كثيراً ما يستشهد الدعاة إلى الله، بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، خلال خطبهم ومحاضراتهم، وذلك حق لا غبار عليه.
إذ استقبل الأنصار إخوانهم المهاجرين، وشاطروهم الأموال وساكنوهم في الديار، ثم بذلوا لهم النفس والنفيس ابتغاء رضوان الله.
ولذلك كان حب الأنصار جزءاً من عقيدة الإسلام وبات بغضهم نفاقاً يزري بصاحبه.
قال - تعالى -: (والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ والإيمَانَ مِن قَبلِهِم يُحِبٌّونَ مَن هَاجَرَ إلَيهِم ولا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِم حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا ويُؤثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِم ولَو كَانَ بِهِم خَصَاصَةٌ ومَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ) [الحشر: 9].
وفي الحديث الشريف: (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار) (صحيح البخاري، كتاب الإيمان).
بهذه الأخوة قام المجتمع المسلم في مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -..
إذ تجاوز هذا التآخي النظريات والشعارات إلى عالم التطبيق الجاد..
ذلك أن المغترب بدينه يشعر بفرحة عجيبة تنسيه آلام الغربة وفراق الديار والأحباب، وتخفف عنه طغيان الجاهلية التي تطارده أينما توجه لتفتنة في دينه وتؤذيه في عرضه وأبنائه..
واليوم كم من المشردين المسلمين، الذين يهيمون على وجوههم هرباً بدينهم من نيران الجاهلية المعاصرة أو طغيان الأنظمة الفاجرة! فهل يجد هؤلاء من إخوتهم الناصر والمعين؟ لا شك أنه توجد حفنة من المؤمنين الأخيار في كل بلد، يخففون من المأساة، ولكن كم تبلغ نسبة هؤلاء الطيبين؟ ! إن الغالبية مع الأسف تنظر إلى هؤلاء المنكوبين بمقياس الربح والخسارة في التعامل، لأن جوانب الحياة باتت تلف كثيراً من قطاعات المجتمعات في ديار المسلمين.
وإلا فما معنى أن يعرض على خريج الجامعات ومن يحمل الاختصاصات العليا راتب لا يزيد عن أجر العامل أو سائق السيارة، مستغلين حاجة هذا الأخ، دون تقدير لوضعه وكرامته ومؤهلاته؟ ! حجة هؤلاء أن العرض أكثر من الطلب وأن المؤسسة هذه قد لا تتاح لها الأرباح الخيالية..
شأن بقية المؤسسات والشركات..
أخي القارئ، عندما نقول: إن الأنصار توسعوا لإخوانهم في بيوتهم، ثم نجد أن كثيراً من العمارات خالية طوال السنة، وأن كثيراً من إخوة العقيدة ربما لا يكفي دخلهم أجور مسكنهم، ثم نطلب منهم أن يستمعوا إلى حديثنا عن آفاق التآخي في مدينة رسول الله، فهل يجد هؤلاء لكلامنا معنى؟ أم أن الواقع المرير يغني عن كل مقال [1] ؟ !.
عندما يأتي الإخوة الصغار يطلبون من أحدنا عوناً ما مادياً أو معنوياً، فهل نعطيهم من وقتنا ومن أنفسنا ما يشعرهم بلحمة التآخي، ومعاني الموالاة بين المؤمنين؟ ! أم أننا نعتذر بكثرة المشاغل وثقل التبعات وتعقيد أمور الحياة؟ ! لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تستوقفه المرأة تسأل أو الرجل صاحب الحاجة، وكذلك كان خلفاؤه وأصحابه فلا تذمر ولا شكوى.
وعندما يواجه بعض إخوة الدين مشكلة ماº هل نعطيها من وقتنا وتفكيرنا ما تستحقه؟ أم أن اللامبالاة تكون هي الرد الطبيعي، مما يصفع كثيراً من هؤلاء؟ ! إن المسؤولية ضخمة، وما علينا إلا أن نعيد حساباتنا مع أنفسنا في أقوالنا وأفعالنا.
أن نتقي الله في حمل الأمانة، فقد أصبح الانفصام بين النظرية والتطبيق أمراً مخيفاً منفراً..
إننا لكي نساهم في بناء مجتمع مسلم قويº فلا بد من تآخٍ, يعيد للمسلمين الصورة الناصة للإخوة بعيداً عن الكلام والنظريات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا مقال يوضح الفجوة بين الكلام النظري في الإخوة وبين التطبيق، ولا يراد منه أن تسكن البيوت بدون أجرة - البيان -.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد