بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين -.
أما بعد…. فيا عباد الله اتقوا الله - تعالى - حق التقوى {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً}.
معاشر المؤمنين:
إن الله - عز وجل - لم يرسل الرسل ليقنعوا البشر أن الله موجود فحسب، وإنما بعث الرسل من أجل أن يدعو البشر إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
إن الله أرسل الرسل وأنزل الكتب ليعبد وحده لا شريك له، ليفرد وحده بأنواع العبادة من خوف ورجاء، وتوكل ورغبة، ورهبة وخشية، و إنابة واستعانة وغير ذلك من أنواع العبادات وبين هذا بقوله {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون } ثم بين - عز وجل - أن مقصوده والذي يرضيه من هذه العبادة أن تكون خالصة له وحده لا شريك له إذ قال - سبحانه –: { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء }.
هذا بيان من الله بالمقاصد التي من أجلها خلق الخليقة، فالله - سبحانه - أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وخلق السموات والأرض، وأعد الجنة والنار، ليُعرف ويُعبد ويوحَد، وليكون الدين كله له وحده والطاعة كلها له وحده والدعاء له كله وحده {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين }.
لقد أخبر - عز وجل - أن القصد بالخلق والأمر أن يعرف بأسمائه وصفاته فيعبد وحده و لا يشرك به و أن يقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض إذ قال - سبحانه -: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات و أنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}.
فأخبر - سبحانه - أنه أرسل الرسل و أنزل الكتب ليقوم الناس بالقسط وهو العدل، وأعظم القسط التوحيد وهو رأس العدل وقوامه،فالتوحيد أعدل العدل والشرك أظلم الظلم { إن الشرك لظلم عظيم }.
الشرك يا عباد الله أعظم المحرمات على الإطلاق فعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: قلنا بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله \".
وكل ذنب يمكن أن يغفره الله إلا الشرك فلا بد لصاحبه من توبة مخصوصة قال - تعالى -: {إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء }. وما أسرع وما أخطر ما حل بأمة الإسلام من مظاهر الشرك بعد موت نبيها - صلى الله عليه وسلم -.
إن كثيراً من المسلمين لا يعلمون عظم الفادحة التي حلت بأمة الإسلام بوقوع كثير منهم في الشرك وهم لا يعلمون.
ألم يعلموا أنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار؟
ألم يعلموا أنهم لو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون؟
ألم يعلموا قول الله {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين }؟.
إذا فلا نجاة ولا قبول ولا سعادة إلا بالتوحيد ولذا نرى القرآن كله من فاتحته إلى خاتمته يبين التوحيد ويوضحه، فلا تكاد تمر بآية من كتاب الله إلا وفيها أمر بالتوحيد أو نهي عن ضده وهو الشرك، أو وعد جزيل للموحدين، أو وعيد وبيل للمشركين التاركين سبيل التوحيد.
فالتوحيد أوجب الواجبات و أهم المهمات ومن ثم كان أول أمر في كتاب الله الأمر بالتوحيد قال - تعالى -: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون }.
ولذا نرى أول نهي في كتاب الله النهي عن الشرك إذ قال - تعالى -: { فلا تجعلوا لله أنداداً و أنتم تعلمون }.
إن فاتحة الكتاب، إن السبع المثاني، إن القرآن العظيم الذي أوتيه النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه كلها توحيد وحسبكم قول الله - عز وجل -: { إياك نعبد و إياك نستعين } وإن تحقيق هذا التوحيد يكون بالتوجه لله - تعالى - وحده.
إن تحقيق التوحيد ليس بقولنا نحن موحدون وليس بإقرارنا أو قولنا بألسنتنا وادعائنا بغير برهان.
إن تحقيق التوحيد يكون بإفراد الله بكل أنواع العبادة. يكون بالبراءة من كل ما يعبد من دون الله فينبغي أن يتجه العباد بالعبادة كلها لله - سبحانه - سواء كانت عبادة قلبية أو اعتقادية أو بدنية أو مالية ينبغي أن نخلصها كلها لله - سبحانه وتعالى - فقد أمر الله بقوله:{ إياك نعبد } ولا يصدق قائل هذا إلا بدليل. إن الذي يقول في صلاته {إياك نعبد و إياك نستعين} لا يصدق قوله إلا إذا حقق هذا المعنى وهو أن يخص ربه بالعبادة وأن يفرد ربه بالعبادة وهو معنى قوله {فإياي فاعبدون}، {و إياي فاتقون}. كما عرف من لغة العرب أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر أي لا تعبدوا إلا الله، لا تعبدوا غير الله، لا تتقوا غيره. فإفراد الله بالعبادة لا يتم إلا بأن يكون الدعاء كله له و النداء في الشدائد والرخاء لا يكون إلا له وحده والاستعانة بالله والذبح والنحر وجميع أنواع العبادة لا تكون إلا لله وحده.
لقد عظم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكانة التوحيد واهتم بمقامه أعظم اهتمام.
عظم هذا التوحيد بفعله وبقوله بل وفي أشد أحواله، إذ أنه - صلى الله عليه وسلم - وهو في مرض موته، عندما نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرض الموت وتهيأ لفراق الدنيا و اللحاق بالرفيق الأعلى فماذا قال - صلى الله عليه وسلم -؟ ماذا قال وهو يعالج سكرات الموت؟ ماذا قال والحمى تجعل العرق يتصبب من بدنه وجبينه الطاهر؟ ماذا قال والصحابة - رضي الله عنهم - يريقون على بدنه الشريف من سبع قرب من سبع آبار مختلفة لم تحل أوكيتهن من شدة ما نزل به أثناء معالجته سكرات الموت؟
إنه - صلى ا لله عليه وسلم - قال كما روت عائشة وعبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قالا: لما نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - الموت طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو ينازع سكرات الموت: \" لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذّر ما صنعوا \". رواه البخاري ومسلم.
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم أنه في هذه الحالة وشيك الفراق لهذه الدنيا، وشيك اللحاق بالملأ الأعلى بربه الجليل العظيم فخشي أن يُجعل قبره مسجداً، خشي أن يجعل قبره مزاراً، خشي أن يُجعل قبره مكاناً يعبد فيه غير الله.
نعم – يا عباد الله – إذا نظرنا إلى حال كثير من المسلمين اليوم وجدنا أنهم ليسوا على توحيد خالص في باب الألوهية والعبودية فمنهم من يعبد القبور، ومنهم من يعبد الأنبياء، ويدعو الأولياء ويستغيثون بهم، ومنهم من يطوف بالقبور كما يطاف بالكعبة.
منهم من يلوذ بهذه القبور وينحر لها ويتبرك بها، ويستغيث برميم ما فيها، رجاء نفعها أو دفع ضرر يخافه، ومنهم من يؤله الحكام ويجعلهم في منزلة الألوهية يطيعهم فيما حرم الله فيستحله، وفيما أحل الله فيحرمه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد