الدليل الألمعي لأخلاق الأستاذ الجامعي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 لا يُسقى العلم إلا بحسن الخلق

يلعب أستاذ الجامعة المسلم أدوارًا عدةº فهو مربٍّ, ومُعلِم عليه التزامات أخلاقية، وباحث يوجه دراساته لخدمة دينه والإنسانية جمعاء، وموجه لتلاميذه بالكلمة والمعلومة، وهو قدوة يحتذي بها خريجو الجامعة ممن تتلمذوا على يديه.

فدور الأستاذ الجامعي مع طلابه خطير، ومهمته عظيمة وحساسة، بل وفي غاية الحساسية. فقد يكون الأستاذ الجامعي -دون قصد- معول هدم لكثير من القيم. كما يمكن أن يكون له دور في غاية الفعالية في التأثير الإيجابي البنّاء.

فكل كلمة يقولها أستاذ الجامعة وكل موقف يعرض له لبنة في مسار تربية أبنائه الطلاب دون أن يدريº إذ تتعلق كلماته بأذهان الطلاب لسنوات طويلة، وتشكل فكر رجال الغد، فهو يستطيع بقليل من المجهود أن يرسخ كثيرًا من المعاني والأخلاق الفاضلة في عقول الطلاب، وخصوصًا طلاب السنوات الدراسية الأولى.

ولذلك فإن عليه أن يضع تلاميذه مكان أبنائه، فيعلمهم الإخلاص والصدق، ويحيي في نفوسهم مراقبة الله - عز وجل -، فهو يعلمهم الأخلاق والعلم معًا، كما يدربهم على تنظيم أمورهم، وحسن استغلال أوقاتهم، فيكون سمحًا شفوقًا معهم، يقبل أعذارهم ويسأل عن غائبهم، يرعاهم نفسيًّا واجتماعيًّا، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

يفرح لنبوغهم، ويعتني بمصالحهم ويعفو عن زلاتهم، ويحسن إليهم بعلمه وماله، ويعلمهم التأدب في معاملة أساتذتهم حتى لو خالفوهم في الرأي، ويكون حريصًا على إكسابهم أكبر قدر من المهارات والعلوم التي تنفعهم في مجالات العمل بعد الدراسة، وينصحهم بما يمكن أن يطلعوا عليه من مصادر ومراجع تنمي مهاراتهم ومعارفهم، وييسر لهم الحصول عليها.

 

عطاء متواصل

وفي بداية العام الدراسي يكون التركيز الأكبر في استقبال الأساتذة للطلاب الجددº على الترحيب بهم، وإزالة الرهبة من صدورهم، وتعريفهم بطبيعة الحياة الجامعية، وطبيعة كليتهم وأقسامها، ومجالات العمل بعد التخرج، إلى آخر ما يشعر الطالب بحرص أستاذه على مصلحته، ويهيئه للتعامل الأفضل مع المجتمع الجديد، مجتمع الجامعة.

وأما أثناء العام الدراسي، فيتمكن الأستاذ الجامعي من العطاء في المحاضرة، وينبغي عند وضع المناهج التدريسية أن:

يحدد أهدافه من تدريس المنهج النظري والعملي في بداية المذكّرة أو الكتاب.

يقوم بتحديث المنهج كل عامº مع مراعاة مناسبة المنهج للمرحلة الدراسية والسنية.

يضع بعض الأسئلة والتدريبات بعد كل موضوع.

يراعي ترابط موضوعات المنهج، وعدم تداخلها مع مناهج أخرى ما أمكن.

يراعي تناسب حجم المنهج (كمية المعلومات الدراسية مع ساعات تدريسه).

يحاول إدخال التطبيقات التي لها علاقة بمجالات العمل الخارجية، مع عدم حشو المناهج بما لا تستوعبه عقول الطلاب (يفرق بين منهج الطلاب ومنهج الدراسات العليا).

يعتني بالكتاب ويحاول جعله مادة شيقة، ويجعله في متناول الطلاب مع بداية العام الدراسي، وثمنه مناسب مع تيسير النسخ المجانية لغير القادرين من الطلاب.

يحدد في أول محاضرة له موعد حضوره ويلتزم به.

يتفرغ للطلبة وقت المحاضرة -فمثلاً يغلق هاتفه المحمول- ويُعِدّ للمحاضرة جيدًا، ويستخدم فيها وسائل شرح غير تقليدية، ويعتمد على الأساليب التفاعلية بينه وبين الطلاب، حتى يتغلب على الروتين في أداء المحاضرة.

تحري أسهل الطرق وأفضل الكلمات لجعل الشرح سهلاً وواضحًا وموافقًا لما في الكتاب.

غرس قيمة العلم ودوره في بناء المجتمعات في نفوس الطلاب.

يربط المنهج بالدين والقيم الفاضلة والحياة العلمية.

يستخدم الأمثلة والطرق التي تخدم المعاني، وتشوق الطالب لسماع المحاضرة.

عمل استبيان للاسترشاد به عن مواطن الصعوبة في المنهجº لمراعاة ذلك عند وضع الامتحان، أو إعادة شرحها مرة أخرى، وتحسين طرق التدريس.

وتُعَدّ الريادة الطلابية المسرح الذي تتجسد عليه روح الحب بين الطالب والأستاذº من خلال:

- العمل على حل مشاكل الطلاب النفسية والاجتماعية (كالفقر، والاغتراب، ومشاكل الأسرة، و...).

- العمل على حل مشاكل الطلاب التعليمية إما بنفسه أو عن طريق أحد الزملاء.

- توضيح أهمية التفوق الدراسي ودوره في إيجاد فرصة العمل بعد التخرج.

- إحياء ثقافة الأمل وكسر روح الانهزامية واليأس وعدم الانتماء في نفوس الطلاب.

كما يقع على عاتق الأستاذ في المعمل أو \"السيكشن\"، حيث العدد القليل من الطلبة، وإمكانية التفاهم والتواصل معهمº لذلك فإن هناك مهام اجتماعية وتعليمية وأخلاقية مطلوبة منه، ومنها على سبيل المثال:

إعطاء الفرصة لكل طالب للعمل بيديه، وخاصة في الكليات العملية.

يتواصل الأستاذ أو المعيد مع الطلبة وكأنه والده، أو أخوه الأكبر، وتسود بينهم علاقة الاحترام، والعمل على مصلحة الطلاب، وتبادل وجهات النظر.

 

مقلب في الامتحان

وفي الامتحان، يتعمد بعض الأساتذة جعل الامتحان \"مقلب\" في الطالب فيأتي بأسئلة من مقدمة الكتاب أو من آخر محاضرة. وهذا فضلاً عن أنه لن يكون تقييمًا صحيحًا للطالب، فإنه سلوك مناف لروح الأبوة والأستاذية معًا.

ولذلك ينبغي مراعاة الآتي عند وضع الامتحان:

أن تكون الأسئلة مناسبة لجميع مستويات الطلاب، وموافقة للهدف من تدريس المنهج.

أن تحتوي ورقة الامتحان على أسئلة الفهم والحفظ والقدرة على التحليل.

ألا تخرج المسألة عن حدود المنهج المدرس.

أن تخلو ورقة الامتحان من الأخطاء الإملائية وخلافه.

أن تكون الأسئلة محددة وواضحة ومناسبة لزمن الامتحان.

أن يتواجد الأستاذ طوال زمن الامتحان لحل أي مشكلة طارئة، وتوضيح أي سؤال غامض.

وعند تصحيح أوراق الإجابة ينبغي على الأستاذ الجامعي أن يتوخّى العدل لأقصى ما يستطيعº إذ لا رقيب عليه إلا الله، وأن يكون دائمًا بجانب مصلحة الطالب، ويسرع في التصحيح لإظهار نتيجة الامتحان.

وهناك بعض الوسائل التي تجعل الميزان واحدًا وتعين على توخي العدل منها:

احذر.. قد ينفض تلاميذك من حولك

وضع إجابة نموذجية للامتحان قبل بداية التصحيحº تجنبًا لاختلاف الموازين، وخاصة إذا كانت الورقة يقوم بتصحيحها أكثر من أستاذ.

توزيع الدرجات على الأسئلة بشكل يوافق مصلحة الطلاب وأهداف المنهج.

تحديد جزئيات الإجابة المطلوبة مع توزيع الدرجة الكلية للسؤال على هذه الجزئيات (مثلاً الرسم 3، التعريف 2 إذا كانت الدرجة الكلية 5 درجات للسؤال).

عدم محاولة التعرف على أسماء الطلاب تلافيًا للميل الشخصي نحو طالب معين.

توخي الرأفة والرحمة ما أمكن بجانب العدل وهو الأصل \"وَإِذَا حَكَمتُم بَينَ النَّاسِ أَن تَحكُمُوا بِالعَدلِ\" [النساء: 58].

ومن الأدوار التي يقوم بها أستاذ الجامعة المراقبة في لجان الامتحان، وينبغي عليه هنا أن:

- يمنع الغش بكل صوره سواء كان طالب يغش من طالب أو من ورقة أو من أحد أقاربه (معيد أو أستاذ).

- حل المشاكل الخاصة بورقة الامتحان (عدم وضوح السؤال - الأخطاء المطبعية) في بداية وقت الامتحان.

- استدعاء أستاذ المادة للرد على أسئلة الطلاب.

- توفير الراحة النفسية وتلبية الرغبات المشروعة لجميع الطلاب (شرب الشاي - دخول الحمام - عدم رفع صوت السادة الملاحظين في اللجنة - عدم التدخين... ).

وعلى الأستاذ كعضو من أعضاء الكنترول أن يجعل الروح السائدة هي إتقان العمل والعدل، وإعطاء الطالب حقه تحت أي ظروف، ومنع أي مظهر من مظاهر التدليس أو التزوير، والاعتراض على عدم إعطاء الطالب حقه.

وأخيرًا.. فهذا هو الأمل في أستاذ الجامعة. وإذا كان الواقع الآن يحيد قليلاً أو كثيرًا عن هذا الأمل، فمن حقنا أن نضيء المصابيح لمن أراد أن يسير على الطريق، وليبدأ كل واحد منا بنفسه: \"وَقُلِ اعمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ وَالمُؤمِنُونَ وَسَتُرَدٌّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ\" [التوبة: 105].

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply