ونطق التاريخ قبل أن ينطق الحجر


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله، وبعد،،،

فإننا في زمن الاستسلام باسم السلام، والتنازل باسم المفاوضات، زمن أحلامه وفكره وأدبه يصور العدو صديقًا، والناصح شريرًا، والملتزم بالدين والقيم إرهابيًا، والرافض للانحلال رجعيًا، إنه زمان كثرت فيه معاول الهدم التي تحطم جدار الولاء والبراء، وتغير نظرتنا للأعداء، وتغيب مفاهيم الجهاد والعزة في سبيل الله، وكم تحتاج الأمة والحالة هذه إلى معرفة الداء والدواء، وذلك بالرجوع إلى موردها الصافي.

وهذه معالم في تاريخ المعركة مع اليهود، أسوقها تذكره لنا بحقيقة الأعداء، ولنبين خطرهم على الأمة، إنها معالم سوداء في صفحات اليهود، وحقائق ذكرها الله عن اليهود، وهي من القرآن والسنة والشواهد التاريخية الصادقة، وهذه المعالم التي سنذكرها ينبغي أن نعلمها ونُعلمها وأن نسوقها لأجيالناº حتى لا نغتر باليهود، وحتى لا نسالم اليهود، وحتى لا نتنازل مع اليهود.

 

 ومن أبرز هذه المعالم التي جاءت في القرآن عن اليهود:

المَعلم الأول: عدواتهم للإنسانية عامة، وللمؤمنين خاصة: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشرَكُوا... [82]}[سورة المائدة]. قال ابن كثير: \'ما ذلك إلا لأن كفر اليهود كفر عناد وجحود ومباهتة للحق، وغمط للناس، وتنقص بحملة العلمº ولذلك قتلوا كثيرًا من الأنبياء حتى هموا بقتل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذات مرة، وسموه وألبوا عليه أشباههم من المشركين، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة\'.

 

فعداوة اليهود هذه تشهد بخستها القرون الغابرة، وتؤكدها الأعصار اللاحقة، أذكر منها:

ما حصل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فحاولوا أكثر من مرة قتله، فلم يفلحوا، تعاونوا مع المشركين ومع المنافقين لحربه ولكنهم لم يوفقوا، بل وأعلنوا العداوة بكل وقاحة وصراحة مع كونهم يعترفون بنبوته، ولكنهم كفروا بهº حسدًا وبغيًا حتى الممات، فهذا زعيم من زعماء بني إسرائيل الغابرين حيي بن أخطب زعيم يهود بني النضير سأله أخوه أبو ياسر: أهو هو؟ قال: نعم والله إنه لمحمد، قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم، قال: فما في نفسك منه؟ قال: عدواته والله ما بقيت.

واستمرت عداوة اليهود للإسلام والمسلمين: فبعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في أيام الخلفاء الراشدين يخرج ذلك القذر عبد الله بن سبأ اليهودي ليشعل الفتنة، ويبذر الخلاف بين المسلمين، وكانت الفتنة وكانت الحروب.

ونتجاوز الزمن ونقف عند الدولة العثمانية: حاول اليهود ليسمح لهم بالهجرة إلى فلسطين، ليستوطنوا فيها، فأصدر السلطان عبد الحميد أمرًا بمنع اليهود القادمين لزيارة بيت المقدس من الإقامة في القدس أكثر من ثلاثة أشهر، ثم يعيدون الكرة مع السلطان عبد الحميد الثاني، ويعيدونه ويمنونه بالهبات والأموال والاقتصاد.. لقد وعدوه بسداد الديون المستحقة على بني عثمان، وعلى تقديم القروض الائتمانية لتطوير الزراعة والاقتصاد في دولة بني عثمان، وعلى إنشاء جامعة في اسطنبول تغني الطلبة الأتراك من أن يسافروا إلى أوروبا.. كل هذه الوعود والهبات، مقابل إنشاء مستعمرة قرب القدس، فهل تنازل المسلم؟

 

لا.. بل أجابهم بالرفض التام والتوبيخ كما في الوثائق المشهورة عنه، فماذا فعلوا مع هذا السلطان؟ لقد حققوا أهدافهم وتآمروا مع الدول الكبرى لإسقاط الدولة العثمانية، فأسقطوها، واختاروا الزعماء المناسبين لها، الذين أعلنوا العلمانية، وفعلوا بالمسلمين ما فعلوا.

 

 

 

ويستمر العداء ويؤكده الخلف، فليست عداوتهم تاريخًا مضى وانتهى، بل هي عقيدة راسخة يلقنها الآباء للأبناء، فهذا مناحم بيجن يقول: \' أنتم أيها الإسرائيليون لا يجب أن تشعروا بالشفقة حتى تقضوا على عدوكم ولا عطف ولا رثاء حتى تنتهوا بإبادة ما يسمى بالحضارة الإسلامية التي سنبني على أنقاضها حضارتنا\'. ويقول بن غوريون: \' نحن لا نخشى الاشتراكيات ولا الثوريات، ولا الديمقراطيات، نحن فقط نخشى الإسلام، هذا المارد الذي نام طويلًا وبدأ يتململ\'. وهذا إسحاق شامير يقول -في حفل استقبال اليهود السوفيت المهاجرين إلى إسرائيل-: \'إن إسرائيل الكبرى: من البحر إلى النهر، وهي عقيدتي وحلمي شخصيًا، وبدون هذا الكيان لن تكتمل الهجرة، ولا الصعود على أرض الميعاد، ولن يتحقق أمننا ولا سلامنا\'.

 

هكذا يخططون، ويأبى الله والمؤمنون أن يتحقق لهم ما يريدون، وفينا أهل الجهاد، وفينا أهل الجد والعمل.

 

المَعلم الثاني - وهو بارز في تاريخ اليهود - فهو نقضهم للعهود، وخيانتهم للمواثيق: قال - تعالى - مجليًا هذه الحقيقة: {الَّذِينَ عَاهَدتَ مِنهُم ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهدَهُم فِي كُلِّ مَرَّةٍ, وَهُم لا يَتَّقُونَ[56]}[سورة الأنفال]. ويقول: {أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنهُم بَل أَكثَرُهُم لَا يُؤمِنُونَ [100]}[سورة البقرة]. فهذه شهادة ربنا على اليهود، فما هي شهادة الواقع على هؤلاء الأقوام:

 

- لقد عاهدهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكتب بينه وبينهم كتابًا حين وصل إلى المدينة، فهل التزم اليهود العهد؟ هل احترموا الميثاق؟ هل نفذوا بنود السلام؟

 

 كلا فقد غدر يهود بنو قينقاع بعد غزوة بدر، والمعاهدة لم يمض عليها إلا سنة واحدة، وغدرت يهود بني النضير بعد غزة أحد. تجرءوا على المسلمين بعدما أصابهم من البلاء في هذه الغزو الشديدة، وغدرت بنو قريظة عهدهم في أشد الظروف وأحلكها على المسلمين يوم الأحزاب.

 

إن اليهود قوم بهت خونة كما قال عبد الله بن سلام الذي كان يهوديًا فأسلم - رضي الله عنه وأرضاه -، هم نقضة العهود، هم نقضة المواثيق، فإذا كان هذا واقعهم مع من يعرفون صدقه ونبوته كما يعرفون أبناءهم، فهل يرجى من اليهود حفظ العهود مع الآخرين؟!

 

إذا كان هذا حالهم مع من يعدونه نبيًا - صلى الله عليه وسلم -، فكيف يكون الحال مع من يرونه ذَنَبًا؟! وتلك هي حالهم في وقت عز المسلمين واجتماع كلمتهم، فكيف يكون حالهم الآن مع ضعف المسلمين وتفرقهم؟!

 

إن اليهود ينظرون إلى العهود مع غيرهم على أنها ضرورة لأغراض مرحلية، أو لمقتضيات مصلحة آتية، فإذا استنفذوا هذه الأغراض المرحليةº نقضوا الميثاق، وهذه هي طبيعة اليهود.

 

إن من الجهل والحمق الثقة بأي معاهدة يبرمها اليهود، وبأي اتفاق يتم مع اليهود، وإن الذين يعتقدون من اليهود التزامًا صادقًا، أو ينشدون صلحًا آمنًا، أو سلامًا عادلاً دائمًا شاملاًº هؤلاء إنما يجرون وراء السراب الخادع، ويحرثون في البحر الهائج.. كيف لا، وفي حكم ربنا عليهم في نقض العهود والمواثيق. وليس ذلك بحكم فئة منهم، بل أكثرهم لا يؤمنون: {أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنهُم بَل أَكثَرُهُم لَا يُؤمِنُونَ[100]}[سورة البقرة].

 

المعلم الثالث: من المعالم القرآنية التي حكم الله بها على اليهود أن التفرق والشتات ماضٍ, فيهم إلى يوم القيامة:

{وَقَطَّعنَاهُم فِي الأَرضِ أُمَمًا مِنهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنهُم دُونَ ذَلِكَ وَبَلَونَاهُم بِالحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ[168]}[سورة الأعراف]. {... وَأَلقَينَا بَينَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغضَاءَ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ... [64]}[سورة المائدة]. {... تَحسَبُهُم جَمِيعًا وَقُلُوبُهُم شَتَّى... [14]}[سورة الحشر]. نعم فهذه سنة من سنن الله في اليهود ماضية وهي باقية يعلمها من سبر تاريخهم قديمًا وحديثًا.

فبعصرنا الحاضر وفي دولة ما يسمى إسرائيل يوجد من العداوة والبغضاء والتفرقة العنصرية بين اليهود ما الله به عليم، اليهود الذين جاءوا من الشرق يعادون أهل الغرب، واليهود الذين جاءوا من أوروبا ينظرون إلى يهود العراق وفي اليمن ويهود الفلاشا نظرة دونية، يتعاملون معهم بالطبقية، وصدق الله: {... تَحسَبُهُم جَمِيعًا وَقُلُوبُهُم شَتَّى... [14]}[سورة الحشر].

 

فلا تظنوا أن يهود اليوم صف واحد، وبنيان مرصوص كلا فبنيانهم مثل بيت العنكبوت: {... وَإِنَّ أَوهَنَ البُيُوتِ لَبَيتُ العَنكَبُوتِ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ[41]} [سورة العنكبوت].

وما يخيل لبعض المسلمين اليوم من هيبة وقوة واجتماع كلمة اليهود، وسيطرتهم على العالم اقتصاديًا وسياسيًا، وما إلى ذلك إنما يبرز بسبب واقع المسلمين، فهم لا يجتمعون إلا إذا تفرقنا، ولا يتحركون إلا إذا نمنا، ولا يقوون إلا إذا ضعفنا.

ما يحصل لهم من القوة والعزة إنما يبزر بسبب واقع المسلمين من التفرقة والضعف والشتات، لكن حينما نعود إلى كتاب ربنا وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم -º ينقشع عنا هذا الكابوس وسنبصر حقيقة الحال، وتذهب الغشاوة عن العيون، ويفر اليهود كما تفر الفئران، ليحتموا بقصورهم وحصونهم وأشجارهم وصدق الله: {لا يُقَاتِلُونَكُم جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ, أَو مِن وَرَاءِ جُدُرٍ, بَأسُهُم بَينَهُم شَدِيدٌ تَحسَبُهُم جَمِيعاً وَقُلُوبُهُم شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُم قَومٌ لا يَعقِلُونَ[14]}[سورة الحشر].

والواقع الآن يقرر هذا: فهم يخافون من شباب وفتيات فلسطين، يخافون من الصغار والأطفال الذين لا يملكون إلا حفنات الحصى والرمال. وذكرت بعض التقارير أن غالب الإصابات في الفتيان والأطفال لا تأتي إلا في الرءوس وفي الصدورº لأن اليهود يخافون من هؤلاء الأطفال والشباب الذين يحملون الإرادة القوية، والعزيمة الماضية، والحماس والجهاد في سبيل الله.

 

المعلم الرابع: التطاول على الذات الإلهية، وإساءة الأدب مع الله: {وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغلُولَةٌ غُلَّت أَيدِيهِم وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَل يَدَاهُ مَبسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيفَ يَشَاء... [64]}[سورة المائدة]. {لَقَد سَمِعَ اللَّهُ قَولَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحنُ أَغنِيَاءُ... [181]}[سورة آل عمران].

 

المعلم الخامس: التزوير المتعمد لكتاب الله المنزل عليهم وتغييرهم لحقائق الدين:{... يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ... [46]}[سورة النساء] {... فَوَيلٌ لِلَّذِينَ يَكتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيدِيهِم ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِن عِندِ اللَّهِ... [79]}[سورة البقرة].

 

فاختلقوا كتابًا من عند أنفسهم، وأضفوا عليه من القداسة أكثر من التوراة المنزلة على نبي الله موسى، بل ويفضلونه على شريعة موسى، وفي التلمود نص يشير إلى أن من يخالف شريعة موسى خطيئته مغفورة، أما من يخالف التلمود، فإنه يعاقب بالقتل. والتلمود هو شرح للتوراة ألفه أحبارهم وعلماؤهم، يمجد الشعب المختار، ويدنس الأنبياء الأطهار، ويعد الناس حيوانات، ويأمر بأكل أموال الناس بالباطل حتى تعود إلى ملك شعب الله المختار.. إلخ الترهات والعجائب.

 

المعلم السادس: ارتكابهم للموبقات، وانحرافاتهم الأخلاقية:

فهم أكلة المال الحرام، أكلة الربا، أكلة السحت، يقول الله مبينًا هذا الفساد {وَتَرَى كَثِيرًا مِنهُم يُسَارِعُونَ فِي الإِثمِ وَالعُدوَانِ وَأَكلِهِمُ السٌّحتَ لَبِئسَ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ[62]لَولَا يَنهَاهُمُ الرَّبَّانِيٌّونَ وَالأَحبَارُ عَن قَولِهِمُ الإِثمَ وَأَكلِهِمُ السٌّحتَ لَبِئسَ مَا كَانُوا يَصنَعُونَ[63]}[سورة المائدة]. ولم تستخدم كلمة السحت في القرآن إلا في حق اليهود.

 

المعلم السابع: من المعالم التي ذكرها الله عن اليهود:

أن القوة الرهيبة هي التي تحملهم على الالتزام بالشرائع، وتطبيق العهود والمواثيق: فالشخصية اليهودية ملتوية تطلق لنفسها العنان في الإفساد، وتبحر في بحار الشهوات بلا ضابط، ولا قيود، لقد جاءهم موسى - عليه السلام - بألواح التوراة كما قال - تعالى -: {وَكَتَبنَا لَهُ فِي الأَلوَاحِ مِن كُلِّ شَيءٍ, مَوعِظَةً وَتَفصِيلًا لِكُلِّ شَيءٍ, فَخُذهَا بِقُوَّةٍ, وَأمُر قَومَكَ يَأخُذُوا بِأَحسَنِهَا سَأُرِيكُم دَارَ الفَاسِقِينَ[145]}[سورة الأعراف].

قال ابن جرير: \' قال ابن عباس - رضي الله عنه -: أمرهم موسى بالذي أمره الله أن يبلغهم إياه من الوظائف والشرائع ثقلت عليهم، وأبوا أن يقروا بها، حتى نتق الله الجبل فوقهم كأنه ظله، قال: رفعته الملائكة فوق رءوسهم\'.

 

المعلم الثامن: كثرة إشعالهم للحروب والفتن، وإفسادهم في الأرض:

ولكن الله تولى إخماد حربهم وإفسادهم: {كُلَّمَا أَوقَدُوا نَارًا لِلحَربِ أَطفَأَهَا اللَّهُ وَيَسعَونَ فِي الأَرضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبٌّ المُفسِدِينَ[64]}[سورة المائدة]. ومع تكبر اليهود وفسادهم ومع كل لما مضى من خبرهم وحقائقهم يأبى الله إلا أن ينتقم من هذه الحثالة الفاسدة في الحياة الدنيا، فيبعث جندًا من جنده لتقليم أظافر اليهود كلما تطاولت إلى يوم القيامة، وبتسليط الشعوب والأمم عليهم كلما طغوا وأفسدوا وتجبروا، وصدق الله: {وَإِذ تَأَذَّنَ رَبٌّكَ لَيَبعَثَنَّ عَلَيهِم إِلَى يَومِ القِيَامَةِ مَن يَسُومُهُم سُوءَ العَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ[167]}[سورة الأعراف].

 

لقد حكم الله عليهم بالهزيمة في الدنيا كلما عادوا إلى الإفساد مع ما يدخره لهم في الآخرة من العذاب والنكال الشديد: {... وَإِن عُدتُم عُدنَا وَجَعَلنَا جَهَنَّمَ لِلكَافِرِينَ حَصِيرًا[8]}[سورة الإسراء]. هذا في القرآن.

وفي صحيح السنة أخبر الصادق المصدوق عن الملاحم التي تكون في آخر الزمان، ومن بينها الحرب مع اليهود: [لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ المُسلِمُونَ اليَهُودَ فَيَقتُلُهُم المُسلِمُونَ حَتَّى يَختَبِئَ اليَهُودِيٌّ مِن وَرَاءِ الحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الحَجَرُ أَو الشَّجَرُ يَا مُسلِمُ يَا عَبدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيُّ خَلفِي فَتَعَالَ فَاقتُلهُ إِلَّا الغَرقَدَ فَإِنَّهُ مِن شَجَرِ اليَهُودِ] رواه مسلم.

هذه معالم وحقائق في تاريخ المعركة الصراع مع اليهود، ونحن ننتظر المعركة الفاصلة مع بني صهيون كما أخبر الصادق المصدوق، ولا شك أن العلم بهذه المعالم والحقائق مهم في كل زمان، وهو في أزماننا هذه أهم، وقد قيل: أن معرفة المؤمنين بحالهم وحال أعدائهم هي نصف المعركة. نعم.. تنظير المشكلة، ومعرفة العدو وماذا يخطط وماذا يفعل؟ نصف المعركة.

وهذا منهج قرآني فربنا تكلم عن اليهود في غير ما آية، وتكلم عن أهل الكتاب، وتكلم عن المنافقينº لنحذرهم ونستعد للمعركة: {... هُمُ العَدُوٌّ فَاحذَرهُم... [4]}[سورة المنافقون]. حتى لا تنخدع بأحابيلهم مهما أرضونا بالكلام المعسول من السلام، من العدل، من المصالحة، من حقوق الإنسان، ولكن ما تخفي صدورهم أكبر، ما تجن لنا نواياهم من الحقد والشر أكبر وأعظم.

ويبقى شق مهم: وهو العمل والاستعداد مجرد أن تعلم حقيقة الأعداء، هذا لا يكفينا يجب أن نعمل، وأن نستعد، وأن نعد العدة: {وَأَعِدٌّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ, وَمِن رِبَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُم وَآخَرِينَ مِن دُونِهِم لَا تَعلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعلَمُهُم... [60]}[سورة الأنفال]. ولا بد أن نقوم بالنصرة.

هذه الحقائق والمعالم عن اليهود وعن أخلاقهم وعداوتهم ونقضهم للعهود هي من الكتاب والسنة لا يلغيها تخاذل متنازل قبل النزال، ويمحوها من ذاكرة الوجود تراخي وخور منافق ألقى السلاح، وترك الكتاب، وبدأ يهرول في اتجاه العدو في مسرحية وجهز له السلاح. ويريدون تغييبنا إعلاميًا، نتعرض لتغييب بالتلاعب بالألفاظ والمفاهيم، فيسمى الجهاد ثورة، والقتال انتفاضة، والمجاهد متطرفًا.

نتعرض لتغييب شباب الأمة عن معاني الجهاد والكرامة والعزة و الاستعداد، يغيبون شبابنا بالجنس والشهوة والرياضة. يغيبون شبابنا عن معالي الأمور، يلهون شبابنا بالدنيا. نتعرض إلى تغييب في مناهج التعليم بسبب التطبيع. هل بعد ما ذكره ربنا يتلاعب بمناهجنا التي تعادي بني إسرائيل؟!

لن يمسحوا من قلوبنا: {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَلَا الضَّالِّينَ [7]}[سورة الفاتحة]. ولن يمسحوا من صدورنا: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشرَكُوا... [82]}[سورة المائدة].

ففروا إلى ربكم، وإلى سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم -: ولا يغرنكم كثرة عدوكم فإن الله تكفل بنصرة هذا الدين: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيُّ عَزِيزٌ[40]}[سورة الحج]. {... وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُل عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا[51]}[سورة الإسراء]. {... أَلَا إِنَّ نَصرَ اللَّهِ قَرِيبٌ[214]}[سورة البقرة].

ولا يغرنكم ما عندهم من القنابل النووية، أو غيرها، لا يغرنك كل هذا، فهذه تزول أمام صيحات التكبير، وهذه تتلاشى أمام عزائم المجاهدين الصادقين: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلٌّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي البِلَادِ[196]}[سورة آل عمران]. قوة عما قليل تتلاشى.. {مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأوَاهُم جَهَنَّمُ وَبِئسَ المِهَادُ[197]}[سورة آل عمران].

ولتعلم أمة الإسلام أنها لن ترجع إلا بالجهاد والعمل الجاد، فماذا فعلنا يا عباد الله؟

 

هل جاهدنا؟ هل تحركنا؟ نعم لقد جاهدنا بالاجتماعات التي نهايتها الشجب والاستنكار وامتصاص غضب الجماهير.

 

لقد حررنا ولكن بالصياح، لقد تحركنا ولكن بالخطب الرنانة، شجبنا بالكلام ولم نحمل سلاح، ولم نركب على سفينة.

 

نشكو إلى مجلس الأمن الدعي!

إن الصياح والشجب والتنديد والاستنكار لن يداوي جراحات المسلمين، ولن يعيد للأمة حقًا مغتصبًا، أو عرضًا مسلوبًا.

 

إن التسول على عتبات هيئة الأمم ومجالس الأمن لن يوقف حمامات الدم. لن يوقف ذلك إلا غضبة كغضبة المعتصم.

 

لقد جربنا لغة التفاوض، ولغة السلام، فلم تفلح معهم إن اللغة التي يفهموها هي لغة القوة، وليس غير القوة، إن القوة هي الترجمة الحقيقة لما يجيش في صدورنا:

 

أخي جاوز الظالمون المدى  فحق الجهاد وحق الفدى

 

وليسوا بغير صليل السيوف  يجيبون صوتا لنا أو صدى

 

 إن النصر لا يأتي من فراغ، وليس ثمن الانتصار يسيرًا بل هو نتاج العمل والجد والاستعداد، ونبذ الراحة، ونبذ غبار الكسل وتطليق الشهوات. {وَأَعِدٌّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ, وَمِن رِبَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُم وَآخَرِينَ مِن دُونِهِم لَا تَعلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعلَمُهُم وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيءٍ, فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيكُم وَأَنتُم لَا تُظلَمُونَ[60]}[سورة الأنفال].

 

كما ينبغي أن نعلم أن قوة الإرادة والعزيمة مطلب مهم، فإن إرادة الشعوب لا تهزم ولا تقهرº لنطرد عن أنفسنا هذا الانهزام وهذا الذل، وهذا الخور.

 

إن قوما قاتلوا من أجل ذرات الرمال، واستبسلوا لأجل الأدغال والأحراش هزموا أمريكا، بل وأجبرت حرب فيتنام الرئيس الأمريكي على الاستقالة، ما سبب ذلك؟

 

إنها الإرادة مع كونها أمة وثنية، ونحن أمة لا إله إلا الله، نحن أمة {وَأَعِدٌّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ,}.. نحن أمة الجهاد. نحن نقاتل عن شيء هو أعز علينا من أنفسنا وأبنائنا، نحن نقاتل عن عقيدة وإيمان.

 

إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحيى دينا

 

ومن رضى الحياة بغير دينا فقد جعل الفناء لها قرينًا.

 

إذا أردنا النصر فلا بد أن نعتز بالإسلام.. هذا الفاروق عمر - رضي الله تعالى عنه - حرر القدس بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بـ6 سنوات، حررها بثياب مرقعة، لكنه كان يقول وهو في الطريق إليها: \' نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيرة أذلنا الله\'.

 

أيا يا عمر الفاروق هل لك عودة *** فإن جيوش الروم تنهي وتأمر

 

أمة الإسلام إن عزتنا ورفعتنا بالجهاد في سبيل الله، والأمة حين تغيب نفسها عن الجهاد في سبيل الله، وحينما تتقاعس عن هذه الفريضة التي أصبحت في زمننا المعاصر فريضة غائبةº فإن الهوان والذل سيلحقها، قال - صلى الله عليه وسلم -: [إِذَا تَبَايَعتُم بِالعِينَةِ وَأَخَذتُم أَذنَابَ البَقَرِ وَرَضِيتُم بِالزَّرعِ وَتَرَكتُم الجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيكُم ذُلًّا لَا يَنزِعُهُ حَتَّى تَرجِعُوا إِلَى دِينِكُم] رواه أبو داود وأحمد.

ولنثق بموعود، وأن الله قادر على أن يخلق من الضعف قوة، وسلطة مهما ادعت موازين البشر أن النصر بعيد، وأن عدد الأمة قليلة، مهما قالوا هذا الكلام، فإن السنن الإلهية، وإن إرادة الله - جل وعلا - لا تعترف بالقلة والكثرة: {... كَم مِن فِئَةٍ, قَلِيلَةٍ, غَلَبَت فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ[249]}[سورة البقرة].

والله - جل وعلا - هو الذي قدر على أن يشق لموسى طريقًا في البحر يبسا، - سبحانه - قادر على أن ينجي المستضعفين في كل مكان، ويحمي النساء من الجلادين، قادر - سبحانه - على أن يحفظ المجاهدين، والذي نصر القلة في بدر ومؤتة قادر على نصرة المجاهدين في كل مكان اللهم انصر إخواننا المجاهدين نصرًا مؤزرًا. كن لهم وليًا، ومعينًا، ونصيرًا.

 

ـــــــــــــــــ

من خطبة: \'ونطق التاريخ قبل أن ينطق الحجر\' للشيخ/ محمد بن إبراهيم السبر

 

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply