\" إن كنت ناقلا فالصحة، أو مدّعياً فالدليل \"
قاعدة ذهبية تحمينا من الوقوع في الزلل..
ولقد مر حين من الدهر عمّت فيه فوضى النقل، فطغت على المشهد الثقافي المقروء والمسموع..
ونافست الأحاديثُ الموضوعةُ والضعيفة الأحاديثَ الصحيحة على الصدارة الثقافية.
وتصدرت الحكايات الخرافيةُ المكذوبة الكثير من مجالس الوعظ والإرشاد..
وإذا حرّم الله الكذب والافتراء على أي إنسان، فكيف يكون الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكلامه تشريع؟!
وقد حذرنا المعصوم - عليه الصلاة والسلام -، فقال في الحديث المتواتر:
\" من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعدَه من النار \"..
وكل إنسان يُحدّث بالخبر الموضوع على أنه حديث مع علمه بوضعه فقد شمله هذا الحكم، ففي الحديث الصحيح:
\" من حدّث عني بحديث يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين \"
ومما يؤسف له أن بعضاً من الوعاظ والخطباء والمؤرخين والمفكرين تخففوا في الرواية، فتلقفوا مالا يصح، فنفقت عليهم مروياّت مكذوبة، ما كان لهم أن يتلقوها بألسنتهم أو بأقلامهم، ثم بنوا على هذه الأكاذيب ما بنوا من معان وأفكار..
وما قيمة بناء يناطح السحاب بنيناه على رمال متحركة؟!..
إن الحق قوي بذاته، فلا يحتاج إلى خيالات الوضّاعين وأكاذيبهم..
وهذي بعض معالم لعل فيها منهجاً للتعامل مع المرويات:
- التحري عن صحة الرواية. بنقد أولي متبصّر لمتن النص
\" فالحديث المنكر يقشعر منه جلد طالب العلم \".. كما يقول الإمام ابن الجوزي..
وقد أمرنا القرآن الكريم بالتثبت والتبيّن والتمحيص، وبالتلقي بالعقول الواعية لا بالألسنة، وبالظن الحسن بالمؤمنين..
وفي الذكر العزيز:
(لولا إذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمناتُ بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين)....
(إذ تلقّونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علمٌ وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم * ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون أن نتكلّمَ بهذا سبحانك هذا بهتانٌ عظيم)..
ومن أشهر الصحابة الذين اشتهروا بنقد المتن كانت السيدة عائشة - رضي الله عنها -..
- إذا جاز التساهل في الروايات التاريخية التي يمكن أن ترفع الهمة أو التي فيها ثناء على صحابي، فلا يجوز بحال التخفف في نقل رواية فيها مسُّ بصحابي أو تابعي، بل يجب التأكد من صحتها..
وليحذر المسلم من أن يقف يوم القيامة أمام صحابي في قصة افتريت عليه..
ومن الروايات المشتهرة المفتراة:
\" يدخل عبد الرحمن بن عوف الجنة حبوا \"!
وإذا كان الصحابي المبشَّر بالجنة سيدخل الجنة حبواً، فمن سيدخلها سعيا؟!.
- إذا كان الحديث صحيحاً، يروى بصيغة الجزم \" قال \"..
- وإذا كان ضعيفاً، فيروى بصيغة التمريض: \" رُوي \"..
- لا يقبل الاستشهاد بالحديث الضعيف، إذا وجد حديث صحيح يغني عنه في بابه.
- تحرم رواية الموضوع، إلا على سبيل الحكمة أو القول المأثور إن كان فيه فائدة، مع الإشارة إلى وضعه..
- ما رواه الشيخان البخاري ومسلم، أو أحدهما فهو صحيح يروى بصيغة الجزم..
- أكثر ما في مسند الإمام أحمد وموطأ الإمام مالك صحيح أو حسن.
- ليس كل ما في ما كتب السنن الأربعة صحيحا، بل إن فيها الضعيف..
فلا يكفي أن نقول أخرجه ابن ماجة مثلا، فلا بد من الحكم على درجة الحديث من حيث الصحة أو الضعف..
وهنا لابد من الرجوع إلى حكم المحدّثين الأثبات..
- أنصح باقتناء كتاب يفضح الأحاديث الموضوعة من مثل:
\" الفوائد المجموعة \" للشوكاني، و\" تنزيه الشريعة\" للكناني، و\"المقاصد الحسنة\" للسخاوي، و\"كشف الخفاء\"للعجلوني، و\"تحذير المسلمين\" للأزهري..
- أنصح بالتزود من علم الحديث الذي نفاخر به كل الأمم، ولقد تعجب المؤرخ النصراني د. أسد رستم من علم مصطلح الحديث الذي تميزت به أمتنا، والذي وضع قواعد دقيقة في نقد المتن والسند، ودراسة الرجال..
و هذا العلم الشريف يهَب المتضلّعَ منه عقلية علمية موضوعية نقدية، تسعفه في جميع مناشط الحياة، وليس في تمحيص الروايات فحسب، ومن شأن المتمكن منه أن يقف على قاعدة ثقافية ثابتة ثبات اليقين..
وهل أشرف من علم يكثر فيه ذكر الحبيب - صلى الله عليه وسلم -؟!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد