بسم الله الرحمن الرحيم
القنوت: يطلق على معان والمراد به هنا الدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام.
وقنوت النوازل: - هو الدعاء في النوازل التي تنزل بالمسلمين لدفع أذى عدو أو رفعه أو رفع بلاء ونحو ذلك.
** قال النووي في شرح مسلم\" والصحيح المشهور أنه إذا نزلت نازلة كعدو وقحط ووباء وعطش وضرر ظاهر بالمسلمين ونحو ذلك، قنتوا في جميع الصلوات المكتوبات.
1 - دليل المشروعية: -
عن أنس - رضي الله عنه - بعث النبي - صلى الله علية وسلم - سبعين رجلاً لحاجة يقال لهم القراء فعرض لهم حيان من بني سليم: - رعل و ذكوان.. فقتلوهم فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - شهراً في صلاة الغداة وذلك بدء القنوت وما كنا نقنت \"متفق عليه والحديث فيه قصة معروفة.
وعن أنس وأبي هريرة - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت بعد الركعة في صلاته شهراً\" اللهم أنج الوليد ابن الوليد، اللهم نج سلمة بن هشام، اللهم انج عياش ابن أبي ربيعة. اللهم انج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف\" متفق عليه.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يدعو على أحد، أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع.............. الحديث \" أخرجه البخاري.
وقنت الصحابة بعد النبي - عليه الصلاة والسلام - فقد قنت أبو بكر في محاربة الصحابة لمسيلمة، وعند محاربة أهل الكتاب وكذلك قنوت عمر، وقنوت علي عند محاربته لمعاوية وأهل الشام.
2 - في أي الصلوات يشرع: -
ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قنت في الصلوات الخمس. ففي سنن أبي داود وغيرهما عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب و العشاء والفجر في دبر كل صلاة، إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة يدعو على أحياء من العرب من بني سليم رعل وذكوان وعصية ويؤمن من خلفه \" وإسناده صحيح.
وثبت قنوته في الظهر والعشاء والفجر من حديث أي هريرة (متفق عليه).
وثبت قنوته في المغرب والفجر من حديث البراء عند مسلم ومن حديث انس عند البخاري.
وأكثر ما قنت في صلاة الفجر، وهذا يدل على التوسعة في مسألة القنوت في الفرائض وأن الإنسان لو قنت في بعض الفرائض دون بعض أو فيها كلها أو في واحدة منها أن ذلك كله سائغ لا تضييق فيه.
** قال ابن حبان: \"فإذا كان بعض ما وصفنا موجوداً. قنت المرء في صلاة واحدة أو الصلوات كلها أو بعضها دون بعض\".
** وقال النووي في شرح مسلم: \"باب استحباب القنوت في جميع الصلوات إذا نزلت بالمسلمين نازلة\".
3 - القنوت في صلاة الجمعة: -
اختلف العلماء في القنوت في صلاة الجمعة ولا أعلم في السنة أصلا للقنوت فيها، والجمعة إحدى الصلوات الخمس في يوم الجمعة، فالأمر يحتمل، وقد نقل في الإنصاف عن شيخ الإسلام وجده المجد ترك القنوت فيها.
* وهكذا اختار الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - ونص كلامه: \"يقول العلماء أنه لا يقنت في صلاة الجمعةº لأن الخطبة فيها دعاء للمؤمنين ويدعى لمن يقنت لهم أثناء الخطبة\". انظر((مجموع فتاويه (16/ 115)). ورجح في الشرح الممتع القنوت في الجمعة.
4 - لمن يشرع القنوت:
قيل يشرع للإمام خاصة دون سائر المساجد، وقيل بل يشرع لكل إمام في كل مسجد وقال شيخ الإسلام القنوت مشروع لكل مصل إماماً أو مأموماً أو منفرداً وهو أصح الأقوال (انظر الإنصاف (4/136) وفتاوى ابن عثيمين (14/175) لكن ينبغي أن يكون الأمر منضبطاً فلا يقنت إلا في النوازل التي تنزل بالمسلمين، وينبغي مشاورة أهل العلم وعدم الاختلاف في ذلك.
5 - موضع القنوت: -
الأمر في ذلك واسع فيجوز القنوت قبل الركوع وبعده في الركعة الأخيرة، وقد بوب البخاري: باب القنوت قبل الركوع وبعده، لكن القنوت بعد الركوع أكثر في الأحاديث النبوية كما نص على ذلك جماعة من أهل العلم.
6 - صفة القنوت: -
يدعو الإمام جهراً وقد نقل الحافظ الاتفاق على ذلك في (فتح الباري (2/491)) ويؤمن من خلفه كما في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - وتقدم ويرفع يديه ويرفع المأمومون أيديهم، وقد صح هذا عن عمر أخرجه البيهقي وصححه البخاري في جزء رفع اليدين.
وبعد الدعاء لا يمسح الإمام وجهه ولا المأمومون وجوههم وهكذا في كل الدعاء، وأحاديث مسح الوجه باليدين بعد الدعاء ضعاف لا تقوم بها حجة، والأحاديث الصحيحة المتواترة في رفع اليدين ليس فيها مسح الوجه فلا يشرع هذا بل هو من البدع.
7 - صفة الدعاء: -
ينبغي أن يدعو بما يناسب النازلة وبما يفي بالمقصود.
** قال شيخ الإسلام ابن تيميه (23 /109): \"فسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين تدل على شيئين: -
1 - أن دعاء القنوت مشروع عند السبب الذي يقتضيه، ليس بسنة دائمة في الصلاة.
2 - أن الدعاء فيه ليس دعاء راتباً، بل يدعو في كل قنوت بالذي يناسبه، كما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - أولا، وثانياً كما دعا عمر وعلي - رضي الله عنهم - لما حارب من حاربه في الفتنة، فقنت ودعاء بدعاء يناسب مقصوده، والذي يبين هذا أنه لو كان النبي صلى الله غليه وسلم يقنت دائماً، ويدعو بدعاء راتب، لكان المسلمون ينقلون هذا عن نبيهم، فإن هذا من الأمور التي تتوفر الهمم والدواعي على نقلها، وهم الذين نقلوا عنه في قنوته ما لم يداوم عليه، وليس بسنه راتبه، كدعائه على الذين قتلوا أصحابه، ودعائه للمستضعفين من أصحابه، ونقلوا قنوت عمر وعلي على من كانوا يحاربونهم \".
** وقال الحافظ ابن حجر في بذل الماعون في فضل الطاعون (ص 334) ما نصه \"لم أقف في شيء من كتب الفقهاء على ما يدعو به في القنوت في النوازل، والذي يظهر أنهم وكلوا ذلك إلى فهم السامع، وانه يدعو في كل نازله بما يناسبها\".
** وانظر(مجموع فتاوى ابن عثيمين (14/182))
** مسائل مهمة: -
1. الصحيح استحباب الدعاء برفع الطاعون وأنه من جملة النوازل، وقد أطال البحث فيه الحافظ ابن حجر في كتابه الماتع بذل الماعون (ص 315)وهذا خلاف المشهور عند الحنابلة.
2. لا ينبغي للإمام إطالة الدعاء والاشقاق على الناس.
3. لا ينبغي للإمام الإتيان بالأدعية المسجوعة المتكلفة.
4. لا ينبغي للمأمومين العجلة بالتأمين قبل استكمال الدعاء، وقد روي أن معاذاً أبا حليمة قال في دعائه\" اللهم قحط المطر فقالوا أمين. فلما فرغ قال قلت اللهم قحط المطر فقلتم آمين. إلا تسمعون ما أقول ثم تؤمنون\" أ. ه من مسائل أبي داود لأحمد.. ط رشيد (ص 69).
5. الصلاة على النبي - عليه الصلاة والسلام - مشروعة في القنوت، وقد جاءت في قنوت رمضان فقد كان أبو حليمة معاذ القاري يفعله وهو الذي رتبه عمر إماماً في التراويح إذا غاب أبي بن كعب. أخرجه إسماعيل القاضي في كتاب فضل الصلاة النبي - عليه الصلاة والسلام - بسند صحيح كما قال الحافظ في نتائج الأفكار (2/156). وأبو حليمة اختلفوا في صحبته. واخرج محمد بن نصر المروزي في كتاب قيام الليل بسند صحيح عن الزهري: \" كانوا يلعنون الكفرة في رمضان يشير إلى دعاء القنوت ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يدعو للمسلمين \" ومن طريق وهب بن خالد عن أيوب نحوه وسنده صحيح أيضا.. انتهى من نتائج الأفكار.
6. أحكام قنوت النوازل وقنوت الوتر متقاربة إلا ما ثبت الفرق فيه فيشتركان مثلاً في الجهر بالدعاء ورفع اليدين والتأمين على الدعاء ونحو ذلك، وقد عقد البخاري \" باب القنوت قبل الركوع وبعده \" وذكر حديث أنس في القنوت في الفجر في أبواب الوتر.
7. هل اليدان تكون مضمومة أو مفرجه حال الرفع؟ سألت شيخنا ابن باز - رحمه الله - عن ذلك فقال تكون مضمومة، ونص عليه الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في الشرح الممتع (ج4 – ص25) ونص كلامه \" وأما التفريج والمباعدة بينهما فلا أعلم له أصلا لا في السنة ولا في كلام العلماء.
8. لا بأس من التنصيص على اسم أحد في الدعاء كما تقدم في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وقد فعله أصحاب النبي - عليه الصلاة والسلام - من بعده. وقد عقد ابن أبي شيبه في مصنفه: \" باب في تسمية الرجل في القنوت \" وقال العراقي في طرح التثريب على فوائد حديث أبي هريرة.... (الخامسة) فيه حجه على أبي حنيفة في منعه أن يدعى لمعين أو على معين في الصلاة وخالفه الجمهور فجوزوا ذلك لهذا الحديث وغيره من الأحاديث الصحيحة، وقال أيضا.... (السابعة) فيه جواز الدعاء على الكفار ولعنتهم، وقال صاحب المفهم \" ولا خلاف في جواز لعن الكفرة والدعاء عليهم \".
** و قال ابن كثير في تفسير هذه الآية.. قال - تعالى -: ((إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللعنون)). البقرة (159)
\" لا خلاف في جواز لعن الكفار، وقد كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، ومن بعده من الأئمة يلعنون الكفرة في القنوت وغيره فأما الكافر المعين فقد ذهب جماعة من العلماء إلى أنه لا يلعن لأنا لا ندري بما يختم له، واستدل بعضهم بهذه الآية: ((إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين))، وقالت طائفة أخرى: بل يجوز لعن الكافر المعين. واختار ذلك الفقيه أبو بكر بن العربي المالكي، ولكنه احتج بحديث فيه ضعف، واستدل غيره بقوله - عليه السلام - في صحيح البخاري في قصة الذي كان يؤتى به سكران فيحده، فقال رجل لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله \" قالوا: فعلة المنع من لعنهº بأنه يحب الله ورسوله فدل على أن من لا يحب الله ورسوله يلعن، والله أعلم.
وقد قسم بعض أهل العلم هذه المسألة تقسيماً حسناً فقال: -
· اللعن بوصف عام مثل: - لعنة عامة على الكافرين وعلى الظالمين والكاذبين.
· اللعن يوصف أخص منه، مثل: - لعن آكل الربا، ولعن الزناة، ولعن السراق والمرتشين. والمرتشي، ونحو ذلك.
· لعن الكافر المعين الذي مات على الكفر. مثل فرعون.
· لعن كافر معين مات، ولم يظهر من شواهد الحال دخوله في الإسلام فيلعن. وإن توقى المسلم وقال: لعنه الله إن كان مات كافراً، فحسن.
· لعن كافر معين حي، لعموم دخوله في لعنة الله على الكافرين ولجواز قتله، وقتاله. ووجوب إعلان البراءة منه.
· لعن المسلم العاصي - معيناً - أو الفاسق بفسقه، والفاجر بفجوره. فهذا اختلف أهل العلم في لعنه على قولين، والأكثر بل حكي الاتفاق عليه على عدم جواز لعنهº لإمكان التوبة، وغيرها من موانع لحوق اللعنة، والوعيد مثل ما يحصل من الاستغفار، والتوبة، وتكاثر الحسنات وأنواع المكفرات الأخرى للذنوب. وإن ربي لغفور رحيم. أ. ه (معجم المناهي اللفظية) للشيخ بكر أبو زيد.
· قلت: مما يدل على عدم جواز لعن المعين المسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن في الخمر عشرة كما في الحديث الذي في السنن ولما أتي بمن شرب فلعنه بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله، وأما الكافر الحي المعين فقد منع بعضهم لعنه واحتجوا بقوله - تعالى - \" إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله الملائكة والناس أجمعين\" (البقرة 161). فذكر لعنه بعد ما مات على الكفر..... انظر تفسير ابن سعدي.
· مدة القنوت في النازلة يتبع حال النازلة وشدتها واستمرارها وقد قنت النبي - صلى الله عليه وسلم - شهراً لما بلغه قتل أصحابه، فالنازلة قد انتهت لكنها كانت شديدة........ انظر فتاوى اللجنة الدائمة ج7 ص 49 ط. بلنسيه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد