بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون:
أمة الإسلام وفريضة الصيام..أمر مهم، وموضوع مؤثر..ذلكم إن الله - جل وعلا - فرض الفرائض، وشرع الشرائعº لتكون للأفراد تهذيباً وتقويماً وإرشاداً وإعداداً وتقوية وتزكية، وجعلها للأمة وحدة وقوة ونصرة.. فهو - جل وعلا - ما من شرع شرعه ولا فريضة افترضها إلا ولها آثارها على الفرد والأمة في واقع الحياة.
إنها الفرائض والشرائع والعباداتº ليست مجرد أقوال تردد، ولا أفعال تكرر، ولا عادات تتبع، ولا صور وأشكال ليست لها حقائق وبواطن.. إنها أعمق من ذلك وأشمل، إنها أنفع من ذلك وأكثر فائدة لمن تأثر بها وأداها على وجهها.
ولعلنا نشير إلى شيء يسير من الواقع نفتتح بهº حيث إننا نبين أن الأمة إن لم تنتفع من الشرائع والفرائض والأحكامº فإن خيراً كثيراً يفوتها، وإن مزيداً من العناء والبلاء والمشقة المهانة تنتظرها وترتقبها في رمضان الذي مضى، كانت نذر الحرب على العراق تسطع، وطبولها تقرع، واليوم احتلال جاثم، وعدوان ظالم، وأرض محنوقة، وأمن غائب، وأرواح مزهقة، ودماء نازفة، وأوضاع مختلفة.. واليوم ونحن في شهر رمضان على بلاد الشام تهديد ووعيد ومحاصرة ومقاطعة وإرجاف.. فهل ستمضي الأمة في غفلتها وضعفها وذلتها لنقف - لا قدر الله - في العام القادم نندم أرضاً أخرى، ونندب أحوالاً جديدة، وبلاداً أخرى مغتصبة، وأعراضاً جديدة منتهكة، وحرية مستلبة، وديناً أصبح في واقع الحياة غائباً غير فاعل في نفوس أربابه وأصحابه.
ومن قبل ذلك ومن بعد في أرض الإسراء يزداد معنا في كل رمضان، وفي كل عام عدوان وظلم وتسلط يتضاعف مع صور حزينة مؤلمة.. لا لواقع أهلنا في تلك الديارº فإن في قلوبهم من العزة، وفي نفوسهم من النصرة والحمية ما قد دفعوا به عن أنفسهم، وواجهوا به عدوهم.. لا عن الحزن المؤلم والوضع المؤسف إنما هو لعموم الأمة الصامتة كأنما عجمت فلا تتكلم، العمياء كأنما ليس لها أعين تبصر، كأنما ليس لديها أيدي تتحرك.. ليس هذا الحديث حديثاً لنزيد الوهن في النفوس! وإنما لنقول: هل ننتفع بفرائض الإسلام؟ وهل نتأثر بفريضة الصيام على مستوى الفرد والأمة؟
وحديثنا عن الأمة.. أمة الإسلام في الصيام، أمة تجرد وإخلاص لقوله - عز وجل -: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}.
وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).
وقوله - تعالى -: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}.. {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}.
الصيام عبادة السر، عبادة الإخلاص، عبادة التجرد عبادة التعلق، عبادة الارتباط برضوان الله - عز وجل -، والتشوّق إلى بذل كل جهد في سبيل التقرب إليه والتضرع والتذلل بين يديه.. هل نعقل هذا معاشر المسلمين أفراداً؟ وهل تعقله الأمة وقد علقت حبالها بغير الله في مجموعها، وقد جعلت رهبتها من عدوها، وذلتها لمغتصبها، وقد أصبح الخوف يملأ جنباتها حتى كأنما هي صورة من الصور التي ورد الذم لها في كتاب ربها قوله - تعالى -: {يحسبون كل صيحة عليهم}.
إن الأمر في غاية الخطورة اليوم ومجموع الأمة في صورتها العامة، وفي قياداتها وسياساتها ليست معلقة الحبال بالله، ولا موثوقة ومرتبطة بشرع الله - عز وجل -.. وذلك أمر يحتاج إلى المراجعة، هل يمر صيامنا وتمر أيامنا، وتنتهي فريضتنا، ونحن تركنا طعاماً وشراباً، ولم نلتفت إلى جوهر التوجه لله - عز وجل - والتعلق به، وجعل الحياة كلها لطاعته ومرضاته في تلك الآية التي تلوناها!
كل ما في الحياة لله فهل علقنا قلوبنا؟ وهل علقنا نوايانا وأمالنا وطموحاتنا بالله؟ وهل ربطنا حبالنا به - سبحانه وتعالى -؟ فلم يعد ثقة إلا به، ولا خوف إلا منه، ولا توكل إلا عليه، ولا إنابة إلا إليه، ولا نصرة ولا تجرد ولا إخلاص إلا ابتغاء مرضاته.. أم أنها أمور تتكرر، وأيام تمر، وليال تتوالى.. ثم نخرج كأنما نحن لا نعي ولا نفقه ولا نتذكر ولا نعتبر ولا نتدبر في هذه الشرائع التي جعلها الله فرائض لتكون مقياس لمثال الأمة لأمر ربها، وسيرها على نهجه، وتصحيح مسارها إذا فارقت ذلك.
أمة الإسلام أمة واحدة.. أليس في الصيام وحدة، فالأمة كلها تأتلف قلوبها، وتمتزج نفوسها، وتظهر مودتها، وتبدو محبتها، وتجري مياه وحلها، وتنعقد حبال حلتها.. فما بالنا لا ننظر ذلك في حال أمتنا لقوله - تعالى -: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون}.
أليست الأحداث التي مرّت - وصدّرنا بها الحديث - يوم كان التهديد والوعيد اخترقت أمتنا العربية واختلفت، وكلاً اتخذ موقفاً، وأمة الإسلام لم تجتمع على كلمة ومنظماتها ودولها لم تكن على قلب رجل واحد.. فهل وحدتها في صور ظاهرة دون الحقائق المؤثرة، وقد ظهر من مجتمعاتها وتجمعاتها من الخصومة والشحناء والبغضاء ما تجلى وظهر، وأعلنت في وسائل الإعلام وفي المؤثرات وفي المنتديات وعلى صور شتى مختلفة.. أفلا تتعض الأمة وهي تصوم كلها صياماً واحداً، ترق فيه قلوبها، وتصحوا فيه نفوسها، وترشد فيه عقولها، وتتهذب فيه أخلاقياتها، وتحسّن فيه أخلاقها، وتصلح فيها نواياها ومقاصدها.. ثم بعد تكون نائمة غائبة عن حقيقة هذه الوحدة لقوله - عز وجل -: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تنابزوا بالألقاب... }.
انظروا إلى الواقع هل يحكي هذه النداءات الإيمانية، والتوجيهات الربانية التي تدل على الوحدة الإيمانية، والأخوة الإسلامية، التي تؤدي إلى التماسك والترابط وامتداد الجسور.. رغم تباعد الأماكن والبقاع والبلاد، ورسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - يعلّمنا، ويذكّرنا بأن المسلمين أمة واحدة يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم.. هل أمة الإسلام التي تصوم مجتمعة على هيئة واحدة، وبأحكام واحدة تلتفت إلى هذا المعنى، وإلى قول الله - جل وعلا -: {وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}.
أمر قد تقولون إنه يتعلق بالأمة كلها.. لكنه يخصني ويخصك أنت، إن لم يكن كل واحد منا مستحضراً لهذه الآثار، ولتلك الحِكَمº فإن الخير لنا يعُم، ولن تتوسع أجزائه لتشمل الأمة كلها.. نحن في بيئاتنا، وفي دوائرنا وأحيائنا، وفي مساجدنا مازلنا لا نحقق هذه الوحدة، ولا نجسد هذا الوئام.. فكيف بنا على مستوى أمة الإسلام.
أمة الإسلام أمة إغاثة وإعانة.. في شهر الصيام نرى تفطير الصائمين، وإعانة المحتاجين، وتفقّد ذوي الحاجات، ونقصر ذلك على الصور المادية الحسية اليسيرة.. تمرٌ يؤكل، أو مال يبذل، أو كساء يُقدّم.. فهل هذا هو وجه الإعانة والإغاثة؟ وهل تلك هي معاني النصرة والعزة؟
أم أننا نتذكر من سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ذلك الحدث الرمضاني العظيم في تاريخ الإسلام والمسلمين يوم نقضت قريش عهدها، وأخلفت موعدها، واعتدت على حلفاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدواناً غير معلناً، وبصورة محدودة، وجاء عمرو بن سالم الخزاعي في أربعين من خزاعة إلى الرسول في المدينة ينشد بين يديه..
يا رب إني ناشد محمدا *** حلف أبينا وأبيه الأتلدا
قد كنتم ولدا وكنا والدا *** ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر هداك الله نصرا أعتدا *** وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا *** إن سيم خسفا وجهه تربدا
في فيلق كالبحر يجري مزبدا *** إن قريشا أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك الموكدا *** وجعلوا لي في كداء رصدا
وزعموا أن لست أدعو أحدا *** وهم أذل وأقل عددا
هم بيتونا بالوتير هجدا *** وقتلونا ركعا وسجدا
فقال - عليه الصلاة والسلام - من فوره: (نصرت يا عمرو بن سالم، لا نصرني الله إن لم أنصر بني كعب) ثم تحرك في رمضان من العام الثامنة للهجرة إلى مكة المكرمة فأعزه الله، ليعلن إنهاء وجود الجاهلية في صورة قوتها العظمى في جزيرة العرب، ورايتها المرفوعة بالظلم والبغي في بلاد العرب، وهو يحطم الأصنام ويقول: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً}.
أين نصرة الإسلام والمسلمين؟ أين هي في أرض فلسطين؟ وأين هي في غيرها من بلاد المسلمين؟ أين هي والأبواب كل يوم تغلق، والطرق كل يوم تُسدّ، والعراقيل توضع أضعاف مضاعفة.. ليست بأيدي الأعداء فحسب، بل بأيدينا وبأيدي أبناء جلدتنا المتكلمين بألسنتنا، المرجفين في وسائل إعلامنا، الذين يفتّون في عضد أمتنا، ويزرعون الرعب والخوف من النصرة والإعانة والأخوة والمددي في قلوب أبناء الأمة.. أليس ذلك جديراً بأن تراجعه أمة الإسلام في شهر الصيام.. أم تكتفي بصور في إطعام الطعام، وتفقد ذوي الحاجات - وإن كان ذلك أمراً محموداً مطلوباً، وهو من الصور التي يمكن أن تؤثر وأن تحرك - لكن المطلوب أكبر وعلى مستوى الأمة أعظم، والأمر في مثل هذا يطول.. وكم سمعنا من مثل ما استنجد به عمرو بن سالم.. فهل سمعنا مثل قول محمد - صلى الله عليه وسلم -: (نصرت يا عمرو بن سالم، لا نصرني الله إن لم أنصر بني كعب) وهل ترحمه الكلمات إلى واقع أظهر عزة الإسلام، وهيبة المسلمين كما فعل النبي - عليه الصلاة والسلام - يوم فتح مكة، يوم أشعل النيران، ويوم جعل الكتيبة الخضراءº ليقذف الرعب والوهن والضعف في قلوب أعدائه، فيهزمهم وهم في مواضعهم قبل أن يتحركوا..
أمة الإسلام أمة قوة وإرادة ألسنا في هذا الصيام.. نجد هذه القوة في القوة الإيمانية، والإرادة في الإرادة النفسية.. ألسنا اليوم نطالب أهوال النفوس، وننتصر على ضعفها، ونأخذها بغير ما تحب إليه من الركون إلى دنياها، والتمتع والرغبة في راحتها ودعتها وكسلها وخمولها؟ ألسنا اليوم عندنا من قوة إيماننا ما نجد به خشوعاً في قلوبنا، وأثراً لذلك في دموعنا، وصورة حية فيما تتعلق بنفوسنا؟ ألسنا نحن الذين في هذا الشهر الكريم - ومع هذه العبارة العظيمة - نجد أننا على صورة إيمانية، ونفسية متميزة فريدة.. فأين ذلك من المسلم الذي يملك ويحزم رأيه، ويعزم في مسيرته على نهج ربه
وقفة عن حال الأمة.. هل هي اليوم من خلال هذه الفريضة تتذكر أنه يجب أن تملك قرارها، وأن تعتز بإسلامها، وأن تتعالى بإيمانها.. أن تكون متثبتة بدينها، واثقة بمناهجها، وليست هي التي ترفع أصواتها مشككة في واقعها، ومبلبلة لأبنائها ومجتمعاتها وشعوبها، وجاعلة الأصل في مسيرتها على مر العقود المتوالية أنها كانت خاطئة أو ربما كانت خاطئة، أو ربما كان فيها حين وحين! وكأن أمم الأرض الأخرى بريئة من ذلك، والحق أنها هي الأجدر بأن تكون موصوفة بكل هذه الصفات الذميمة من العنف والإرهاب والظلم والقتل، ولكن الأمة إذا فقدت إرادتها، وإذا ذهبت قوتها، وإذا تخلت عنها عزتها، أصبحت تنطق بلسان عدوها، وتقوم بأعمال نيابة عنه، وتلك مصيبة عظمى لابد أن تستيقظ لها الأمة، وهي تمر في هذه المواسم والعبادات كأنما هي مخدرة لا تشعر بشيء.. ألسنا نعرف من هذه القوة الغائبة، والإرادة المستلبة أن البلاد ليس من أعدائنا فحسب، بل من أبنائنا، ومن داخل ديارنا في عرض بلاد الإسلام كلها إلا ما رحم الله - عز وجل -.. أفليس جديراً بالأمة اليوم بدلاً من أن ترقص وتغني، وتوالي الفوازير، وتأتينا بالمقابلات للفنانين والفنانات، وتصبح وتمسي علينا بالمسلسلات المتتابعات في الأيام واليالي المتواليات.. كأنما نحن أمة نريد أن نلهو وأن نلعب كأنما نحن ليس لدينا أراض مغتصبة وليست لنا أمم من الأرض متشمعة لتطعننا في أعز شيء لدينا في ديننا، في كتاب ربنا، ومقام رسولنا.. كأننا لا نسمع في هذه الأيام ومع بداية شهر الصيام تلك الأقوال العظيمة القبيحة التي يتفوه بها أعداء الإسلام في شرق وغرب والأمة كأنما هي صماء لا تسمع، أو بكماء لا تتكلم، أو عمياء لا تبصر.. لا أقول هذا أيها الإخوة وإنما نريد إنما نواجه أنفسنا بحقيقة واقعنا، وأن نحاسب أنفسنا نحنº فإننا جزء من هذا القصور، وإننا سبب من أسباب هذا البلاء، وإننا بداية انطلاق من بدايات الانطلاقات المهمة لحياة أمتنا.. نسأل الله - عز وجل - أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً.
الخطبة الثانية:
أما بعد أيها الإخوة المؤمنون:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى اللهº فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن من آثار الصيام ما يحتاج إلى مزيد من حديث.. فأمة الصيام أمة تأثير وتغيير.. ألسنا نرى أننا نغير مواعيد طعامنا وشرابنا، وأوقات أعمالنا وراحتنا، ومواعيد يقظتنا ونومنا؟
ألسنا نغير كثيراً من واقع حياتنا في كل شيء، ليس على مستوى الفرد ولا على مستوى المجتمع بل على مستوى الأمة كلها، تغيير حقيقي، ظاهر في الأحوال اليومية الدائمة، تغيير ليس له سبب الإطراء، ووجود هذه العبادة والفريضة.. أفنغير وقت طعام و شراب ولا نغير أوضاع.. اختلال واختلاف لقول الله - تعالى -: {إن الله لا يغير بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
وقوله - تعالى -: {ولن تجد لسنة الله تبديلا} {ولن تجد لسنة الله تحويلا}
{ذلك بأن الله لم يكن مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم}
نعمة عزة غابت، ونعمة قوة ضاعت، ونعمةٌ نراها في مجموع الأمة قد ذهبت، والله - جل وعلا - لا يغيرها إلا بأسباب، مما أخلفت فيه موعد ربها، وخالفت فيه هدي رسولها.
التأمل والتدبر ونحن نغير هذه الأمور الحياتية، ونجعلها صبغة في الأمة.. ما بالنا لا نغير الوقائع المؤلمة؟
لأن حقيقة الصيام أيضاً تعلن أن أمة الإسلام أمة كتاب وسنة.. لِمَ نصوم رمضان وليس شعبان ولا شوال؟ نقول هكذا جاءت بهذا آيات القرآن.. لِمَ نصوم من فجر إلى غروب؟ نقول هكذا وردت به الآيات، وثبتت به سنن المصطفى - صلى الله عليه وسلم -؟ لماذا نشتري التمور بالملايين والملايين.. لماذا؟ لتوافق الأمة كلها في سنة من سنة الطعام، نحن نتابع الرسول - عليه الصلاة والسلام - حتى في طعامه وشرابه، وما يبدأ به وما يؤخره بعد ذلك.. أين هي من كتاب الله؟ وأين هي من هدي وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أم نفطر بتمر وماء ونحرص على التمرات وعلى هذه السنن العظيمة الجليلة ثم نضيع ما هو مثلها وأعظم منها، وأكثر أهمية من عزة وأخوة ونصرة وقيام بحق الله - عز وجل -، وانتصار لدين الله، ورفع لرايته، ونشر لدعوته، وقد خرست الألسن عن أن تقول كلمة الحق، وتجهر به، ليعتزوا بإسلامهم وإيمانهم، ويرفعوا بذلك رؤوسهم كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين}.
كثيرة هي المعاني التي ينبغي أن تفقهها الأمة من فريضة الصيام، ولا يقولن أحد لما تحدثنا عن الأمة ولسنا نحن الذين ندبرها أم نملك قرارها؟ فأقول: إنكم تملكون قرار أنفسكم، وتدبرون أمركم، وتؤثرون في مجتمعكمº فإن عجزتم أن تحققوا ذلك في هذه الدوائر.. فأنتم فيما سواها أعجز! ودعوكم حينئذ من النقد، ومن الذم للأوضاع العامة، وذكر تقصير العلماء أو تفريط الحكام أو غير ذلكº لأنكم أنتم - وأنا معكم وغيرنا أيضاً - قد فرطوا وقصروا، وكانوا جزءاً من هذا البلاء.. فلنبدأ بإصلاح أنفسنا، فلننتبه إلى هذه المعاني في واقع حياتنا، وفيما ولانا الله - عز وجل - أمر في أسرنا أو في أوضاعنا المختلفةº فإن صلاح الفرد مؤذن بصلاح الأمة كلها، وإن صلاح الأفراد مؤذن بدفع كثيراً من البلاء، ومؤذن بتنزل كثيرٍ, من الرحمة.. وما نراه اليوم من بشائر الخير في مثل هذا الشهر العظيم، والفريضة الكريمة إنما هو من هذه الخيرات التي نرى تضاعفها عام بعد عام.. فينبغي لنا أن نفتح أبواب الأمل، وأن نجعل هذا الواقع مشعلاً لنيران الحماسة في القلوب، معلياً للهمة في النفوس، ومحركاً للجوارح والأعمال في الواقع، وممداً لجسور الأخوة والترابط والوحدة والتآلف والتآزر في مواجهة أعداء الله وأعداء الإسلام والمسلمين.. نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يجعل لهذه الأمة من بعد ضعفها قوة، ومن بعد ذلها عزة، ومن بعد فرقتها وحدة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد