بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
أيها الأحباب الكرام، إذا كان الإسلام قد حث على الزواج ورغب فيه صيانة للناس من الزنا وللمجتمع من الخراب، وأمر باختيار الزوج والزوجة، وبين أن الطيب هو الذي يتزوج الطيبة وأن الخبيث لا يتزوج إلا خبيثة فقال - عز وجل - في سورة النور: {الخَبِيثَاتُ لِلخَبِيثِينَ والخَبِيثُونَ لِلخَبِيثَاتِ والطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ والطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغفِرَةٌ ورِزقٌ كَرِيمٌ}، وبيَّن أن من تضييع الوقت أن يدّعي أحد أنه سيتزوج غير ذات الدين وسيدعوها للدين، بعد هذا كله جاء ليصونَ لنا هذا البيت الذي دعا إلى تكوينه. فكما نظم - سبحانه وتعالى - العلاقات بين الذكور والإناث في عالم الحيوانات والحشرات أراد - سبحانه وتعالى - من الإنسان المكلف سيد هذا الكون رجلا وامرأة أن ينظّما علاقتهما في وسط الأسرة، فكلف الرجل بالقوامة، وحمَّل المرأة مسؤولية الحافظيّة، فموضوعنا اليوم هو: القوامة والحافظية.
لنتحدث عن معنى القوامة وأهميتها في حفظ الأسرة والزوجة من الانحراف:
قال - سبحانه - في محكم كتابه من سورة النساء: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ به بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ, وبِمَا أَنفَقُوا مِن أَموَالِهِم فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلغَيبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}. لقد أعطى الإسلام للزوج حق القوامة على المرأة ليكون رجلا حقا، يعرف كيف يقود سفينة الحياة في أسرته نحو شاطئ السلامة والهدى والرشاد، وحذّر الرجال قاطبة مِن أن تأخذهم الفتنة بالنساء، فتعشو أبصارهم وتخور عزائمهم ويرق دينهم، فيتغاضون عن انحراف النساء عن جادّة الشرع ثم يفلت من أيديهم الزمام، فإذا المرأة المنحرفة كل شيء في البيت، لا يُعصى لها أمر، ولا تُردّ لها كلمة، ولا تُرفض لها رغبة، وصدق رسول الله إذ جعل هذا آخر فتنة تصيب الرجال فيما روى البخاري ومسلم: ((ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)).
إن الزوج المسلم ـ أيها الأحباب الكرام ـ هو الرجل الذي لا يضعف أمام فتنة زوجته المنحرفة مهما طغت تلك الفتنة، ويفهمها بكلّ لطف ولباقة أن فتنتها إذا كانت حبيبة إلى نفسه فإن مرضاة الله أحب، وأن مودة الرجل لزوجه مهما عظمت فهي دون حبّ الله ورسوله، قال - تعالى -في سورة التوبة: {قُل إن كَانَ آبَاؤُكُم وأَبنَاؤُكُم وإخوَانُكُم وأَزوَاجُكُم وَعَشِيرَتُكُم وأَموَالٌ اقتَرَفتُمُوهَا وتِجَارَةٌ تَخشَونَ كَسَادَهَا ومَسَاكِنُ تَرضَونَهَا أَحَبَّ إلَيكُم مِّنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ وجِهَادٍ, فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأتِيَ اللَّهُ بِأَمرِهِ واللَّهُ لا يَهدِي القَومَ الفَاسِقِينَ}. ومن ثم تنتفي من حياة المسلم الحق الصادق هذه المخالفات النسائية التي نجدها في بيوت كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام.
أيها الأحباب الكرام، إن الرجل الذي يرى بأم عينه ـ وهو القائم على شؤون البيت ـ زوجته تخرج إلى الشارع متبرجة كاسية عارية وقد أبدت شعرها وكشفت عن صدرها وساعديها ولا يبادر إلى تغيير هذا الواقع المنحرف عن هدي الله وأدب الإسلام إنما فقَدَ رجولته، وانحسر عن إسلامه، وباء بغضب من الله، ولن ينتشله من هذه الوَهدة التي ارتكس فيها إلا توبة نصوح توقظ ضميره وهزّة عنيفة تحرّك رجولته وتردّه إلى الطريق القويم والصراط المستقيم.
إن بيت الزوجية ـ أيها الأحباب الكرام ـ يكون مبنيا على المحبة بين الزوجين، وإذا كان ذلك كذلك فإن المرأة تبادر بالقيام بما يرضي زوجها في برّه، روى ابن هشام أن الطفيل بن عمرو الدوسي لما دخل في الإسلام وهو شيخ قبيلة أتته امرأته لكي تقترّب منه فمنعها وقال لها: لقد أصبحتِ عليّ حراما، قالت: ولم؟! قال: أسلمتُ، فكان ردّها: أنا منك وأنت مني وديني دينك، وأسلمت. إن هذه المرأة لم تحتجِب فقط كما نطالب الكثير من النساء المصليات، بل اعتنقت الإسلام والتزمت بكلّ تعاليمه بسبب محبّتها لزوجها واتخاذه قدوة لها حيث قالت: أنا منك وأنت مني.
إن من قوامة الرجل المسلم في بيته سعيه بكل الوسائل المجدية الإيجابية إلى توجيه زوجته وإرشادها إلى الحق بدل إهمالها وتركها عرضة لوسائل الإعلام الهدامة، ولنا في الجيل الأول من رجال الأنصار في سلوكهم مع نسائهم أسوة حسنة، روى أبو داود عن صفية بنت شيبة قالت: بينما نحن عند عائشة - رضي الله عنها - ذكرنا نساء قريش وفضلهن فقالت عائشة - رضي الله عنها -: إن لنساء قريش لفضلا، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار ولا أشد تصديقا لكتاب الله ولا إيمانا بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور: {وليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}، فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابة، فما منهم امرأة إلا قامت إلى مِرطِها المُرحّل ـ وهو كساء من صوف نقشت فيه تصاوير الرحال ـ فاعتجرت به ـ أي: تلفّفت به ـ تصديقا وإيمانا بما أنزل الله من كتابه، فأصبحن وراء رسول الله معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان.
أيها الأحباب الكرام، إن كل مسلم مسؤول عن التزام زوجته بآداب الإسلام في الخروج من البيت بالإذن، ومسئول عن ارتداء زوجته اللباس الشرعي الذي يصون عورتها، ويوم تغلب الزوجَة زوجها على أمره وتحمله على تخطّي هذا الحكم الشرعي ويقف عاجزا أمامها لا يبدئ ولا يعيد فسلام على دين هذا الرجل، وسلام على رجولته.
ثم إن مسؤولية الزوج عن زوجته لا تقتصر على مظهرها الخارجي المتمثل في اللباس، وإنما تتعداه إلى عبادتها وسلوكها في الحياة، فهو مسؤول عنها إن قصّرت في عبادة أو فرطت في جنب الله بتهاون أو معصية، ومسئول عن حسن سيرتها واستقامة سلوكها وقيامها بواجباتها الشرعية، وأيّ تقصير منها في جانب من هذه الجوانب يكون سببا في الإخلال برجولة الزوج، ويقدَح في حسن إسلامه، ويخدش القوامة التي أكرمه الله بها.
اعلموا ـ أيها الرجال المؤمنون ـ أن الإسلام جعل المرأة أمانة في عنق الرجل، وليست مجرّد متاع يتمتع به الزوج، وغالبا ما تكون المرأة على دين زوجها يقودها معه، إما إلى الجنة وإمّا إلى النار، ومن ثمّ كان أمر الله للمؤمنين في وقاية أنفسهم وأهليهم من النار. وقد جاء مصوّرا العاقبة المخيفة المروّعة في مشهد رهيب تنخلع لشدّته القلوب، وتدار من هوله الرؤوس إن هم تهاونوا في أمر نسائهم وذويهم ولم يأطروهم على الحق أطرا، قال - تعالى -في سورة التحريم: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وأَهلِيكُم نَارًا وقُودُهَا النَّاسُ والحِجَارَةُ عَلَيهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُم ويَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ}.
وفي إطار أداء هذه القوامة على أحسن وجه والحفاظ عليها على الزوج أن يكون على اطلاع بحقيقة المرأة وحالتها النفسية، وليعلم أن حاجتها المادية قد تدفع بها إلى عدم صيانة عرضها، ففي حديث البخاري الذي يتحدّث عن النفر الثلاثة الذين سُدّ عليهم الغار نستخلص هذه الحقيقة، وهي أن المرأة التي تحدّث عنها الحديث لم يكن عندها أيّ رغبة في الانحراف بدليل أنها رفَضت في المرة الأولى أن تمكِّنه من نفسها، وذكَّرت ابن عمها في المرة الثانية بتقوى الله، وهذا معناه أن ذهابها إليه كان قهرًا بسبَب الاحتياج. إن من طبيعة المرأة أنها تخضع وتضعُف أمام احتياجِها المادّيّ، ومن أجل خطورة احتياج المرأة نجِد أن النبيَّ يجيز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها دون علمِه وبقدر حاجتها إذا كان بخيلاً، فقد روى البخاري أن هندا زوجة أبي سفيان جاءته وقالت: إن أبا سفيان رجل مسيك فهل يجوز لي أن آخذ من ماله دون علمه؟ فأذن لها النبي بقدر حاجتها، هذه حقيقة.
الحقيقة الثانية أنه يجب على الزوج أن لا يستهين برغبة الزوجة النفسية، بل عليه الاستجابة ما دامت مشروعة، فهذا الرسول يترك عائشة - رضي الله عنها - مسنِدة وجهها إلى خده وتنظر من فوق منكبيه إلى الحبشة يلعبون حتى شبعت. نستخلص من هذا أن الاستجابة لرغبة الزوجة في المجال المادي يجب أن تتحقق بقدر الاحتياج لإذن الرسول لهند زوجة أبي سفيان أن تأخذ بقدر حاجتها، أما في المجال النفسي المشروع فيجب أن يكون التحقيق حتى الإشباع.
ومن أهم الأمور التي تحقّق للمرأة إحساسها مع زوجها ورضاها عن بيتها هو أن لا ترى زوجها يعيبها في تصرفاتها ووظيفهتا بصفتها زوجة، وعلى هذا يجب على الرجال القوامين أن يتخلقوا بأخلاق الرسول، في هذه الناحية تقول عائشة رضي الله عتها عن الطعام: ما عاب رسول الله طعاما قطº إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه.
وكذلك لا ترى الزوجة زوجها يعيبها في شكلها ومظهرها، ولذلك نهى النبي عن أن يقبح الرجل زوجته فيقول لها: قبحك الله، كما يجب على الرجل أن يستجيب لطبيعة المرأة التي لا يمكن أن تتغير فيها، مثال ذلك طبيعة حب الحديث، لهذا يحتم عليه سماع حديث زوجته، وأن يظهر تجاوبا واهتماما لذلك، فهذا الرسول يسمع من عائشة - رضي الله عنها - حديث أم زرع الطويل كما روى البخاري في حسن المعاشرة، ويقول لها: ((كنت لك كأبي زرع لأم زرع)).
أيها الأحباب الكرام، إن قوامة الرجل على المرأة لا تتحقق كما أرادها الإسلام إلا إذا كان الزوج رجلا ناجحا في قيادته لبيته وأسرته، والزوج المسلم لا يكون رجلا بغلظته وفظاظته وقسوته وعنفه وبطشه وسلاطة لسانه، فهذه رجولة الجاهلية، والرجولة في الإسلام شيء آخر غير هذا كله.
الرجولة في الإسلام شخصية قوية جذابة محببة، وخلق عالٍ, نبيل، وتسامح وإغضاء وعفو عن الهفوات الصغيرة، ووقوف حادّ جازم عند حدود الله، وتطبيق لأحكامه على أفراد الأسرة جميعا، وقيادة بارعة لبقة نحو الخير، وبذل وسخاء في غير إسراف ولا تبذير، ونباهة ووعي وشعور بالمسؤولية في الدنيا والآخرة، وإدراك للحالة المثلى التي ينبغي أن يكون عليها البيت المسلم الراشد. هذه هي القوامة التي أناط الإسلام بها الرجل، فما هي الحافظية؟
أيها الأحباب الكرام، تعالوا بنا لنرى صنع الله الذي أتقن كل شيء لتظهر لنا عظمته - سبحانه وتعالى -، وبالتالي نستجيب لهديه وتكون الثمرة سعادة الدارين.
لقد خلق الله سجانه وتعالى الناس من ذكر وأنثى، زوجين على أساس القاعدة الكلية في بناء هذا الكون، قال - عز وجل - في سورة الذاريات: {ومِن كُلِّ شَيءٍ, خَلَقنَا زَوجَينِ لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ}، وجعل من وظائف المرأة أن تحمل وتضع وترضع وتكفل ثمرة الاتصال بينها وبين الرجل، وهذه الوظائف هي ضخمة أولا، وخطيرة ثانيا، هذه الوظائف ليست هينة ولا يسيرة يمكن أن تؤدّى بدون إعداد عضوي ونفسي وعقلي عميق غائر في كيان الأنثى. ونظرا لكون الرجل والمرأة من خلق الله وأنه - سبحانه وتعالى - لا يريد أن يظلم أحدا من خلقه وهو يهيئه ويعده لوظيفة خاصة ويمنحه الاستعدادات اللازمة لإحسان هذه الوظيفة فإنه زود المرأة فيما زودها به - سبحانه وتعالى - من الخصائص بالرقة والعطف وسرعة الانفعال والاستجابة العاجلة لمطالب الطفولة بغير وعي ولا سابق تفكير، بل جعلت الاستجابة لها غير إرادية لتسهل تلبيتها فورا، وجعل - سبحانه وتعالى - في ذلك لذة لتكون الاستجابة سريعة من جهة، ومريحة من جهة أخرى، وإن كان في ذلك مشقة وتضحية.
وفي إطار العدل الإلهي ونظامه المحكم الذي يتجلى في الكون كله وصنعه - سبحانه وتعالى - المتقن جعل من وظائف الرجل كي تتفرغ المرأة لوظيفتها الخطيرة توفير الحاجات الضرورية، وتوفير الحماية كذلك للأنثى بدل أن تحمل وتضع وترضع وتكفل ثم تعمل وتكد وتسهر لحماية طفلها في آن واحد.
وكان من العدل الإلهي أن يمنح - سبحانه وتعالى - الرجل من الخصائص في تكوينه العضوي والعصبي والعقلي والنفسي ما يعينه على أداء وظائفه هذه، وأن يمنح - سبحانه وتعالى - المرأة في تكوينها العضوي والعصبي والعقلي والنفسي ما يعينها على أداء وظيفتها تلك. وكان مما زود به - سبحانه وتعالى - الرجل من الخصائص الخشونة والصلابة وبطء الانفعال والاستجابة واستخدام الوعي والتفكير قبل الحركة والاستجابةº لأن وظائفه كلها تحتاج إلى قدر من التروي قبل الإقدام، وإعمال الفكر والبطء في الاستجابة بوجه عام، وكل هذه الأمور عميقة في تكوين الرجل مثل عمق خصائص المرأة في تكوينها.
رغم كل هذا لم يترك - سبحانه وتعالى - هذا الإنسان لهذه الخصائص تعمل عملها، فهناك الأهواء والشهوات والعادات التي قد تحرّف الفطرة عن مسارها الصحيح، لهذا أنزل - سبحانه - شرعة ومنهاجا يراعيان هذه الاستعدادات الموهوبة لأداء الوظائف المنوطة بكل من الرجل والمرأة وفق هذه الاستعدادات ويراعيان العدالة في توزيع الأعباء بين الرجل والمرأة، ويراعيان العدالة في اختصاص كل منهما بنوع الأعباء المهيأ لها، وأن الله-عز وجل - لا يريد أن يظلم أحدا من خلقه، بل إننا نجد في شرعة الله ومن منهاج رسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه خصائص الرجل وخصائص المرأة، كما نجد فيهما العقوبة المترتبة على كل مخالفة لهذا التشريع الإلهي والهدي النبوي، وهذه العقوبة تشمل ثلاثة أنواع: عقوبة فطرية تكون نتيجة مخالفة هذا القانون الإلهي الذي نظم- سبحانه وتعالى- عليه خلقه، وعقوبة شرعية بيَّن الإسلام مقدارها، وعقوبة أخروية وهي أشد أنواع العقوبات إن لم يتب الشخص من معصيته سواء كان ذكرا أو أنثى.
ومن المهام التي كلف بها - سبحانه وتعالى - الرجل والمرأة لتستقيم الأسرة التي هي المؤسسة الأولى في الحياة الإنسانية، الأولى من ناحية أنها نقطة البدء التي تؤثر في كل مراحل الطريق، والأولى من ناحية الأهميةº لأنها تزاول إنشاء وتنشئة العنصر الإنساني وهو أكرم عناصر هذا الكون في التصور الإسلامي. إن من هذه المهام التي كلف بها هذا الإنسان هي القوامة والحافظية، فمن هو الأهل للقوامة، ومن هو الأهل للحافظية حسب استعدادات كل واحد؟
إن القاعدة العلمية تقتضي منا أن نرد الصنعة إلى الصانع، فهو الأعلم بوظيفة كل واحد، ففي سورة النساء نجد قول الحق - عز وجل -: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ, وبِمَا أَنفَقُوا مِن أَموَالِهِم فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلغَيبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}.
إن الخصائص ـ أيها الأحباب ـ التي أودعها الحق - عز وجل - في الرجل تجعله أقدر على القوامة وأفضل في مجالها، كما أن تكليفه بالإنفاق وهو فرع من توزيع الاختصاصات يجعله بدوره أولى بالقوامةº لأن تدبير المعاش للمؤسسة ومن فيها داخل في هذه القوامة، والإشراف على تصريف المال فيها أقرب إلى طبيعة ووظيفة الرجل فيها. إن القوامة ـ أيها الأحباب الكرام ـ لا تقتصر على النفقة وحماية الجانب الدنيوي فقط، بل تشمل حتى الأخروي، ففيها حماية المرأة من أذى الدنيا والآخرة، فالرجل مسؤول عن رعيته يربيها ويطعمها ويكسوها ويحميها ويقيها نارا وقودها الناس والحجارة بتوجيهها إلى الإيمان، قال - تعالى -: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وأَهلِيكُم نَارًا وقُودُهَا النَّاسُ والحِجَارَةُ}.
أيها الأحباب الكرام، إن الإسلام وهو يقرّر قوامة الرّجال على النساء في المجتمع الإسلامي لا يقرّر ذلك تبعا للأهواء، وإنما لذلك أسباب من التكوين والاستعداد، وأسباب من توزيع الوظائف والاختصاصات، وأسباب من العدالة في التوزيع من ناحية، وتكليف كل شطر في هذا التوزيع بالجانب الميسر له والذي هو مُعان عليه من الفطرة.
أما الأفضلية الواردة في الآية القرآنية المتحدثة عن القوامة والحافظية فهي في مكانها في الاستعداد للقوامة والدربة عليها والنهوض بها بأسبابهاº لأن المؤسسة لا تسير بلا قوامة كسائر المؤسسات الأقل شأنا والأرخص سعرا من مؤسسة الأسرةº ولأن أحد شطري النفس البشرية والذي هو الرجل مهيأ لها ومُعان عليها، مكلف بتكاليفها، في حين أن الشطر الآخر الذي هو المرأة غير مهيأ لها ولا مُعان عليها، ومن الظلم أن يحملها ويحمل تكاليفها إلى جانب أعبائه الأخرى.
وإذا حاولنا أن نهيئ المرأة للقوامة ودربناها عليها بالتدريب العلمي والعملي فإننا سنفسد لا محالة استعدادها للقيام بالوظيفة الأخرى التي هي وظيفة الأمومة والتي لها مقتضياتها واستعداداتها، وفي مقدمتها سرعة الانفعال وقرب الاستجابة، بالإضافة إلى الاستعدادات الغائرة في التكوين العضوي والعصبي وآثارها في السلوك والاستجابة، لهذا فالوظيفة اللائقة بالمرأة في إطار التكليف الإلهي هي الحافظية.
إننا ـ أيها الأحباب الكرام ـ نريد أن نعطي نماذج للأمة في الحياة الزوجية نبين من خلالها صلاحية الدين الإسلامي وأنه هو السبيل الوحيد دون غيره لسعادة الزوجين، لهذا نصحنا الشباب ونحن نريد تأسيس مؤسسات قوية ونريد بناء مجتمع سليم طاهر من البدء أولا بتخصيص الطيبين للطيبات بدل أن نبدأ البناء على أرض هشة وذلك بعدم تزوج المرأة الصالحة الطيبة، حتى إذا ما علا البنيان بعقد النكاح وولادة الأولاد تصدعت الجدران وبدأنا في الترميم والترقيع خشية سقوطه. وكلكم ـ أيها الأحباب الكرام ـ يلاحظ أن جل بنيان أسرنا هش ومتصدع الجدرانº لأنه لم يبن على أرض صلبة وذلك باختيار الزوجة ذات الدين والتي هي من خير متاع الدنيا بل ومن أسباب السعادة، روى الإمام مسلم - رحمه الله - في صحيحه أن الرسول قال: ((الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحةº إذا نظرت إليها سرتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك))، وفي رواية ابن ماجة من حديث أبي أمامة أن النبي قال: ((ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله)).
فتقوى الله زاد المؤمن إلى الآخرة، والمرأة معينة له على ذلك بطاعتها له في المعروف طاعة محبة بدون إكراه، لهذا وصفها - سبحانه وتعالى - في القرآن بأنها قانتة، والقنوت هو الطاعة عن إرادة وتوجه ورغبة ومحبة لا عن قسر وإرغام، تطيعه إذا أمرها بعبادة ربها والمحافظة على صلواتها وفرائضها، تطيعه إذا أمرها بعدم الخلوة بالأجانب من عائلته أو عائلتها تفاديا للوقوع في الزنا واستجابة لمن لا ينطق عن الهوى سيدنا محمد الذي قال: ((ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)) رواه الترمذي. وتطيعه إذا أمرها بصيانة جوارحها وخصوصا لسانها وعينيها، وكيف لا تطيعه وهو قائد السفينة، وهو الربان في وسط أمواج بحار فتن الدنيا، إذ في طاعتها له محافظة على سلامة سير السفينة؟! كما أنها تسره إذا نظر إليها فلا ينظر منها إلا جميل اللباس وأنظفه، ولا يرى منها إلا حسن المنظر، كما تسره إذا نظر إليها بحسن خلقها الذي يزيدها جمالا في الخلقة، إذ لا تبدي زينتها لغيره من الأجانب حفاظا على عدم فتنتهم، كما أنها تحافظ على سير السفينة التي يقودها الربان والذي هو الزوج بمحافظتها على ماله، فلا تضيعه ولا تبذره، كما تحفظ نفسها وعرضها.
وعلينا أن نعلم ـ أيها الأحباب الكرام ـ أن ما لا يباح مما يجب حفظه لا تقرره هي ولا يقرره هو، إنما يقرره الله - سبحانه وتعالى -، لهذا قال الله - عز وجل - في محكم كتابه: بِمَا حَفِظَ اللَّهُ، فليس الأمر أمر رضاء الزوج عن أن تبيح زوجته من نفسها في غيبته أو في حضوره ما لا يغضب هو له، أو ما يمليه عليه وعليها المجتمع، وخصوصا إذا انحرف المجتمع عن منهج الله. إن هنالك حكما واحدا في حدود هذا الحفظ فعليها أن تحفظ نفسها بِمَا حَفِظَ اللَّهُ، والتعبير القرآني لا يقول هذا بصيغة الأمر، بل بما هو أعمق وأشد توكيدا من الأمر، إنه يقول: إن هذا الحفظ بما حفظ الله هو من طبيعة الصالحات ومن مقتضى صلاحهن، وعلى الرجل القوّام في إطار القوامة أن يساعد زوجته على هذه الحافظية، فينبغي أن تكون له غيرة على زوجته في حدود المشروع، وينبغي أن لا يدخل عليها من يحرّم الإسلام، ولنا في الرسول القدوة الحسنة إذ قال لما اتهم المنافقون أم المؤمنين عائشة الصديقة الصالحة الطاهرة القانتة - رضي الله عنها - في حادثة الإفك، قال - عليه الصلاة والسلام - في دفاعه عن عائشة - رضي الله عنها - فيما رواه البخاري ومسلم: ((يا معشر المسلمين، من يعذرني في رجل ـ ويقصد به عبد الله بن أبي بن سلول ـ بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت في أهلي إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي))، ويقصد صفوان بن المعطّل الذي اتهموه إفكا مع عائشة - رضي الله عنها - وبرّأها الله - عز وجل -.
كما على الرجل القوام ـ وهو يساعد زوجته الحافظة لحدود الله على الحافظية ـ أن لا يصف لها الرجل كأنها تراهº إذ يفضي بها الشوق إلى رؤية الموصوف، لهذا روى الترمذي أن الرسول قال: ((لا يصف الرجل الرجل لزوجته كأنها تراه، ولا تصف المرأة المرأة لزوجها كأنه يراها))، وعندما يكون الوصف من الزوج نفسه لزوجته تشعر المرأة بأن لها حقّ الاستمتاع بصفات الرجل الذي يصفه زوجها والاهتمام بأمره والسؤال عنه باعتبار أن المتحدّث هو الزوج، وبعد ذلك تقارن بين زوجها والرجل الموصوف.
كما ينبغي على الزوج أن لا يدخل بيتَه إلا المؤمن، ولا يأكل طعامه إلا التقي، كما قال - عليه الصلاة والسلام -: ((لا تُصَاحِب إِلاّ مُؤمِنًا، وَلا يَأكُل طَعَامَكَ إِلاّ تَقِيّ)) رواه الترمذيº إذ المؤاكلة تقرّب بين النفوس بالطبيعة الإنسانية، لهذا لا بد أن تتوفّر التقوى التي تجعل هذا التقارب النفسي طاهرا نقيا.
كما ينبغي على الرجل أن يعرف طبيعة المرأة، وأن الله - عز وجل - خلق لها مزاجا يوافق دورها في البيت، ولقد وصفها الرسول بالضِلَع الأعوج، وليس في هذا الوصف من عيب إذ اعوجاجها الضلعي هو استقامتها، وهو انحناء معنوي وحنو، وهو عاطفة ورحمة.
هذا هو نظام الأسرة أيها الأحباب الكرامº حقوق متبادلة بين الزوجين، لهذا يجب على كل واحد أن يعرف حقه وواجباته، وأن يعرف وظيفته.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد