بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله ، نحمده و نستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يَهدِه الله فلا مُضلَّ له ، و من يُضلل فلا هادي له ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك و له الحمد ، و هو على كل شيء قدير ، و أشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله ، أرسله الله رحمةً للعالمين ، فشرَح به الصدور ، وأنار به العقول ، وفتح به أَعيُنًا عُميًا وآذانًا صُمًا وقلوبًا غلفًا ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان و سلم تسليمًا كثيرًا . ( يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مٌّسلِمُونَ ) ( يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَولا سَدِيدًا * يُصلِح لَكُم أَعمَالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزًا عَظِيمًا ) أما بعـد ،
عباد الله : أوصيكم و نفسي بتقوى الله ، و أن نقدم لأنفسنا أعمالاً تُبَيِّض وجوهنا يوم نلقى الله ، ( يَومَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَ لاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَن أَتَى اللهَ بِقَلبٍ, سَلِيمٍ, ) ثم اعلموا علم يقين أن حكمة الله اقتضت أن يكون الحق و الباطل في خلاف دائم ، و صراع مستمر ، إلى أن يرث الله الأرض و من عليها ، كل ذلك ليميز الله الخبيث من الطيِّب ، فمنذ بَزَغَ نجم هذا الدين و أعداؤه من يهودٍ, و نصارى و مشركين يحاولون القضاء عليه بكل ما يستطيعون ، ( يُرِيدُونَ لِيُطفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفوَاهِهِم وَاللهُ مُتِمٌّ نُورِهِ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ ) حاول أعداء هذا الدين القضاء عليه في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم ـ فما أفلحوا ، وحاولوا في عهد الخلفاء الراشدين- رضي الله عنهم- فما أفلحوا ، ثم في العصور المُتَأَخرة إلى وقتنا هذا و هم يحاولون دائبين º بالعنف و الصراع المُسلح تارة ، و بالمكر والخداع و الخطط و المؤامرات تارة أخرى ، ولسنا مجازفين –والله- عندما نقول ذلك º فالله يقول : ( وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم حَتَّى يَرُدٌّوكُم عَن دِينِكُم إِن استَطَاعُوا ) والله جل وعلا يقول : ( وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم ) هذه شهادة الله على أعدائنا بما يريدونه منا ، و أَيُ شهادة أعظم من شهادة الله و أصدق . والتاريخ في ماضيه و حاضره يشهد بذلك ، لكن أنَّى لهم أن يفلحوا ما تمسَّكنا بكتابنا وسُنَّةِ نبيِّنا محمد- صلى الله عليه وسلم- .
كلٌّ العِـدَا قَد جَـنَّدوا طَاقَاتِهِم *** ضِدَّ الهُدَى والنٌّورِ ضِدَّ الرِّفعَةِ
إِسلامُنا هُـَو دِرعُـنَا وَسِـَلاحُنَا *** و منارنا عَبرَ الدٌّجَــى فِي الظٌّلمَةِ
هُـَو بِالعَـقِيدةِ رَافِعٌ أَعلامَهُ *** فَامشِي بِظِلِّ لِوَائهَـا يَا أُمَّتِي
لا الغَـربُ يَقصِد عِزَّنَا-كَلا- وَ لا *** شَــرقُ التَحَلٌّلِ ، إنَّهُ كَالحَـيَّةِ
الكُلٌّ يَقـصدُ ذُلَّـنَا و هَوَانَنَا *** أَفَغَـيرُ رَبِّي مُنقِـذٌ مِن شِدَّةِ ؟
عبادَ الله : يوم يُقلِّب المرء صفحات الماضي المجيد ، ويتدبر القرآن الكريم ، ثم ينظر لواقعنا ، ويقارنه بماضينا يتحسر ، يتحسر يوم يَجِد البَون شاسعًا و الفرق عظيمًا ، يتحسر يوم يرى تلك الأمة و قد كانت قائدة و إذا بها قد أصبحت تابعة ، ثم يدرك أن السبب هو بُعدنا عمَّا كان عليه أسلافنا ، ويتساءل المرء متى ينزاح هذا السواد الحالِك من الذل و المسكنة متى يَنبَرِي للأَمَّة أمثال خالد و [صلاح] و [القعقاع] ؟ ، متى تُحيَا في القلوب آل عِمران و الأنفالُ و بَرَاءة ؟ ( قُل عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا )
و إنَّا لنرجُو اللهَ حتَّى كأنَّما *** نَرَى بِجَمِيلِ الظَّنِّ مَا اللهُ صَانِعُ
عَودًا والعَود أحمد ، عَودًا سريعًا إلى الماضي المجيد لنستلهِم منه الدروس والعبر في هذا الحاضر العاثر ، عَودًا لسيرة من لم يطرِق العالم دعوة كدعوته ، ولم يُؤَرِّخ التاريخ عن مُصلِح أعظم منه ، ولم تسمع أُذن عن داعية أكرم منه
رُوحِي الفِدَاءُ لِمَن أَخلاقُهُ شَهِدَت *** بِأَنَّهُ خَـيرُ مَبعُـوثٍ, مِنَ البَشَرِ
عَمَّت فَضَائِلُهُ كُلَّ البِـــلادِ كَمَا *** عَمَّ البَرِيَّةَ ضوء الشَّمسِ وَ القَمَرِ
صلوات الله وسلامه عليه ، ما هَطَلَت الغمائم بتهتان المطر ، وما هَدَلَت الحمائم على أفنان الشجر ، العَيش في سيرته عَيشٌ رَغِيد سعيد º هِداية و نور و حضور و بِشر و سرور، ما أحرانا و نحن في هذه الأيام العَصِيبة أن نخترق أربعة عشر قرنًا º لنعيش يومًا من أيام محمد –صلى الله عليه وسلم- ، بل ساعة من سُوَيعاته الثمينة ، لنأخذ العِبرة و الدروس من تلك الساعة في هذه الساعة :
اقرءوا التَّارِيخَ إِذ فيه العِــبَر *** ضَلَّ قَومٌ لَيسَ يَدرُونَ الخَــبَر
عَودًا بكم إلى السنة التاسعة للهجرة ، والعود أحمد º لنعيش معكم أحداث غزوة العسرة التي تساقط فيها المنافقون ، وثبت فيها المؤمنون ، وذَلَّ فيها الكافرون ، ما السبب وما الأحداث ؟ ما آيات النبوة فيها ؟ ما الدروس المستفادة ؟ إليكموها ، فاسمعوها وعُوها واعتبروا بما فيها ، واسألوا التاريخ عنا كيف كنا ؟ نحن أسسنا بناءً أحمديًا .
بلغ النبي- صلى الله عليه وسلم- أن الروم تتجمع لحربه ولتهديد الدولة الإسلامية في ذلك الوقت ، يريدون مبادرته بالحرب قبل أن يبادرهم º لكونه قد أذاقهم مرارة غزوة <مؤتة> التي جلبوا لها مائتي ألف ، ولم يتمكنوا من إبادة ثلاثة آلاف مقاتل º بل ولا هزيمتهم ، فيا للَّه !!
كنا جبـالا في الجبـال و ربمـا *** صـرنا على موج البحـار بحـارا
عند ذلك أعلن النبي- صلى الله عليه وسلم- ولأول مرة عن مقصده ، وأعلن التعبئة العامة فتجهز أقوام و أبطأ آخرون ، تجهز ثلاثون ألف مقاتل قد باعوا أنفسهم من الله ، وأعلنوا نصرة لا إله إلا الله . تساقط المنافقون ، ومن يرد الله فتنته فلن تجد له سبيلا . هاهو أحد المنافقين يقول المصطفى- صلى الله عليه وسلم- له : هل لك في جلاد بني الأصفر يعني الروم فيقول : يا رسول الله ائذن لي ولا تفتني º فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد عجبًا بالنساء منِّي ، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبر . فَرَّ من الموت وفي الموت وقع ، أعرض عنه- صلى الله عليه وسلم- وعذَره ، لكن الذي يعلم خائنة الأعين ، و الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء فَضَحَهُ –وأذلَّه- وأنزل فيه قرآنًا يُتلى . ( وَ مِنهُم مَّن يَقُولُ ائذَن لي وَ لاَ تَفتِنِّي أَلا فِي الفِتنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكَافِرِينَ ) و يتخلف أناس آخرون عن الخروج ، لا رغبةً بأنفسهم عن نفس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، لكن غلبتهم نفوسهم لصعوبة الظرف واشتداد الحرب . قد آن أوان الرطب وظلال الأشجار ، فاعتذروا بعد عودة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- و قَبِل عُذرَهم ، وتاب الله عليهم وأرجأ توبة ثلاثة منهم امتحانًا لهم فَمُحِصُوا حتى ( ضَاقَت عَلَيهِمُ الأرضُ بِمَا رَحُبَت وَ ضَاقَت عَلَيهِم أَنفُسُهُم وَ ظَنٌّوا أَلاَّ مَلجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيهِم لِيَتُوبُوا إِنَّه تَّوَّابُ رَّحِيمُ ) يأتي سبعة رجال مؤمنون صادقون ، لكنهم فقراء لم يجدوا زادًا ولا راحلة ، و عز عليهم التخلف ، نياتهم صادقة لكن ليس هناك عدة ، فأتَوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولون : يا رسول الله لا زاد ولا راحلة ، ويبحث لهم- صلى الله عليه وسلم- عن زاد و راحلة فلا يجد ما يحملهم عليه فيرجعوا . ( وَ أَعيُنُهُم تَفِيضُ مِنَ الدَّمعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ ) بالله ظلّ السيف للمسلم مثل ظل حديقة خضراء ، تنبت حولها الأزهار ، وتدنو ثمار المدينة ويشتد الحر ، ويبتلي الله من يشاء من عباده ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُم لاَ يُفتَنُونَ ) و يخرج- صلى الله عليه وسلم- و يستخلف على أهل بيته عليًا - رضي الله عنه- ويخيم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في <ثنية الوداع> و معه ثلاثون ألفًا ، و يأتي المنافقون الذين لا يتركون دسائسهم و إرجافهم على مر الأيام ، يلاحقون أهل الخير والاستقامة ، يلمزون و يهمزون و يتندرون و يسخرون ، سخر الله منهم ، و يستهزئون ، و الله يستهزئ بهم ، يأتون إلى عليٍّ,- رضي الله عنه- ويقولون : ما خلفك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا استثقالا لك ؟ يريد التخفف منك ، و عليُّ بَشَرٌ تأثَّر لذلك ، ولبس دِرعه ، وشَهَرَ سيفه يريد الجهاد في سبيل الله ، ويلحق برسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويعتنق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويقول : يا رسول الله زَعَم الناس أنك استثقلتني فخلفتني في النساء والصبيان فتهراق دموعه- صلى الله عليه وسلم- ويقول : \" كذبوا يا عليٌّ فاخلفني في أهلك وأهلي ، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟! إلا أنه لا نبي بعدي\" . فيقول بلسان الحال: بلى رضيت ، بلى رضيت ، وعاد عليٌّ -رضي الله عنه-.
يَدعُـو جَهارًا: لا إلهَ سِوى الذِي *** خَلَقَ الوُجُـودَ وقَـدَّرَ الأقـدَارَا .
و قبل مسير الحبيب محمد- صلى الله عليه وسلم- تقوم فرقة للصَدِّ عن سبيل الله ، تُثبِّط الناس بعد أن اجتمعوا في بيت أحدها ، تقول- و هي تزهد في الجهاد- : لا تنفروا في الحَرِّ ، تشكك في الحق وترجف برسول الحق ، ويتولى الحق -سبحانه- الرد : ( و َقَالُوا لاَ تَنفِرُوا فِي الحَرِّ قُل نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدٌّ حَرًّا لَّو كَانُوا يَفقَهُونَ ) هم في مؤامرة الصَدِّ عن سبيل الله ، ويأمر- صلى الله عليه وسلم- بإحراق البيت عليهم ، ويُنَفِّذُ ذلك الأمر [طَلحَةُ] - رضي الله عنه- فيقتحمون الأسوار خوفًا من نار الدنيا ، فتنكسر رِجل أحدهم ، و يفِرٌّ الباقون ، و يَعِزٌّ جُندَ الحق رغم أنوفهم ، و يخيب كل منافق خَوَّان . ويتوجَّه- صلى الله عليه وسلم- و يمر بديار <ثَمُود> ، و ما أدراكم ما تلك الديار ! ، ديار غضب الله على أهلها ، فتلك بيوتهم خاوية ، و آبارهم معطَّلة ، و أشجارهم مقطَّعة ، فيدخلها و قد غطَّى وجهه ، و هو يبكي ، و يقول لجيشه :\" لا تدخلوها إلا باكين أو مُتباكين لئلا يصيبكم ما أصابهم\".
يا لله !! هذه أرض سكنها الظَلَمَة ، فقولوا لي -بالله فيمن يجالس الظَلَمَة ، و يؤيد الظَلَمَة ، و يركَن إلى الظَلَمَة ، و يكون لهم أنيسًا و لسانًا و صاحبًا- : كيف يكون حاله ؟ ألا يخاف أن يغضب الله عليه º فيأخذه أخذ عزيز مقتدر ( وَلاَ تَركَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) و يستسقي الناس من بئر في< ديار ثَمُود> فيقول -صلى الله عليه وسلم- : \"لا تشربوا من مائها ، و لا تتوضئوا منه للصلاة ، وما عَجَنتم من عجين بمائها فاعلِفوه الإبل ، و لا تأكلوا منه شيئًا \" ففعلوا امتثالا لأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم – و مع الغروب يُعلن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنها سوف تَهُبٌّ رياح شديدة ، فلا يخرج أحد من مُخَيَّمِه إلا مع صاحب له ، حتى تهدأ الريح ، و خالف أمره رَجُلان من المسلمين ، لضَعف في إيمانهم ، خرج أحدهم ليقضي حاجته فخَنَقَته الجِنٌّ عند حاجته ، وخرج الآخر في طلب بَعِير له ، فاحتَمَلته الريح حتى طرحته في< جبال طَيء> ، فدعا رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- للذي أُصيب بخَنق الجِنِّ ، فَشُفِي ، فكانت هذه آية من آيات نبوَّته- صلى الله عليه وسلم- وأمَّا الآخر ، فسُلِّم للنبي- صلى الله عليه وسلم- عند عودته إلى <المدينة> .
لازال - صلى الله عليه وسلم- في طريقه إلى <تَبُوك> ، قد بلغ به الجوع والتعب والإرهاق مبلغًا عظيمًا ، لكن في سبيل الله يهون ، و مع السَّحَرِ ينام من التعب- صلى الله عليه وسلم- على دابَّتِه حتى يكاد يسقط- كما في صحيح مسلم- فيقترب منه [أبو قتادة] ، فيَدعَمَه بيده حتى يعتدل ، ثم يميل مَيلةً أخرى، فيدعمه أبو قتادة حتى يعتدل، ثم يميل مَيلة أشَدَّ من المَيلتين الأُولَيين ، حتى كاد يسقط ، فيدعمه بيده ، فيرفع رأسه- صلى الله عليه وسلم- و يقول : من هذا ؟ قال : أنا أبو قتادة ، فيُكَافِئَه- صلى الله عليه وسلم ، فبمَّ كافأه ؟ قال : \" حفظك الله بما حفظت نبي الله يا أبا قتادة\" . يقول أهل العلم : فوالله مازال أبو قتادة محفوظًا بحفظ الله في أهله و ذريته ما أصابهم سوء حتى ماتوا ، وهذا درس عظيم ، فإن من حفظ الله حفظه الله فلا خوف عليه ، إن صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، وما جزاء الإحسان إلا الإحسان ، وينزل –صلى الله عليه وسلم- و المؤمنون منزلا ، يقول عمر : في ذلك المنزل و قد أصابنا عطش عظيم حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع ، حتى إن الرجل لينحر بعيره ، فيعتصر قرته فيشربه ، وتضل راحلة النبي- صلى الله عليه وسلم- و يخرج أصحابه يبحثون عنها ، فيقوم أحد المنافقين ، فيقول : إن محمدًا يزعم أنه نبي ويخبركم بخبر السماء و هو الآن لا يدري أين ناقته ، و يأتي جبريل رسول الله –صلَّى الله عليه وسلم- بالخبر ، و يقول : إنَّ رجلا منكم يقول : إنَّ محمدًا يزعم أنَّه نبي و يخبركم بأمر السماء و هو لا يدري أين ناقته ، وإني – والله - ما أعلم إلا ما علمني الله ، وقد دلني الله عليها . يقول لهم النبي – صلى الله عليه وسلم- : \"هي في هذا الوادي في شعب كذا ، قد حبستها شجرة بزمامها ، فانطَلِقُوا حتى تأتوني بها\" فذهبوا فوجدوها كما ذكر- صلى الله عليه وسلم- وظهرت آية نبوته وفُضِحَ هذا المنافق وطُرِدَ عدو الله من جيش محمد -صلى الله عليه وسلم- ويمضي -صلى الله عليه وسلم- في مسيره إلى <تبوك> ، ويتخلف عنه بعض المسلمين ، فيقول الصحابة : فلان تخلف يا رسول الله ، فيقول :\"دعوه إن يكن فيه خير فسَيُلحِقَه الله بكم ، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه\" ، ويتأخر [أبو ذر] ، بعيره هزيل ، أبطأ به بعيره ، فترك بعيره وأخذ متاعه وحمله على ظهره ، وينزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بعض منازله على الطريق ، وينظر ناظر المسلمين ويقول : يا رسول الله : رجلٌ يمشي على الطريق وحده ، متاعه على ظهره ، فقال- صلى الله عليه وسلم- :\" كن أبا ذر كن أبا ذر \" فيتأمل الصحابة ، فيقولون هو والله أبو ذرٍ, يا رسول الله ، فقال- صلى الله عليه وسلم- :\" رحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده.\" ، وتمضي الأيام على هذه المقولة ، وتمضي الأعوام ، و يُنفَى أبو ذرٍ, إلى <الربدة> ، ويحضره الموت هناك ، وليس معه إلا امرأته وغلامه ، وقبل موته أوصاهما : أن يُكَفِّنَاه و يُغَسِّلاه ، و يضعاه على الطريق ، و أول ركب يمر بهم يقولوا : هذا أبو ذر صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعينونا على دفنه. و يفعلان ذلك ، ويأتي [عبد الله بن مسعود] في رهط من أهل العراق º ليعتمروا و ما راعهم إلا الجنازة على قارعة الطريق ، كادت الإبل أن تطأها ، عندها قام غلام أبي ذر و قال : هذا أبو ذر صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأعينونا على دفنه ، فاندفع عبد الله بن مسعود باكيًا يقول : صدق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- \" تمشي وحدك وتموت وحدك.\" ، ثم نزل هو وأصحابه فدفنوه ، ودموعهم تَهراق على خدودهم .
وليس الذي يجري من العين ماؤها *** ولكنـها روحٌ تسيل فتَقــطُرُ
وينتهي المسير بمحمد- صلى الله عليه وسلم- إلى <تبوك> ، ويقيم بضع عشر ليلة حافلة بالأحداث المثيرة . روى [البيهقي] من حديث [يزيد بن هارون] أنَّه- صلى الله عليه وسلم- لما نام ليلة في <تبوك> ، أتاه جبريل -عليه السلام- وقال : يا رسول الله قم صَلِّ صلاة الغائب على [مُعاوية بن مُعاوية اللَّيثِي] فقد تُوفِى بالمدينة ، من يا ترى [معاوية] ؟ عابد صالح يذكر الله قائمًا وقاعدًا وعلى جنبه ، وكأنَّه- صلى الله عليه وسلم- يتساءل لِمَ ؟ فأُخبِر أنَّه كان يقرأ (قُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ) قائمًا وقاعدًا وعلى جنب ، بالليل والنهار ، وقد تُوفِى <بالمدينة> و صُلِّيَ عليه هناك، وشهد الصلاة عليه صفان من الملائكة ، في كل صف سبعون ألف ملك ، فلا إله إلا الله ، قام- صلى الله عليه وسلم- و صلَّى عليه – و كان قد سافر- صلى الله عليه و سلم- إلى <تبوك> و هو مريض فهنيئًا له دعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- و صلاة الملائكة عليه.
لازالت الأحداث المثيرة تتوالى في <تبوك> يقول [ابن مسعود] -رضى الله عنه-: \"ونِمنًا تلك الليلة وانتبهت وسط الليل ، فالتفت إلى فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم أجده ، إلى فراش أبي بكر فلم أجده ، إلى فراش عمر فلم أجده ، و إذ بنار وسط الليل تضيء آخر المعسكر ، فذهبت أتبعها º فإذا برسول –الله صلى الله عليه وسلم- قد حفر قبرًا و معه أبو بكر وعمر. و عند رسول- الله صلى الله عليه وسلم- سراج بيده قد نزل إلى القبر قال : قلت يا رسول الله من الميت ؟ قال هذا أخوك [عبد الله ذو البجادين]. \"من هو ؟ إنه أحد الصحابة حلت به سكرات الموت بالليل ، فقام- صلى الله عليه وسلم- و شهد موته و ودعه و دعا له و حفر قبره بيده الشريفة و أيقظ أبا بكر و عمر. يقول ابن مسعود :\" فو الذي لا إله إلا هو- ما نسيت قوله – صلى الله عليه وسلم - و هو في القبر ، و قد مد ذراعيه لذي البجادين ، و هو يقول لأبي بكر و عمر:\" أدنيا إليَ أخاكما فدلياه في القبر و دموعه –صلى الله عليه وسلم- تتساقط على الكفن. ثم وقف –صلى الله عليه وسلم- لما وضعه في القبر رافعا يديه مستقبلا القبلة يقول: اللهم إني أمسيت عنه راضيًا فارض عنه ، اللهم إني أمسيت عنه راضيًا ، فارض عنه. يقول ابن مسعود : يا ليتني كنت صاحب الحفرة ، لأنال دعاءه –صلى الله عليه وسلم-\". من هو [ذو البجادين] ؟ إنه صحابي جليل ، أسلم و كان تاجرًا ، فأخذ أهله و قومه ماله كله º لأنه آمن وهم يريدون له الكفر ، أخذوا حتى لباسه ، فذهب فما وجد لباسًا غير شملة قطعها إزارًا و رداء – بجادين-، و فر بدينه يريد الله و الدار الآخرة . قدم على المصطفى-صلى الله عليه وسلم- ذو البجادين- ، وأُخبِرَ صلى الله عليه وسلم بخبره ،\" فقال: تركت مالك لله ورسوله ، أبدلك الله ببجاديك إزارًا ورداء في الجنة ، أنت ذو البجادين\". فلُقِّب من تلك اللحظة بذي البجادين ، و كان مصرعه في <تبوك> ، و مضى الركب وخلفوه هناك ، لكنهم يجتمعون معه في جنة عرضها السماوات و الأرض. ( يَومَ لاَ يُخزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُم يَسعَى بَينَ أَيدِيهِم وَبِأَيمَانِهِم ) و يقيم –صلى الله عليه وسلم- بـ<تبوك> و يدنو من الروم و يفزعهم ، و يكاتب رسلهم ، و يفرض عليهم الجزية ، و هم صاغرون ، و لم يلق كيدًا منهم ، لأن الله قد نصره بالرعب مسيرة شهر ، فلم يقرب إليه الروم خوفًا و فزعًا ، وقد كانوا قبل قد عزموا على غزوه في عقر داره. ( إِنَّهُم يَكِيدُونَ كَيدًا * وَأَكِيدُ كَيدًا * فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمهِلهُم رُوَيدًا ) و يرسل –صلى الله عليه وسلم- [خالدًا] على رأس أربعمائة مجاهد في سبيل الله إلى [أُكيدِر] ملك <دومة الجندل> ، و يخبر –صلى الله عليه وسلم- خالدًا أنه سيلقاه يصيد بقر الوحش ، خرج خالد ، ولما بلغ قريبًا من حصنه ، وجده قد خرج للصيد ، كما أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم-، فتلقته خيل الله بقيادة خالد ، فاستأسرته ، واستلب خالد منه قباء مخوصًا بالذهب –قميصًا مخوصًا بالذهب- ، و بعث به إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قبل قدومه عليه ، فجعل المسلمون يتعجبون من هذا القباء ، فقال –صلى الله عليه و سلم- مُزهِّدًا لهم في زخرف الدنيا : \"أتعجبون من هذا ؟ لَمناديل [سعد بن معاذ] في الجنة خير من هذا\". قدم خالد بـ[الأكيدر] ، و حقن دمه –صلى الله عليه وسلم- و ضرب عليه الجزية ، ولكنه مجرم ، ولو علم الله فيه خيرا لأسمعه ، نقض العهد في عهد أبي بكر ، فقتله خالد–رضي الله عنه وأرضاه- . وهكذا نصر الله جنده وأولياءه ورسله وعباده في الحياة الدنيا ، وينصرهم يوم يقوم الأشهاد.
عباد الله: ويعود –صلى الله عليه وسلم- إلى <المدينة> ، بعد إرهاب أعداء الله من نصارى و يهود و مشركين ، يعود في يوم بهيج ، لتستقبله <المدينة> ، لتستقبل نور بصرها –صلى الله عليه وسلم- يخرج الأطفال في فرح ، ليصطفٌّوا إلى مداخل المدينة ، و على أفواه الطرقات ، ليستقبلوا رسول البرية –صلى الله عليه وسلم- أصواتهم -كما حقق [ابن القيم] عليه رحمة الله- :
طلعَ البدرُ علينَا *** مِن ثنيَّات الوداع
وجَب الشكر علينَا *** ما دَعا لله دَاع
أيها المبعُوث فينَا *** جئتَ بالأمرِ المُطاع
جئتَ شرَّفت المدينة *** مرحبًا يا خيرَ داع
و هنا قال- صلى الله عليه وسلم-: \"إنَّ <بالمدينة> رجالا، ما سرتم مسيرًا ، و لا قطعتم واديًا ، و لا وَطَئِتُم موطئًا يغيظ الكفار ، إلا كانوا معكم ، حبسهم العذر. قالوا : يا رسول الله و هم بالمدينة ؟ قال: نعم ، و هم بالمدينة\" ، و يتبسم –صلى الله عليه وسلم- و يمسح الرؤوس ، ويقبل ويدعو. وهكذا انتصر المسلمون في <تبوك> على شهواتهم وأنفسهم ، وبالتالي انتصروا على أعدائهم. ( وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيُّ عَزِيزٌ ) هذه غزوة <تبوك> قائدها محمد –صلى الله عليه وسلم- ، جنودها صحابته –رضوان الله عليهم-، عز فيها المؤمنون ، و سقط المنافقون ، و ذل الكافرون و انهزموا ، و بالجهاد في سبيل الله ، لإعلاء كلمة الله يُنصَر المؤمنون ، و المؤمنون على عناية ربهم يتوكلون، لا خوف يُرهبهم ، و لا هم في الحوادث يحزنون.
اللهم أنت الناصر لدينك ، و المعز لأوليائك º افتح لنا فتحًا مبينًا ، انصرنا نصرًا عزيزًا ، و اجعل لنا من لدنك سلطانًا نصيرًا ، اللهم ثبِّت أقدامنا ، وزلزل أعداءنا ، اللهم أدخل الرعب في قلوبهم ، واستأصل شأفتهم ، و اقطع دابرهم ، وأَبِد خضراءهم ، و اجعل تدبيرهم تدميرهم ، و أورثنا أرضهم ، و ديارهم و أموالهم ، و كن لنا وليًا ، و بنا حفيًّا. يا من نصرت بماض ضعف أمتنا على الطواغيت عجل نصرنا الثاني . أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله العظيم فاستغفروه ، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، و أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له ، واشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه ، وعلى آله ، وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ، وسلم تسليمًا كثيرًا-.
أما بعد ، عباد الله : ها قد عشتم بعد أحداث غزوة تبوك التي انتهت -كما عرفتم- بنصر المؤمنين ، ولئن انتهت ، فما انتهى نورها ، و ما انتهت دروسها وعبرها ومواعظها ، ففي كل حديث منها قصة، و في كل قصة عظة وعبرة ، و في كل ذكرى منها موعظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع ، هل يكفي سرد أحاديث الماضي ، والتغني بالذكر الغابر ؟ هل يجزي هذا ، و قد تشابكت بأمة الإسلام –في هذه الأعصار- حلقات من المحن ، و تقاذفتها أمواج من الفتن ، وصيح بهم من كل جانب ، و تداعى عليهم الأكلة من كل فج . لابد أن نستفيد مما مضى ( لَقَد كَانَ فِي قَصَصِهِم عِبرَةٌ لأُولِي الألبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يٌّفتَرَى )
فهاكم بعض دروسها وعبرها ، علَّ الله أن يجعلنا و إياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه .
وأول هذه الدروس : أن هذه الأمة أمة جهاد ، و مجاهدة ، و صبر ، ومصابرة ، و متى ما تركت الجهاد ، ضُربت عليها الذلة والمسكنة .
دعِ المِـداد و سطِّر بــالدَّمِ القانِي *** و أسكتِ الفَمَ و اخطب بالفمِ الثَّـانِي
فَــمُ المدافعِ في صدرِ العـداة لهُ *** منَ الفصاحةِ مـا يُذري بسـحبانِ
وثانيها: أن الله تعالى ، كتب العزة و القوة لهذه الأمة ، متى ما صدقت وأخلصت. فها هي دولة الإسلام الناشئة ، تقف في وجه الكفر كله بقواه المادية فتهزمه ، و تنتصر عليه ( وَ لَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ ) و من هذه الدروس : أنه ما تسلل العدو سابقًا ولاحقًا إلا من خلال الصفوف المنافقة ، ولم يكن الضعف والتفرقة في هذه الأمة ، إلا من قِبَل أصحاب المسالك الملتوية ( لَو خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُم إِلاَّ خَبَالاً و لأوضَعُوا خِلاَلَكُم يَبغُونَكُمُ الفِتنَةَ وَفِيكُم سَمَّاعُونَ لَهُم )
و منها : أن مواجهة الأعداء ، لا يشترط فيها تكافؤ القوى . يكفي المؤمنين أن يعدٌّوا أنفسهم بما استطاعوا من قوة ، ثم يثقوا بالله ، و يتعلقوا به ويثبتوا ويصبروا ، وعندها يُنصروا . فها هو سلفهم [ابن رواحة] يقول: والله ما نقاتل الناس بعَدد ، ولا عُدد ، و ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي كرمنا الله به . و منها أن الحق لابد له من قوة تحرسه ، لا يكفي حق بلا قوة .
فما هو إلا الوحيُ أو حدٌّ مُرهَف *** تقيم ظباه أخدعي كل مائلِ
فهذا دواء الداء من كل جاهل *** و هذا دواء الداء من كل عاقلِ
دعا المصطفى دهرًا <بمكة> لم يُجَب *** و قـــد لان منه جانب وخطاب
فلما دعا و السـيف بالكف مسلط له *** أسـلموا و اسـتسـلموا و أنابـوا
و منها : أن الأعداء لن يَركنوا إلى السكون ، و لن يصرفوا أنظارهم عن دولة محمد -صلى الله عليه وسلم- سابقًا و لاحقًا ، فهم يُجمعون أمرهم و شركاءهم ، و يُعمِلُون مكرهم و دسائسهم ( وَيَمكُرُونَ وَيَمكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيرُ المَاكِرِينَ ) في نهاية هذه الغزوة هاهي مؤامرة دنيئة يقوم بها أدنياء سفلة عددهم اثنا عشر شقيًا منافقًا تواطئوا على قتل محمد -صلى الله عليه وسلم-. و تنفيذ الخطة -في تقديرهم- بمضايقته في عقبة في الطريق إلى <تبوك> ليسقط من على راحلته فيهلك -على حد زعمهم- ، و يصل إلى العقبة تَحُفٌّه عناية الله ورعاية الله ، [حذيفة] آخذ بخطام ناقته ، و [عمار] يسوقها ، و إذ بالأشقياء يعترضون الناقة لينفذوا مخطط الشقاء و العار ، فيصرخ فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فيولوا مدبرين ، و يحفظ الله سيد المرسلين ، و ينزل الله قوله في المنافقين ( وَ هَمٌّوا بِمَا لَم يَنَالُوا ) و يرسل بعدها -صلى الله عليه وسلم- عليهم سهمًا إلى الحي القيوم الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء º إذ يدعو اللهَ عليهم أن يهلكهم ، فيصاب كل واحد منهم بخُرَّاج يخرج في ظهر الواحد منهم ، و يدخل إلى قلبه º فلم ينجُ منهم أحد º فإلى جهنم ، وبئس القرار .
و من دسائس أعداء الله أنهم أرسلوا [لكعب بن مالك] –رضي الله عنه- يوم أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- بهجره أرسلوا إليه يقولون له : بلغنا أن صاحبك جفاك ، ولم يجعلك الله بدار هوان و لا مضيعة º فالحق بنا نُواسِك ، لكن [كعبًا] مؤمن علم أن هذا من الابتلاء ، فيمَّمَ التنور ، فأوقده بالرسالة ، ( وَمَا كَيدُ الكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ, ) .
عباد الله : هذا هو ديدن أعداء الإسلام في الغابر و الحاضر في كل زمان و مكان ، يتحسسون الأنباء و يترصدون و يتربصون بالإسلام و أهله ، و كم من أقدام في مثل هذا ذلَّت! ، وكم من أرجل في مثل هذه الأوحال قد انزلقت ! ، أما كعب فيمَّمها التنور و سجَّرها ، و كم في الأمة من أمثال كعب !.
فدت نفسي و ما ملكت يميني *** فوارس صدقت فيهم ظنوني
و من هذه الدروس : إن العقيدة في قلوب رجالها من ذرةٍ, أقوى و ألف مهند ، قضى الله أنه متى ما حادت الأمة عن عقيدتها ، و تعلقت بهذا أو بذاك إلا و تقلبت في ثنايا الإهانات و النكبات و النكسات حتى ترجع إلى كتاب ربها وسنة نبيها .
من يتق الله و ينصر دينه *** لابد في ساح المعارك يُنصَر
ألا و إن من أعظم الدروس ، و ليكن الأخير من غزوة <تبوك> -و المسلمون يمرون بأحداثهم المعاصرة و متغيراتهم الحثيثة- إنه الدرس الجامع الذي يكون من محراب الجهاد و كفى . من محرابه تنطلق قوافل المجاهدين . بالجهاد ترد عاديات الطغيان º فيكون الدين لله ، و لا تكون فتنة . جهاد بالنفس و المال و اللسان و السنان، و يبقى دين محمد –صلى الله عليه وسلم- مهيمنًا .
فيا أمة الإسلام في كل زمان ومكان اتقوا الله، وأجمعوا أمركم، وذُودوا عن دينكم ومحارمكم º فإن من لا يذود عن دينه و محارمه و لا ينتصر لدينه ذليل حقير غير حقيق بالعزة º بل لا تحلو له الحياة ، اصبروا، و صابروا ، و رابطوا ، و بما تمسك به أسلافكم تمسكوا ، جاهدوا كجهادهم ، و اصبروا كصبرهم ، وتوكلوا على الله ، و ثقوا بالله واطمئنوا ، و أبشروا ، و العاقبة للمتقين . ( وَ لَقَد سَبَقَت كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرسَلِينَ * إِنَّهُم لَهُمُ المَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ ) خذوا إيمان إبراهيم تنبت لكم في النار جنات النعيم .
يا أمة الإسلام فانتفضي فإن الجرح غائر
والجمع مُذ فقد العقيدة فهو مضطرب وحائر
و جريحنا الأقصى هوى و ديس بالحوافر
فهناك تعبث في جوانب أرضه عُصَب الكوافر
وتسومهم ذلا وخسفًا كالبهائم في الحظائر.
يا أمتي فلتنفضي عنك الغبار وتستعدي
ولتنفري نحو الجهاد بكل إقدام وجد
إن الجهاد به نرد لَجاجة الخصم الألَدِِّ
وبدونه نبقى على ما نحــن من أخذ ورد
يا رب أيقِظ أمتي حتى تعود إلى رحابك
يا رب أيقِظ أمتي حتى تعود إلى رحابك
واهدِ الولاة لكي يسوسوها بوحي من جنابك
وأمدها بالنصر ليس النصر إلا من جنابك
هذه بعض دروس من هذه الغزاة العظيمة، غيض من فيض، وقطر من بحر ، وكتب السيرة تفيض بذلك فاتقوا الله ، وعوها ، وطريق أسلافكم اسلكوها ، عودوا فالعود أحمد، و صلوا و سلموا على نبيكم محمد فقد أمرتم بالصلاة عليه: ( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسلِيمًا ) .
اللهم صلِّ على محمد و آل محمد ، كما صليت على إبراهيم و آل إبراهيم ، و بارك على محمد و على آل محمد ، كما باركت على إبراهيم و آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد . اللهم أعز الإسلام و المسلمين ، اللهم أعز الإسلام و المسلمين ، اللهم أعز الإسلام و المسلمين . و أذل الشرك و المشركين ، اللهم أصلح من في صلاحه صلاح للإسلام و للمسلمين ، و أهلِك من في هلاكه صلاح للإسلام و المسلمين ، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه وليك ،
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد