فن التعامل مع الناس


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين...

أما بعد:

فلما كانت الدعوة إلى الله - عز وجل - تحتاج من الداعية حسن التعامل والسياسة مع من يتعامل معهº لذلك اعتنت المؤسسات التربوية بهذا الموضوع وقدمته للمنتمين إليها، تحت عنوانين عدة تندرج ضمن هذا الموضوع، وكان أصل هذا الموضوع دورة ألقيت على مجموعة من الطلاب.

وكان من فضل الله علي أن يسر لي نسخة من مادة الدورة فقمت بكتابتها والإضافة عليها وترتيبها أسأل الله أن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم. إنه جواد كريم. وبعد:

فإن موضوع فن التعامل مع الإنسان - كبيرٌ جداً - تعتني به كل الشعوب في العالم ومن بينها الشعوب الإسلامية.

ولدى الغربيين معاهد خاصةٌ يُدرَّسُ فيها ما يسمى بالمهارات الاجتماعية. كيف يتحدث الإنسان؟ كيف يكسب الثقة بنفسه؟ كيف يكون لبِقاً في الحديث مع الناس؟. والإسلام فيه الكثير من كنوز الآداب، ومنها آداب التعامل، وقد أُعطينا القدوة من الأنبياء وخاتمهم رسول الله عليهم الصلاة والسلام جميعاً.

ولكن المسلمين لم يستطيعوا أن يستفيدوا منها ولم يتجاوزوا حتى الآن مرحلة التنظير (مرحلة الفكر) يقال: من آداب الصحبة كذا، ومن آداب العشرة كذا، ومن آداب الحديث كذا. وقليلٌ من الناس من يتدرب ويُدرِّب قومه. فليس هناك تدريبٌ عملي إلا نادراً فالقالب هو التعليم وليس التربية، والتدريب العملي هو المطلوب (1). وهو محور الكلام في هذا البحث:

 

عناصر البحث:

• اختلاف الطباع وأساليب التعامل.

• التعامل مع الإنسان.

• الدوافع التي تحرك المسلم إلى حسن التعامل.

• قواعد ثابتة في التعامل.

• الطُعم المناسب هو الذي يصطاد السمك.

• كيف تكسب الآخرين وتؤثر في الناس؟ (أساليب التعامل).

• خاتمة.

 

أولاً: اختلاف الطباع وأساليب التعامل:

الناس منذ خلقهم الله وهم مختلفوا الطبائع والرغبات والميول. روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"الناس معادن كمعادن الفضة والذهب، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنودٌ مجندةٌ، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف\" (2).

وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: \"إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن والخبيث والطيب\" (3).

 

وتمثل بعض الشعراء بهذا المعنى، فقال:

 

الناس كالأرض ومنها هُُمُ *** فمن خَشنِ الطبع ومن ليِّنِ

فجنـدلٌ تدمـى بـه أرجـلٌ *** وإثـمدٌ يـُوضـع في الأعـينِ

 

ويُعلم بداهةً أن معاملة هذه الاختلافات معاملةً واحدةً لا يستقيم. فما يلائم هذا لا يناسب ذاك، وما يحسُنُ مع هذا لا يجمل مع غيره. لذا قيل: (خاطبوا الناس على قدر عقولهم).

فكان شأنه - صلى الله عليه وسلم - في تربية أصحابه وتعليمهم أن يراعي أحوال من يتعامل معهم وينزل الناس منازلهم. ففي فتح مكة أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - المنادي أن يعلن في الناس أن من دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن دخل بيته فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن...، ألا ترى أن دار أبي سفيان لم يكن لها ما يميزها عن دُور أهل مكة، وأن دخول هذه الدار أو غيرها سيّان؟.

ومنها توزيعه - صلى الله عليه وسلم - بعض أموال الغنائم والفيء على أناسٍ, دون أناس. وكذلك تقسيمه الأعمال والمهام على أصحابه كُلُّ بحسبه، فما أوكل إلى حسان غير ما أوكل إلى معاذ ويصح ذلك مع أبي بكر وعمر و صهيب وخالد وبقية الصحابة رضي الله - تعالى - عنهم أجمعين.

إنها المعرفة بنفسيات الناس وما يطيقون وما يحبون، ومعرفة الدخول إلى قلوبهم (4).

 

ثانياً: التعامل مع الإنسان:

الإنسان كما هو معلومٌ مكونٌ من عدة قضايا، فهو ليس آلةً من الآلات، وإنما هو إنسانٌ بروحه وجسمه وعقله ومشاعره وهو محتاجٌ لتغذية هذه الأمور كلها. وبعض الناس يخطئون عندما يتعاملون مع الإنسان في الجانب الدعوي مثلاً: إذ يتعاملون مع الفكر فقط أو الفعل فقط دون أن يهتموا بمشاعر الإنسان الذي يتعاملون معه. كأصحاب المصانع الذين يتعاملون مع الجسم: كم ينتج؟ كم ساعة يعمل؟، ويهملون جانب الفكر وجانب العقل وجانب المشاعر.

كثيرٌ من الناس يهملون جوانب وقضايا من قضايا التعامل مع الإنسان، ولكن لابد من التركيز عليها كاملةً حتى يكون التعامل مع الإنسان شاملاً ومؤثراً. هذا التعامل الذي أكتب عنه يختلف الأثر الناتج عنه بحسب محتوى الكلام، أو طريقة الكلام، أو السلوك المصاحب للكلام، فقد يقول إنسانٌ كلاماً معيناً تحس منه أن هذا الإنسان يقوله من قلبه، وآخر يقول الكلام نفسه غير أنك تحس أنه يقوله من فمه. شخصٌ يقول: جزاك الله خيراً. وثانٍ, يقول: الله يجزيك الخير (5). وثالثٌ يقول: جزاك الله خيراً (6).

فستشعر أن الثاني والثالث يقولان الكلمة من قلبيهما، وهذا يحتاج إلى تدريبٍ, و إلى ممارسةٍ,، فإنسان يكلمك وهو ينظر إليك فـهو يحترمك ويقدرك، فهذا يختلف عن إنسانٍ, يكلمك وهو ينظر إلى ورقة أمامه أو إلى مكان آخر، حتى إذا سكت عن الحوار قال لك: تفضل أكمل وهو ينظر إلى الأرض مثلاً. إن هذا غير مهتمٍ, بك.

تلك أمثلةٌ متعلقةٌ بالسلوك المصاحب للكلام (7).

وهناك أمثلةٌ تتعلق بمحتوى الكلام أو طريقته أو كيفية التعامل العملي مع الناس تأتي ـ إن شاء الله ـ ضمن البحث والمهم أن يتم التدريب العملي على كيفية التعامل.

 

ثالثاً: الدوافع التي تُحرِّك المسلم إلى حُسنِ التعامل:

أولاً: أن يكون من خير الناس أو خيرهم:

فالمسلم يبحث عن رضا الله ومحبته، وأن تتحقق الخيرية في نفسه ويكون من خير الناس أو خيرهم. يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: \"خير الناس أحسنهم خُلُقاً\" (8) فالمسلم لا يُحسِّنُ خلقه ليكسب مصلحة، إنما لكسب رضا الله - عز وجل -، وهنا تستمر الأخلاق سواءاً رضي الناس أم لم يرضوا، تحسنت العلاقة أم لم تتحسن، كسب الود أم لم يكسب، فالأجر ثابتٌ على أيَّة حالٍ,، وهذا هو ضمان الاستمرارية. ويقول - صلى الله عليه وسلم -: \" إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل وصائم النهار \" (9)، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: \"المؤمن يألف ويؤ

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply