مخاطر الاغتيالات


 

 

 

الخطبة الأولى

أما بعد أيها الأخوة المؤمنون:

\" مخاطر الاغتيالات \" حديثً يهمّنا كثيراً، وبادئ ذي بدءٍ, أن حديثي ليس مركزاً ولا مقصوراً على الاغتيالات بمعناها الذي تعرفونه بما تشتمل عليه من قتل الغيلةº لأن الاغتيال في معناه إلحاق الشر أو القتل أو الضر بالإنسان خفية أو خدعة.

وكلنا يعلم هذه المخاطر من هذا المعنى المعروف، والأحداث التي جاءتنا قريباً في العاشر من هذا الشهر - وليس حديثنا عن هذا- لأن حكمه معلومº فإن القتل بغير حقٍ, حرام من أعظم الكبائر في دين الإسلام، وإن المفاسد التي تترتب على ذلك لها عظمة لا تكاد تخفى على أحد، ولها أثرٌ وخيم، وضرر كبير لا تخطئه العين، فكل قتلٍ, بغير مسوغٍ, وسببٍ, شرعيٍ, ظاهرٍ, فهو من أعظم المحرمات، والقتل العشوائي الذي لا يفرق بين كبيرٍ, ولا صغير، ولا رجلٍ, ولا امرأة، ولا صالح ولا طالح هو قطعاً مما يعلم أنه ليس له في الحل والمشروعية مكان ونصيبº إذا لم يكن مقصودٌ به أعداء الله - عز وجل - من الكفرة والمحاربين المعتدين.

وهناك مفاسد عظيمة - ليس هذا حديثنا فيها ومقامنا عنها - نذكرها تمهيداً لما نريد الحديث عنه:

من أجلّها: ترويع المسلمين وإشاعة الخوف في قلوبهم، وصبغه في حياتهم

وقد ورد عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم: (من أشار إلى مسلمٍ, بحديدته فهو يتوجأ بها في نار جهنم إلى يوم القيامة).

وذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من كان معه سهام ودخل إلى مسجدٍ, فليأخذ بنصال سهامه) حتى لا يؤذي أو يروع المسلمين، فكيف ومثل هذا القتل والاغتيال يجعل كل واحدٍ, يرى أنه قد يكون هو المقصود في ذلك، فلا يكاد أحدٌ يأمن على نفسٍ, وروح، ولا على مالٍ, وملك، ولا على عرضٍ, وشرف!

وفيه مفسدة أخرى وهي: الاستهانة بالدماء:

وهي من أعظم ما حرم الله - عز وجل - وعظم شأنه حتى قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء).

الدماء وما أدراك ما الدماء!

كل شيءٍ, يهون بعد الإيمان والاعتقاد الصحيح، قال - صلى الله عليه وسلم -: (ما لم يصب دماً حراماً).

وهذا القتل العشوائي الكبير الواسع كأنما يُجرئ الناس على هذا القتل، ويجعل النفس رخيصةً لا قيمة لها، وذلك ليس من أحكام الإسلام ولا من مقاصده، بل هي على النقيض من ذلك.

ومفسدة أخرى وهي: حصول الفتنة والإضطراب، وحيرة الآراء، وتبلبل الأفكار، واختلاف الظنون، وحصول كثيرٍ, من هذه الأمور العظيمة التي تضطرب بها الأحوال.. إضافةً إلى إفادة أعداء الإسلام والمسلمينº فإن التفريق ليس بحاصلٍ, على وجهٍ, يدركه العاقل، بحيث يكون تمييزً تاماً وكاملاً بين مسلمً وآخر.

ثم هو من جهة أخرى إضعافٌ لمواجهة الكفرة المعتدين المحتلينº لأن كل جهدٍ, يصرف في بابٍ, غير بابه، وفي أولية غير أولويتها لا شك أنه يؤثر، وهذا أمره ظاهر بيّنº ولذا لا أفيض فيه.

ومقصدي الأعظم هو نوع آخر من الاغتيالات، لا يقل خطراً، ولا يستهان به ضرراً، ولا يغفل عنه فتكاً، إذ هو اغتيال ينفذ إلى سويداء القلوب وإلى أعماق النفوس.

إنه اغتيال يجتث أصول وجذور التدين من قلوب المؤمنين، وهو إلى ذلك ينزع عنهم ما يجمّلهم من الأخلاق الفاضلة، والقيم السامية، فيمسخهم حتى يصيروا كالبهائم والحيوانات، لا تعرف في حياتها إلا شهوة بطنها وفرجها.. ذلكم الاغتيال الذي يسري بين صفوفنا، وتتشربه عقولنا، ويتسرب إلى نفوسنا، ويجوس بين ديارنا، ويختطف أبنائنا وبناتنا، ويغزونا في عقر دارنا، ويجري على ألسنتنا، ولا تخطئه عيوننا ولا أسماعنا.. أفلا ترون أنه أشد خطراً من قتل تزهق به النفس من مرة واحدةº فإن الإنسان بلا إيمان ولا أخلاق ليست له قيمة في دنياه، وليس له في الآخرة إلا جهنم وساءت مصيراً، ثم لا يرتقب منه إذا تجرد من إيمانه وخلقه إلا كل فساد وضرر وخطر، ليس على نفسه فحسب بل على البشرية كلها.

 

أولاً: اغتيال الورع والتدين:

أيها المؤمنون.. أيها المسلمون.. يا أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم -.. يا من تستضيئون بضياء آيات القرآن، وتسترشدون بهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

إن أعظم ثروة تملكونها، وأغلى قيمة تنضوي في صدوركم وقلوبكم هو ذلك الإيمان، الذي يشعّ بالتدين والخوف من الله والمراقبة له والحياء منه والرغبة والشوق إليه.. ذلكم المعنى العظيم الذي يتحقق به الورع.

ومن جميل ما في لغة العرب أنهم يقولون: \" أن الورع هو الكف عن المحارم والتحرج منها \".

وقال المنوي - رحمه الله -: \" الورع ترك ما يريبك، ونفي ما يعيبك، والأخذ بالأوثق، وحمل النفس على الأشق \"، وقيل في معناه: \" تجنب الشبهات، ومراقبة الخطرات \"، وقيل: \" ترك ما لا بأس بهº حذراً مما به بأس \".

 

وأجمع وأوجز ابن القيم فقال عن الورع:

هو ترك ما يخشى ضرره في الآخرة يوم تعمر القلوب بالإيمان تصفوا وتسموا وترتفع فيكون أدنى محرمٍ, بل أيسر ما فيه شبهه بل ربما ما فيه حلً تبتعد عنه طلبً للكمال وسموً إلى مرضاة الرحمان - سبحانه وتعالى-

فلا تجد إلا بصرً غاضً عن الحرام ولساناً كافاً عن الآثام وجوارح متزينة بزينة التقوى متحلية بحلية الإيمان.

ولذلك انظروا إلى كلام علماءنا وأئمتنا وهم يجلّون لنا هذا المعنى العظيم في التدين والورع، فيقول الراغب: \" إنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: واجب: وهو في ترك المحارم، ومندوب: وهو في ترك الشبهات، وفضل: وهو في ترك بعض المباحات \".

هذا التدين والورع والمراقبة التي نكاد اليوم نفقدها - إلا من رحم الله - استمعوا إلى حديث حذيفة بن اليمان، وهو يروي عن رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - كلمات من جوامع كلمه يقول فيها - عليه الصلاة والسلام -: (خير دينكم الورع) رواه البزار والطبراني والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

أي الترفع عن المحرمات والشبهات بل وحتى عن بعض المباحات.

وكلكم يستمع ويذكر الحديث المشهور، عن وابصة بن معبد - رضي الله عنه - قال: جئت أسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإثم، فقال: جئت تسال عن الإثم؟ قلت يا رسول الله: ما جئت إلا لذاك!

فقال - عليه الصلاة والسلام -: (البر ما شرح له صدرك، والإثم ما حاك في صدرك وإن أفتاك عنه الناس) رواه الإمام أحمد وجود المنذري إسناده.

أي قلب هذا الذي نستفتيه اليوم وهو اليوم يكاد يفتي في المحرمات المقطوع بها بأنها حلال زلالاً أصفى من الماء وأعذب؟

وأي صدورٍ, تلك التي تضيق بالمنكرات، وقد أصبحت في كل حركة وسكنة، وفي كل لحظةٍ, وثانية وفي كل مكانٍ, حتى في عقر البيوت؟

قال - تعالى -: {يا أيها الذين أمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا}، أي يجعل لكم قلوباً حية بالإيمان، مشرقةً بتقوى تفرق بين الحق والباطل، تنقبض من الباطل وإن لم تعرف دليلاً على حرمته، وتمتنع عن الشبه وإن لم تعرف وجه الاشتباه فيها.

ذلك ما كان عليه من أهل الإيمان من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن تبعهم بإحسان.. هذا الحسن البصري - رحمه الله - يقول: \" أدركت أقواماً هم أخوف منكم من سيئاتكم من أن تقبل منهم حسناتهم)

خوفهم أعظم منكم ليس خوفً من السيئات بل خوفً من عدم قبول الحسنات.

وكانوا يدعون مالا باس فيه مخافة أن يكون فيه بأس قال وأصبحتم تفعلون ما فيه بأس رجاء أن لا يكون فيه بأس

واستمعوا إلى حديث أبي قتادة وأبي الدهماء - رضي الله عنهما -، قالا: أتينا رجلاً من أهل البادية فقلنا له: هل سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً؟ قال سمعته - عليه الصلاة والسلام - يقول: (إنك لن تدع شيئاً لله - عز وجل - إلا أبدلك الله به ما هو خير منه)، وفي رواية أخرى: (إنك لن تدع شيئاً اتقاءً الله - عز وجل - إلا أعطاك الله خيراً منه) أورده الهيثمي في مجمع الزوائد، وقال: رواه أحمد بأسانيد ورجاله رجال الصحيح.

أين هذا الفقه الإيماني؟ أين القلوب التي تترك المحرمات والشبهات والمباحات تعلقاً بما ترجوه من الثواب والحسنات والدرجات؟

أين أولئك الذين يعفون ويمتنعون، وللأبصار يغضون، وعن الحرام بأيديهم يكفون؟

أين تلك المعاني الإيمانية؟ أين التدين الذي تمتلئ به النفس، ويفيض به القلب، ويذكره الإنسان في كل لحظةٍ, وسكنه ويتمثله في كل كلمةٍ, وقول؟

تأملوا معي ما تعرفونه وتحفظونه جزماً.. حديث الحسن بن علي - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، أي دع ما فيه شك واتركه، واذهب إلى مالا شك فيه.

كم من أمورٍ, تراودنا الشكوك - بل أحياناً تكون أقطع وأظهر من الشمس في رابعة النهار - ثم نفعلها ونقولها ونمارسها ونقول لعلها كذا وكذا.. وفي المسألة قولان.. وهناك من قال بغير ذلك.. ولماذا تكون متشدداً والأمر اليوم قد أصبح على غير ما كان عليه من قبل؟ إلى غير ذلك من الترهات وأحابيل الشيطان، وإغواء النفس، وأضاليل أهل الفسق والفجور، ومكر أهل الكفر بأهل الإسلام.

ثم انظر كذلك إلى ما رواه عطية السعدي، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله العظيم: (لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس فيه حذر مما به بأس) رواه الترمذي وابن ماجة في سننهما وحسنه ابن الأثير.

واستمعوا إلى ما هو أخطر من ذلكº فإن أمر اغتيال أهل التدين والورع معناه: أن تموت القلوب وأن يذهب نورها وإشراقها، فلا يعرف حينئذٍ, حلال من حرام، ولا تعرف حرمة من شبهة، بل إنه تنقلب الأمور، ويصبح المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، وتلتبس على الناس الآراء، وتستبد بهم الأهواء.. كلنا يعلم أن ذلك واقع.

وحديثي اليوم عنه في هذه الوسائل الإعلامية، التي لا بد من تكرار الحديث عنها وعن خطرها وضررها، وأنها يمكن أن تصل بك إلى أن تقتلع جذور الإيمان الحقيقي من قلبك، وأن تمسخك مسخاً من كل فضيلة وخلق، أفليس هذا الذي ذكرناه من نزع معنى الحرمة من القلوب، ومن اقتلاع جذور المراقبة والتدين لله - عز وجل - من النفوس ظاهرٌ في هذه الأحوال التي تبثها الفضائيات الفاسدة المفسدة.. يقولون لنا: إن هناك مسائل مختلف فيها، فوجه المرأة أو كفاها للعلماء فيها أقوالº لكنني - وأنتم معي وكل عاقل ومسلم في شرق الأرض وغربها - لم نسمع أن هناك اختلافٌ في كشف الشعور، وإظهار الصدور، وإبداء النحور، والتميع والتكسر والتخنث والتهتك والفسق المعلن، والمجاهرة بالمعصية فيما يسمونه غناءً، وكلماته آثمة، وحركاته مثيرة مغرية، وليس ذلك فحسبº بل ذلك يكرر على الناس صباح مساء حتى فرّغت له قنوات منذ انشقاق الفجر إلى انقضاء الليل، وأنت لا ترى إلا أجساداً عارية، وحركات مائلة، ورقص داعرٌ، وحركات بين رجال ونساء..

ثم بعد هذا كله يقال: إن هذا فنٌ ترقى به الأمة! ويأتونك بذلك الرجل أو بتلك المرأة - ولا أجد حرجاً في أن أقول: الداعر والداعرة، أو الساقط والساقطة - ليكون لهم معهم مقابلة، وما هي معاناته في ذلك؟ وما هي مشاريعه المستقبلية؟ وماذا يود أن يقول لجمهوره؟ وما هي آراءه وخدماته للناس وللأمة؟ بل أكثر من ذلك يقدم لنا على أنه النموذج الأمثل لأبنائنا وبناتنا!

بل إنكم تعلمون ما يبث من البرامج يجمع بين الشباب والشابات في ضحكٍ, ولعبٍ,، وقُبلٍ, وعناق، لا حرمة الاختلاط! ولا حرمة لكشف عورات! ولا حرمة لقبلات! ولا حرمة لكل هذه الأمور المجزوم المقطوع بحرمتها!

تطبع المنكرات ويراد أن تتقبلها النفوس، وتتشربها القلوب، وتقتنع بها العقول، ثم يضفى عليها هالة من الاحترام رغم أنه ليس لها منه أدنى حظ ولا نصيب!

وكم نرى ونسمع عن أولئك ما يندى له الجبين، أقول: إن هذا خطورته أنه يغتال المعاني الإيمانية والورع والتدين ويقلب الأمور رأساً على عقب ويجعل صاحب الحرام الذي ينبغي أن يستتر به إذا ابتلي يظهر به أمام الناس ويذيعه ويشيعه ويعلنه.

وهناك من يدفع له المال من جيوب المسلمين ومما أنعم الله به عليه، ثم يبثه للناس ليوظف هذا المال - الذي هو من نعمة الله - في حرمةٍ, قاطعةٍ, وإفسادٍ, عظيم.

ويتقلب هذا الأمر ليصبح اليوم واقعاًº حتى إنك تسمعه من المسلمين المؤمنين من قد يقول بأن هذا الحرام فيه نظر!

وبالأمس جاءني من يسألني سؤالين عجبت لهما! وهو يسألني بعد انقضاض الصلاة عند باب المسجد، وهذان السؤالان تكشفان لنا عما يدور بين الناس، وما حصل من فتكٍ, واغتيالٍ, لمعاني التدين والفضيلة في نفوسهم وعقولهم!

قال: ما حكم رجلٍ, يريد من زوجته أن تقدم لأصدقائه الضيافة؟ وأن تدخل عليهم بلا حجاب، بل يريدها أن تختلط بهم وأن تعطيهم من مفاتنها ومحاسنها وتكون معهم وترفه عنهم؟

فقلت: هل يسال عن مثل هذا وحكمه مسلم؟

ثم زاد سؤالاً آخراً قال: وما حكم هذا الرجل إذا كان يحاول ممارسة شيءٍ, من الفاحشة والأفعال القبيحة مع زوجة ابنه؟

ويسأل عن هذا سؤالاً يريد له جواباً لينقله إلى غيره!

أقول هذا لا لنعظم الأمر، ونجعل الصورة سوداء! ولكن لا بد من أن نحذر وننتبه، وأن المسالة تبدأ قليلاً ثم تضعف وتعظم وتتضاعف وتزداد حتى نصل إلى الأمر الخطير.

قالوا لك في الغناء أقوال، لكنهم لم يقولوا في شأن غناء النساء مع التهتك والتبرج! وفي شأن الغناء اليوم الذي لا يتم إلا بجمع رجالٍ, ونساءٍ, في أحوالٍ, لا يشك عاقل في أنها مقصودة لكي تقلب الأمور وتغير القلوب والنفوس!

والله - جل وعلا - يقول: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب}.

قال ابن كثير في تفسيره: \" ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعي، أو حلل شيء مما حرم الله، أو حرم شيئاً مما أحل الله بمجرد رأيه وتشهيه \".

وهؤلاء يحلون اليوم ما حرم الله ليس استنباطاً بل نصاً من أقوالهم! فهم يقولون لك: إنه ليس هناك حرمة في الفن، وليس هناك حرمة في كذا وكذا! وهو ظاهر بيّن ما مقصودهم من ذلك.

بل يتحدثون به عن أنفسهم - ومعروف ما العمل الذي يقومون به وما الفن الذي يقدمونه - وهو اليوم يكاد تظهر فيه هذه المرأة المغنية وهي لا تلبس إلا ما يستر السوءتين، مع ما تقدمه من حركات وكلماتٍ, بذيئة فاحشة!

والله - سبحانه وتعالى- يقول: {قل أراءيتم ما أنزل الله لكم من رزقٍ, فجعلتم منه حراماً وحلالاً}

قال ابن كثير: \" والله - سبحانه وتعالى- قد أنكر على من حرم ما أحل الله، وأحلّ ما حرم بمجرد الآراء والأهواء التي لا مستند لها ولا دليل عليها \".

والأمر في هذا ظاهر، والخطر فيه عظيم، وهو أخطر من اغتيال القتل المعلومºلأن قتل التدين في النفوس أشد خطراً وضرراً.

نسأل الله - عز وجل - أن يحفظ علينا إيماننا..

 

الخطبة الثانية:

أما بعد أيها الأخوة المؤمنون:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى اللهº فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه.

وإن من أعظم ما يتهدد التقوى هذا السيل الجارف من الفسق والفجور والدياثة، التي تبثها تلك الوسائل الإعلامية الفضائية بأموالٍ, مسلمة، وألسنةٍ, عربيةº لتفتك في هذه الأمة وأبنائها في دينهم وأخلاقهم.

 

ووقفة قصيرة مع اغتيال الحياء والحشمة بعد اغتيال التدين والورع.

وكلنا يعرف أن الحياء هو ضد الوقاحة، والحياء يردع الإنسان عن مواقعة السوء، وهو خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، وقال بعض أهل العلم في تعريفه: \" هو انقضاض النفس عن القبائح وتركها \".

وأجمع ابن القيم في كلمة تحكي واقع ما نحن فيه في هذا الحديث الذي أذكره لكم، قال: من عقوبات المعاصي ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب - أي تموت القلوب، نسأل الله - عز وجل - السلامة -وهو أصل كل خيرٍ,، وذهابه ذهاب الخير أجمعه \".

والمقصود أن الذنوب تضعف الحياء من العبد، حتى ربما انسلخ منه بالكلية، وربما لا يتأثر بعلم الناس بسوء حاله ولا باطلاعهم عليه، بل كثير منهم يخبر عن حاله وقبح ما يفعل والحامل له على ذلك انسلاخه من الحياء.

واستمعوا إلى هذه الجملة: \" وإذا وصل العبد إلى هذه الحال لم يبقى في صلاحه مطمع \".

وهذا وصف دقيق يذكره لنا ابن القيم، عندما يغتال الحياء لا يعود هناك عيب يستحيي منه الناس أو يستثيرون به، بل يظهرون به، ولا يخشون الله - عز وجل -، ولا يخشون أحداً من الناس!

ثم يزداد الحال بهم فيظهرونه ويعلنونه ويجاهرون به، ثم يعظم الحال أكثر فيرون أنهم بذلك يحسنون ويظهرون في الناس على أنهم قدوات متقدمون!

أفليس هذا خطر عظيم ماحق؟ ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحذرنا على معنى من المعاني التي ذكرها الشراح لهذا الحديث: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت).

كلام الأنبياء كلهم، ومعاني الديانات والرسالات كلها (إذا لم تستحي فاصنع ما شئت) إذا نزع الحياء فسيقع كل شيءٍ,.

وذلك ما نراه واليوم تتلصص هذه المشاهد لتغتال الحياء والحشمة من بناتنا ونسائنا، الآئي كن لا يكدن يستطعن أن يرفعن بصراً ويصعدنه في رجلٍ, على بعد أو على مسافة بعيدة، واليوم نجد ما نجد ونرى ما نرى مما يسوء ولا يسر ويقلق ولا يطمئن.. نسأل الله - عز وجل - السلامة.

واستمعوا إلى هذا الحديث - وأحسب أنه ليس مشهوراً ولا معلوماً عند كثيرين - روى أنس - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إن لكل دينٍ, خلق وخلق الإسلام الحياء) رواه ابن ماجة، ومن طريق ابن عباس رواه مالك في الموطأ مرسلاً، وهو بطرقه يرتقي إلى الحسن.

خلق الدين الحياء، فأعدائنا وأتباعهم من أبنائنا يريدون أن يمسخوا هذا الخلقº ليمسخوا تميز هذه الأمة واستعلائها بإيمانها، وتجملها وكمالها بأخلاقها.

وكلنا يعلم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الحياء شعبة من الإيمان)

وما رواه الحاكم في مستدركه: (الحياء والإيمان قرناء جميعاً، فإذا نزع أحدهما نزع الآخر).

أفبعد هذا كله نستهين بأمر الحياء، وقد أصبحت قلة الحياء شائعة وذائعة، تبثها الإذاعات والشاشات، ونراها على الصفحات والمجلات؟ هل تخطئ أعينكم هذه المشاهد والأقاويل والحركات التي لا تكاد تبقي ذرة من حياء في رجلٍ, ولا امرأة؟

 

أيها الأخوة الأحبة:

إن اغتيال هذه المعاني منذرٌ بموات القلوب والنفوس، ومنذر بخطرٍ, داهمٍ, لا بد أن يكون لنا منه موقف.

أفرأيتم لو أن القتل - والعياذ بالله - شاع في مجتمعنا، وأصبح الإنسان مستهدف في كل حركة من حركاته، وخطوة من خطواته أن تأتيه رصاصة طائشة أو مقصودة فيقتل.. كيف يكون حال الناس؟

أفلا يخافون على أرواحهم؟ أفلا يفكرون قبل أن يتحركوا إلى أي مكان حتى يأخذوا الاحتياط إلى أنفسهم؟ أفلا يكونوا من تصرفهم أنهم قد يتركون بعض المصالح فلا يخرجون ويعتصمون في بيوتهم بمعنى أنهم يتركون أموراً كثيرة لأجل أن يسلموا؟

أفلا نحتاج إلى أن نسلم في إيماننا وأخلاقنا، وأن نسلم إيماننا وأخلاقنا؟ أفلسنا مهددين بأن تغتالنا تلك الرصاصات والمقصودة وليست الطائشة التي تتوجه إلينا صباح مساء؟

أين احتياطاتنا ؟ أين دروعنا؟

نحن نفتح لها صدورنا، ونفتح لنا أعيننا، ونفتح لها آذاننا، ونجمع لها أسرنا من أبنائنا وبناتنا!

ثم بعد ذلك نقول: ما الذي جرى؟ ما الذي حصل؟ لماذا تغير الأبناء؟ لماذا حصل كذا وكذا؟

أي عقلٍ, هذا الذي يتصرف على هذا النحو؟

ألقاه في اليم مكتوف وقال له *** إياك إياك أن تبتل بالماء

لا بد أن ندرك - معاشر المسلمين - أننا مسؤولون بين يدي الله - عز وجل - عن نعمه علينا، وعن جوارحنا التي آتانا الله إياها، وعن الوقت والزمان والنعمة كلها، ومسئولون كذلك عن من ولانا الله - عز وجل - أمرهم من نسائنا وأبنائنا وبناتنا، فهل نفرط في هذه المسئوليات، ونجحد هذه النعم، ونمضي وراء أتباع الشهوات واتباع الشياطين من شياطين الإنس والجن.

أفلا يقظة تحيى بها القلوب؟ أفلا موقف حازم يمنع ويدرأ ويبعد كل هذه الأسباب التي تغتال التدين والورع والحياء والعفة والحشمة؟

حريٌ بنا أن يكون لنا ذلك، والأمر ما زال متعاظمº فإن لم نقف وقفة نحمي بها أنفسنا، ونتخذ الأسباب للمقاطعة الفورية الحاسمة لكل ما يسبب لنا هذه الضرارº فإن الزمن سيأتي ما هو أعظم منه، وتتضاعف الأمور والأحوال، والأجهزة والتقنيات التي سوف تكون بين جلدك ولحمك إن لم تكن منتبهاً ويقضاً!

نسأل الله - عز وجل - أن يحفظ علينا إيماننا.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply