أحشفاً وسوء كيلة في أخلاقيات التعامل المالية ؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

هذا المثل ليس من ألمانيا بل من ثقافتنا العربية قالته بدوية بشكل عفوي عندما ذهبت إلى السوق فأعطاها البائع تمرا سيئاً وأخسر الميزان. والحشف هو الرديء من التمر. وفي القرآن سورة كاملة باسم المطففين. \" ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون إلا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين\" وهنا ربط القرآن التعامل المالي بالجزاء الأخروي ولم يتوان عن مناقشة هذه القضية لحساسيتها، ونحن نتظاهر بالخجل عندما نلمسها ونحتار كيف ندور حولها بالكلمات ومن الأعماق نحب المال حبا جما.

. وهو أمر أظهره القرآن إلى السطح ليعرف الإنسان حقيقة الإنسان وأن المال هو الدم الأصفر في شرايين المجتمع كما كان الدم الأحمر في عروقنا. وكما نموت بالنزف فالمجتمع يموت بالفقر. ونحن نسمي المال أحياناً وسخ اليدين ولكن القرآن لا يسميه كذلك بل (قواما) و(خيرا). ومن تتبعي لموضوع المال في القرآن لم تقع عيني على آية تقول إن المال سيئ وشر. وفي الحديث نعم المال الصالح للرجل الصالح وفي القرآن المال هو الخير مثل: \"كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا\" ومثل\"وإنه لحب الخير لشديد\" ومثل \"لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير\" وفي أول سورة النساء اعتبر القرآن المال أنه قوام المجتمع وما يقوم به الشيء هو العمود الفقري ونبهنا أن نسحب الأموال من أيدي السفهاء \"ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً\" ونحن في التعامل المالي نقع في أغلاط فاحشة فمن طلب حقه قالوا عنه إنه مادي ولجوج وعندما يستدين أحدنا من الآخر يقول خذه ولا يكتبان بينهما على أساس الثقة فإذا وقعت المشكلات كانا في التعامل شرسين وانفجرت العداوات. وفي يوم حملت سيدة أمانة فلما سلمتها لصاحبتها دستها في جيبها فلم تحصها عددا قالت حاملة الأمانة: \"عدِّيها قبل الاستلام\" قالت هذا عيب وهل أشك في أمانتك فأصرت السيدة وتبين خطأ في الرقم. والموضوع هنا لا يرجع إلى الأمانة بل الدقة فقد يخطئ المرء في العد فيدخل إلى النفس أنها سرقة وهي ليست كذلك. وابن خلدون نصحنا أن نتعامل مع من يتقن مهنته غير الأمين أكثر من الأمين الذي لا يتقن عمله. وأثناء تعاملي الطويل مع الألمان وجدت منهم صفات تستحق الإشادة فهم لا يخجلون من ذكر المال بصراحة ولا يستحي أحدهم من المطالبة بحقه ويعتبرون هذا عادياً. ونحن إن كانت لنا حقوق عند قوم فطلبناها رأوا هذا عيبا ولا يليق بصاحبه أن يتشدد فيه ويلاحقه. ونحن نعرف في عالم العروبة أن ما فات مات وما لم تلاحقه هلك واندثر. ومن الأخلاق الجيدة في الألمان أنهم لا يعرفون المفاصلة والأخذ والرد ومن يذهب ليشتري غرضا ما فهو يحدد المبلغ الذي سوف ينفقه في الشراء وليس المبلغ الذي سوف يفاوض حوله وهذا الشيء لم أفهمه من الأول فعندما سألت صديقي الألماني عن حاجتي لشراء كاميرا قال كم تريد أن تضع لها؟ ونحن تعودنا أن نذهب فنفاصل في السعر. وهم يضعون السعر حتى لا تحصل حوله مفاصلة. وهم يتناقشون حول القضايا المالية بصراحة ولا يأكلون حقوق أحد ولا يؤخرونها. ويتقنون عملهم على أحسن وجه ويأخذون أتعابهم حلالا زلالا ومنه كان سعر سيارة المرسيدس غالياً. وأعجبتني جملة سمعتها من مدير مستشفى في عسير أنه قال إنني أعتبر أن الإنسان له خمس حواس والمال الحاسة السادسة.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply