ابني العزيز .. اشتر لي سجائر ولفافة حشيش !


   

بسم الله الرحمن الرحيم

لا تستغرب حين تجد ابنك من المدخنين!

\"هذه السجائر أشتريها لأبي..لقد أعطاني النقود وقال لي اشتري لي علبة سجائر\". بهذه الكلمات البسيطة تجيب \"سعاد\"، ذات الـ7 سنوات ونصف، مضيفة في دردشة خاطفة مع إسلام أون لاين. نت أمام دكان الحي بالعاصمة الرباط، إنها تعلم بأن السجائر \"خايبة\" (مضرة) وأن أمها ما فتئت تنبه أباها بأن يكف عن تدخينها لكن دون جدوى، فـ\"بابا يحب السجائر كثيرا، وحينما يفتقدها يرسلني أنا أو أخي لجلبها له من عند سيد علي\" صاحب الدكان.

ويخبر \"سيد علي\" هذا إسلام أون لاين. نت أنه لم يعد يكترث للشخص الواقف أمامه سائلا عن بضاعة ما، يقول: \"لقد مضى عليّ في هذه المهنة أكثر من 10 سنوات، في البداية كنت آسف وأنا أرى أطفالا صغارا يأتون عندي ليشتروا السجائر عوضا عن الحلوى أو البسكويت، وأشعر أن ذلك خطأ، لكن الآن صار الأمر عاديا عندي\". ويضيف السيد علي مفسرا ما آل إليه الوضع خلال السنوات الأخيرة: \"كان أبي - رحمه الله - قاسيا في تربيتنا وفعل المستحيل حتى لا ندخل عالم التدخين والمخدرات كبعض رفاق الحي، لكن بعضا من هؤلاء الآباء الجدد لا يبدو أنهم يعرفون الصواب من الخطأ، وأنهم يدخلون - من حيث علموا أم لم يعلموا - أبناءهم عالم الخطيئة\".

 

لفافات حشيش

الوضع يبدو أسوأ عند الشاب \"محمد\" صاحب دكان لبيع المواد الغذائية والحلوى بمدينة تمارة المجاورة للعاصمة، والذي صرح لـ\"إسلام أون لاين. نت\" بأنه يستقبل في اليوم الواحد عشرات الأطفال - لا يذكر عددهم بالضبط - الذين يأتون عنده لشراء علب السجائر إما كاملة أو بالتقسيط، سيجارة أو سيجارتين، يقول \"محمد\": \"في الحقيقة الأمر عندي طبيعي وعادي، أطفال من مختلف الأعمار يأتون عندي كل يوم لأخذ السجائر إما لآبائهم أو لإخوانهم، لست أدري هل هذا مضر بهم أم لا، لكن في آخر المطاف لا أستطيع أن أمنع أحدا، فأنا بائع ويهمني أن تلقى بضاعتي رواجا\".

 

وبينما الحديث جار مع \"محمد\".. إذا بفتاة صغيرة تطلب من صاحب الدكان أن يعطيها أربع وريقات من \"النيبرو\"، و\"النيبرو\" هذا يستعمل بكل بساطة لصنع لفافات الحشيش، يمدها \"محمد\" بالبضاعة وهو ينظر باسما، فالأمر لم يعد مقتصرا على السجائر، لم تعرف الطفلة - التي أخبر صاحب الدكان أنها تبلغ من العمر حوالي 8 سنوات - المادة التي تشتريها وفي ماذا تستعمل حينما سألتها عن ذلك، وفضلت الرحيل بسرعة حتى لا تتأخر على أبيها، لكن \"محمد\" أوضح أن \"الأمر من فرط تكراره لم يعد يلفت انتباه أحد، فالعملية صارت سهلة وبسيطة، شخص - أيا كان عمره - يريد بضاعة.. وأنا أمده بها مقابل ثمنها\".

 

القدوة الطالحة

هي عملية \"بسيطة\" إذن، وعادية بين بائع ومشترٍ,، لكن وحدهم رجال التربية يعرفون أن أضرارها أكبر من أن تخفيها تلك العادة التي يبدو أنها فعلا تورث البلادة كما يقول المثل.

 

خالد منصاري (مؤطر تربوي) يشير إلى أن حياة المدنية أثرت سلبا على العديد من المفاهيم داخل الأسرة، وهو ما أدى إلى تغيير نمط العيش وطبيعة السلوك عند الناس صغارا وكبارا.

 

ويسترسل منصاري قائلا في تصريح لـ\"إسلام أون لاين. نت\": \"يقضي الأب معظم وقته إما في الشغل أو مع أصدقائه، ولا يدخل إلى المنزل إلا في وقت متأخر، كما أن الأم الموظفة هي الأخرى تقضي 8 ساعات في العمل على الأقل، وحينما تعود إلى البيت تكون متعبة، لتبدأ من جديد دورة عمل أخرى داخل المنزل، من تنظيف وطهي وغير ذلك. فأين الأبناء داخل كل هذه المعادلة؟ - يتابع منصاري - بالتأكيد على أن الأبناء بحسب العمر، إما أن يكونوا برياض الأطفال، أو بالمدارس، أو بالشوارع بعد انتهاء الدوام الدراسي، ووسط غياب فظيع لرعاية الآباء، يصبح الأبناء عرضة لكل أنواع الانحرافات التربوية\".

 

ويشدد خالد منصاري على أن تكوين الآباء كذلك يطرح عدة تساؤلات، فالأب الذي يرسل ابنه أو بنته القاصر لكي تشتري له موادّ مسمومة، إنسان فاقد لسلطة الإدراك التربوي، ولا يعلم البتة أنه يشكل النموذج والمثل الأعلى لابنه، \"ولا داعي -يضيف منصاري- أن يستغرب هذا الأب حين يرى أطفاله من المدخنين أو من المتعاطين للمخدراتº فقد منح لهم شرعية ذلك منذ أن علمهم أنه ليس هناك حاجز أخلاقي بينهم وبين البضاعة التي يشترونها له\".

 

ثمار فاسدة

رأي يتفق معه عبد الله أستاذ السلك الثانوي الذي أوضح لـ\"إسلام أون لاين. نت\" أن الأب بإرسال طفله ليبتاع له سيجارة يعلمه طريق الانحراف، ويمنحه كل الترسانة الأخلاقية والتربوية لذلك، ويوضح ذلك بقوله: \"كنا نرى بعض الآباء المدخنين يرفضون التدخين أمام أبنائهم ويفعلون ذلك إما في المقاهي أو في مقار العمل، لم يكونوا يريدون أن يسقط أبناؤهم ضحايا هذه الآفة، بالتشبه بآبائهم، أما الآن.. فللأسف غدونا نرى الأب -وفي أحيان عدة الأم- يدخن أمام الأبناء دون أدنى حرج، وهذا مشكلº لأنه إلى جانب الأضرار الصحية فالأضرار التربوية أخطر بكثير ومن الصعب إصلاحها\".

 

ويشير عبد الله إلى أن مآل هذا النوع من التربية غير المباشرة يظهر بشكل جلي داخل مدارس القطاع العامº \"فالثانوية التي أدرّس بها وصل الوضع فيها إلى حد تعاطي التلاميذ المخدرات بشكل شبه علني، وخاصة الحبوب المهلوسة، أما تدخين السجائر فحدث ولا حرج، ونتيجة لذلك ارتفعت حدة الاعتداءات على الأساتذة، وفقط مؤخرا أخبرني أحد الزملاء أنه كان يحرس التلاميذ أثناء أدائهم لامتحانات البكالوريوس، فإذا به يفاجأ بتلميذ يطلب منه أن يغض عنه الطرف لأنه سيغش فهذا عامه الأخير وهو ليس مستعدا لكي يضيعه، ولكي يقنع الأستاذ بتركه وشأنه أشار التلميذ إلى سكين موجود داخل جاكيتته\".

 

ويضيف عبد الله أن: \"الأمر سيان بالنسبة للبنات والذكور، وقد أبلغني من أثق بهم من التلاميذ النجباء أن بعض البنات والأولاد، يذهبون إلى بعض المقاهي أو الحدائق ليدخنوا السجائر، وفي بعض الأحيان الحشيش! \".

 

الأسرة أولاً

الوضع لن يسر أحدا بطبيعة الحال، خاصة المسئولين عن التعليم بالبلاد، ابتداء من الوزير وانتهاء بالأساتذة والمعلمين. فهل هناك من حل لهذه المعضلة؟

 

كان هناك شبه إجماع من طرف البائع والموجه التربوي والأستاذ على أن الحل يبدأ من الأسرة، فقد صار من اللازم على الأب والأم أن يعلما أنهما يشكلان \"القدوة الصالحة\" للطفل، وهنا تكمن الخطورةº حيث إن أي تصرف يصدر عنهما يصير مشروعا فقط لأن الأب أو الأم أقدم عليه، وبالنسبة للسيد منصاري فالمدرس بات هو الآخر ملزما بأن يتجاوز عقلية \"الوظيفة\"، ويعي أن دوره أكبر من ذلك بكثير، \"فعليه أن يعد نفسه لاستيعاب التطورات الحاصلة في المجتمع، ويسلح نفسه بالعلم لمواجهة التحديات\" يوضح منصاري. أما الأستاذ عبد الله فيرى من جانبه أن تحسين وضعية المعلم والأستاذ مسألة محوريةº لأنه من الصعب على المعلم أن يفكر جيدا في تربية نشء، وعقله مشغول بالديون المتراكمة عليه! كما يوضح أن على الدولة مضاعفة المجهودات في محاربة المخدرات، وتطوير آليات تحدد عملية ترويج السجائر، باتخاذ كافة التدابير القانونية التي تبين للناس أن السجائر مصدر لكل الأمراض القاتلة، \"بهذه الوسيلة - يبرز الأستاذ - أعتقد أن بعض الآباء سينجحون في تجنبها، وهكذا، سيكفون عن إرسال أطفالهم لشرائها\".

 

يذكر أن \"جمعية للا سلمى لمحاربة داء السرطان\" التي تترأسها الأميرة للا سلمى زوجة ملك البلاد، قد أعلنت الأربعاء 30 مايو 2007 عن برنامج لمحاربة التدخين تحت شعار: \"إعداديات وثانويات ومقاولات بدون تدخين\" بمناسبة اليوم العالمي بدون تدخين لسنة 2007.

وتشير إحصائيات بحث أنجز بالوسط المدرسي أشرفت عليه وزارة الصحة المغربية عام 2006 أن نسبة التدخين لدى الأطفال ما بين 13 و15 سنة تتجاوز 15.5%.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply