النصيحة من حقوق الإمام


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ويدل على ذلك عموم النصوص الآمرة بالنصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالإمام داخل فيها، وهذا ما فهمه السلف ولذا استدل أبو سعيد - رضي الله عنه - بها، فإنه لما قام رجل وأنكر على مروان، وكان والياً على المدينة، أنكر عليه تقديم الخطبة على الصلاة، قال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من رأى منكم منكراً، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)(1).

فاستدل أبو سعيد رضي الله عنه بعموم هذا الحديث، على دخول الإمام تحت هذا الحديث، فإذا رأى المرء من الإمام منكراً وجب عليه أن يغيره، وذلك من جملة النصح له شريطة أن لايثير فتنة أو يسلك سبيل من شأنه أن يثيرها.

ومما يدل على لزوم النصح لولاة الأمور حديث جرير بن عبد الله البجلي قال: (بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة)(2) وفي الحديث قال: (والنصح لكل مسلم)(3).

وأيضاً فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل من حق المسلم على المسلم النصيحة.

والإمام داخل في ذلكº لأنه من جملة المسلمين، بل نصحه آكد فيدخل فيه دخولاً أولياً، فإن نصح الإمام ليس متعلقاً بشخص واحد، إنما هو متعلق بقضايا الأمة، ومصالح الأمة ومتعلق بالمقصد الأعظم الذي شرعت الإمامة من أجله ألا وهو إقامة دين الله - سبحانه وتعالى -.

وقد نص النبي - صلى الله عليه وسلم - على نصح الإمام في أحاديث كثيرة، منها الحديث المشهور حديث تميم بن أوس أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)(4).

 

وكذلك الحديث (إن الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم)(5).

وأيضا في حديث عبادة بن الصامت قال: (بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة، قال: وأن لا ننازع الأمر أهله)(6). وأن نقول بالحق حيث كنا لا نخشى في الله لومة لائم.

فقضية يبايع عليها - صلى الله عليه وسلم - كما أشير هنا وفي حديث جرير ويطلب من الناس البيعة عليها، قضية شأنها عظيم ومنزلتها عظيمة.

ولا شكº لأن النصيحة للإمام قضية تتعلق بمصالح المسلمين ومصالح الأمة جميعا، وليست مجرد قضية شخصية، بل إن نصيحة المسلم الواحد قضية تستحق من الإنسان أن يبذل فيها، وأن يتحمل فيها الكثير فكيف إذا كان ذلك متعلقا بمصالح المسلمين جميعاً، ولاسيما إذا تعلق الأمر بأحداث وشؤون قد يكون أثر التخلف فيها عن النصح عظيماً.

وختاماً فإن النصحية لولاة الأمور عبادة شرعية تؤدى على وجهها المشروع دون تجاوز أو تقصير ومع حسن الاتباع لابد من سلامة القصد، والله هو الموفق للصواب.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) مقتبس من شرح الشيخ لمسائل الجاهلية بتصرف يسير واختصار.

- مسلم: الإيمان (49) والترمذي: الفتن (2172) والنسائي: الإيمان وشرائعه (5008، 5009) وأبو داود: الصلاة (1140) والملاحم (4340) وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1275) والفتن (4013) وأحمد (3/10، 3/20، 3/49، 3/52، 3/54، 3/92).

2 - البخاري: الأحكام (7204) ومسلم: الإيمان (56) والنسائي: البيعة (4157، 4174، 4189).

3 - البخاري: مواقيت الصلاة (524) ومسلم: الإيمان (56) والترمذي: البر والصلة (1925) والنسائي: البيعة (4156، 4157، 4174، 4177، 4189) وأحمد (4/357، 4/363، 4/364، 4/365) والدارمي: البيوع (2540).

4 - مسلم: الإيمان (55) والنسائي: البيعة (4197، 4198) وأبو داود: الأدب (4944) وأحمد (4/102).

5 - مسلم: الأقضية (1715) وأحمد (2/367) ومالك: الجامع (1863).

6 - البخاري: الفتن (7056) والنسائي: البيعة (4149، 4151، 4152، 4153، 4154) وابن ماجه: الجهاد (2866) وأحمد (3/441، 5/316، 5/318، 5/319، 5/325) ومالك: الجهاد (977).

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply