما تعظم فيه السيئات لمن فرط على نفسه، فاتقوا الله عباد الله، وعظِّموا هذا الشهر المبارك، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، شهر الهدى والتقى والعفاف، قال - سبحانه وتعالى - في كتابه الكريم: {يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، وقال جل من قائل: {شَهرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَـاتٍ, مِّنَ الهُدَى وَالفُرقَانِ} [البقرة: 185].

فهذا الشهر ـ عباد الله ـ مدرسة ربانية وروضة زمنية روحانية تفتح أبوابها كل سنة شهرًا كاملاً ليتدرب فيه العباد على الصبر على الطاعات والإمساك عن المعاصي، ويعقدوا العزم على التوبة من الذنوب والسيئات. إنه شهر الصيام والقيام والصدقة والعمرة وتلاوة القرآن في شهره الذي أنزل فيه كما كان السف الصالح - رحمهم الله - يتفرغون في شهر رمضان لتلاوة القرآن، ويقدمونه على النوافل من العبادات، ويختمونه عدة مرات.

إنه شهر كريم تفضل الله به على هذه الأمة الإسلامية بخصال، وفيه أهداف سامية ومزايا رفيعة مقامات عظيمة، الخصلة الأولى: جعل خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، والخصلة الثانية: بركة السحور فإنها فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، والخصلة الثالثة: تصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون في غيره، والخصلة الرابعة: خصوصيته بليلة القدر التي هي خير عند الله من ألف شهر، والخصلة الخامسة: يغفر الله لهذه الأمة فيه لمن صامه إيمانًا واحتسابًا كل ما تقدم من الذنوب.

فاتقوا الله عباد الله، واغتنموا فرصة شهر الصوم بالإكثار من تلاوة القرآن الكريم والتنافس في الأعمال الصالحة والمبادرة بالتوبة الصادقة، وجدّدوا العهد بربكم، وشدّوا العزائم للطاعة، وابذلوا الجهد في مصابرة النفس وقسرها على تعوّد الصبر وتحمّل المشقات، واعلموا قول الله - تعالى -: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّـابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَابٍ,} [الزمر: 10]، قال المفسرون: إنما يوفى الصابرون أي: الصائمون، يؤكّد ذلك الحديث القدسي الذي يرويه رسول الله عن ربه- تبارك وتعالى - أن قال: ((الصوم لي وأنا أجزي به)).

عباد الله: اتقوا الله، وترفّعوا بصومكم عن كل ما يغضب الله، وأزيلوا من بينكم العداوة والبغضاء والشحناء، وطهروا قلوبكم من أمراض الحقد والحسد، وارتفعوا إلى المستوى اللائق بالمؤمن الذي تتغلب فيه الروح على البدن، وغلبوا في صومكم جانب التسامح والصفح لزلات الآخرين، واذكروا دومًا قول نبيكم: (إذا أصبح أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائم)[1]، كررت للتقيّد والالتزام بها، إذًا فهو جواب مفحِم ومسكت، فلا تجعل صيامك ـ أخي المسلم ـ مثل فطرك، وطهر لسانك من الغيبة والنميمة والكذب والزور والعمل به، وتذكّر قول نبيك: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)[2]º لأنه صام عن مباح محرّم عليه مؤقّتًا وارتكب محرّمًا تحريمه أبديُّ سرمديّ.

واعلموا ـ عباد الله ـ أن فريضة الصوم واجبة على المسلم العاقل البالغ الصحيح المقيم، ويجب أن تكون المرأة طاهرة من الحيض والنفاس، وهذه الفريضة لا تسقط بحال إلا لأهل الأعذار المشروعة كالمريض والمسافر والحائض والنفساء والحامل والمرضع.

فاتقوا الله عباد الله، ولا تتهاونوا بصيام هذا الشهر العظيم، بل وعوّدوا أولادكم على صيامه، فإن الصحابة - رضوان الله عليهم - كانوا يصوِّمون صبيانهم الصغار، يجعلون لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم يريد الطعام أعطوه إياها حتى يكون وقت الإفطار [3]، وفي ذلك تعويد الطفل وترويضه على العبادة لينشأ صالحًا يحب الخير ويألفه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، {شَهرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَـاتٍ, مِّنَ الهُدَى وَالفُرقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَ فَليَصُمهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ, فَعِدَّةٌ مّن أَيَّامٍ, أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسرَ وَلِتُكمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ} [البقرة: 185].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهديه الكريم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله، واعلموا أن للصيام سننًا وآدابًا لا بد للمسلم من مراعاتها وأخذها بعين الاعتبار، لينال الصائم جزاء عبادته وهو تمام الأجر والثواب، ومنها:

السحور: فإنّ رسول الله قال: (تسحّروا فإن في السحور بركة)[4]. ويتحقق السحور بكثير الطعام وقليله، ولو بجرعة ماء، وبركة طاعة رسول الله هي البركة الحقيقية الجامعة للخير كله في الدنيا والآخرة.

تعجيل الفطر: لقوله –صلى الله عليه وسلم - : (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر))[5]، والأفضل أن يكون الفطر على رطب وِترًا، فإن لم يجد فعلى الماء. فحري بالمسلم المبادرة لينال الخير الذي أرشد إليه رسول الله.

الدعاء عند الفطر وأثناء الصيام: فقد ثبت أنه كان يقول: (ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله)[6]، فليغتنم المسلم الفرصة وليدعُ ربه.

السواك أثناء الصيام: ولا فرق بين أول النهار وآخره، فقد كان النبي يتسوّك وهو صائم، وقد ورد عنه حثّه بل إلزامه لأمته لولا المشقة عليهم، فقال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) فأمره مهِمّ، وشأنه عظيم، والله الموفق.

وصلِّ اللهم على عبدك ورسولك خير من صلّى وصام، ونسألك اللهم برحمتك التي وسعت كل شيء أن تتقبل منا صيام هذا الشهر وقيامه، وأن تجعلنا من عتقائك من النار...

 

----------------------------------------

[1] رواه الإمام مسلم في الصيام، باب: حفظ اللسان (1151).

[2] رواه البخاري في الصوم، باب: من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم (2/228).

[3] رواه البخاري في الصوم، باب: صوم الصبيان (2/241)، ومسلم في الصيام، باب: من أكل في عاشوراء فليمسك بقية يومه (1136) من حديث الربيع بنت معوذ - رضي الله عنها -.

[4] رواه البخاري في الصوم، باب: بركة السحور من غير إيجاب (2/232)، ومسلم في الصيام، باب: فضل السحور وتأكيد استحبابه (1095).

[5] رواه البخاري في الصوم، باب: تعجيل الإفطار (2/241)، ومسلم في الصيام، باب: فضل السحور وتأكيد استحبابه (1098).

[6] أخرجه أبو داود في الصوم، باب:القول عند الإفطار (2357)، وإسناده حسن.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply