لصفاء القلوب والنفوس ... أخلاق يجب الابتعاد عنها


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله ذي الجبروت والملكوت والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين ثم أما بعد:

قال - تعالى -: {لَا يُؤَاخِذُكُم اللَّهُ بِاللَّغوِ فِي أَيمَانِكُم وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَت قُلُوبُكُم} البقرة 225.

يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" ألا وإن في الجسد مضغة: إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب. \" فسلامة النفس والقلب منجاة يوم القيامة يقول - تعالى -: {يَومَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَن أَتَى اللَّهَ بِقَلبٍ, سَلِيمٍ, (89)} الشعراء

إن إصلاح القلب وتزكية الروح وتصفية الباطن هي الأصل في الدين لأن القلب إذا صلح والباطن إذا طهر والروح إذا تزكى يكون السلوك وفق ما أمر الله - تعالى - بشأنه، ومن ثم تخضع جوارحه للاستسلام وتنقاد أعضاؤه لامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه.

ولصلاح القلوب والنفوس هناك صفات وسلوكيات علينا البعد عنها والحذر منها...

وعلى رأس هذه الصفات

الحسد والبغضاء:

والحسد هو تمني زوال النعمة عن صاحبها يقول ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد أصل الحسد: هو بغض نعمة الله على المحسود وتمني زوالها

يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" لا يجتمع في جوف عبد غبار في سبيل الله وقيح جهنم، ولا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد \"

وخرج أبو داود من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أو قال العشب\" قال الشيخ الألباني: ضعيف

وقال - صلى الله عليه وسلم - عندما سئل: أي الناس أفضل؟: (كل مخموم القلب صدوق اللسان) قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: (التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد) ابن ماجه بإسناد صحيح.

 

ويذكر العلماء أن مراتب الحسد أربعة وهي:

الأولى: تمني زوال النعمة عن المنعم عليه ولو لم تنتقل للحاسد.

داريت كُل الناسِ لكن حاسدي*** مُـداراته عَزت، وعَز مَنَالُها

وكيفَ يداري المرءُ حاسدَ نعمةٍ,***إذا كـان لا يُرضيه إلا زوالها

الثانية: تمني زوال النعمة عن المنعم عليه وحصوله عليها.

الثالثة: تمني حصوله على مثل النعمة التي عند المنعم عليه حتى لا يحصل التفاوت بينهما، فإذا لم يستطع حصوله عليها تمنى زوالها عن المنعم عليه.

الرابعة: حسد الغبطة ويسمى حسداً مجازاً وهو تمني حصوله على مثل النعمة التي عند المنعم عليه من غير أن تزول عنه. روى البخاري في صحيحه عَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: \" لا حَسَدَ إلا فِي اثنَتَينِ رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ القُرآنَ فَهُوَ يَتلُوهُ آنَاءَ اللَّيلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ لَيتَنِي أُوتِيتُ مِثلَ مَا أُوتِيَ فُلانٌ فَعَمِلتُ مِثلَ مَا يَعمَلُ وَرَجلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالا فَهُوَ يُهلِكُهُ فِي الحَقِّ فَقَالَ رَجُلٌ لَيتَنِي أُوتِيتُ مِثلَ مَا أُوتِيَ فُلانٌ فَعَمِلتُ مِثلَ مَا يَعمل. \"

وفي البغضاء قال - عليه السلام -: \" دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين، \"

وقال - عليه السلام -: \" إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم، \"

وجاء في كتاب جامع العلوم والحكم: \" وقوله - صلى الله عليه وسلم -: \"ولا تباغضوا. \"

\"نهى المسلمين عن التباغض بينهم في غير الله - تعالى - بل على أهواء النفوس فإن المسلمين جعلهم الله إخوة والإخوة يتحابون بينهم ولا يتباغضون \" وجاء كذلك \" وقد حرم الله على المؤمنين ما يوقع بينهم العداوة والبغضاء كما قال - تعالى -: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيطَانُ أَن يُوقِعَ بَينَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغضَاء فِي الخَمرِ وَالمَيسِرِ وَيَصُدَّكُم عَن ذِكرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَل أَنتُم مٌّنتَهُونَ} المائدة وامتن على عباده بالتأليف بين قلوبهم كما قال - تعالى -: {وَاذكُرُوا نِعمَةَ اللَّهِ عَلَيكُم إِذ كُنتُم أَعدَاء فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا} آل عمران. وقال: {وَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِهِم لَو أَنفَقتَ مَا فِي الأَرضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَت بَينَ قُلُوبِهِم وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَينَهُم}, الأنفال ولهذا المعنى حرم المشي بالنميمة لما فيها من إيقاع العداوة والبغضاء ورخص في الكذب في الإصلاح بين الناس ورغب الله في الإصلاح بينهم كما قال - تعالى -: {لاَّ خَيرَ فِي كَثِيرٍ, مِّن نَّجوَاهُم إِلاَّ مَن أَمَرَ بِصَدَقَةٍ, أَو مَعرُوفٍ, أَو إِصلاَحٍ, بَينَ النَّاسِ وَمَن يَفعَل ذَلِكَ ابتَغَاء مَرضَاتِ اللَّهِ فَسَوفَ نُؤتِيهِ أَجرًا عَظِيمًا} وقال: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا فَأَصلِحُوا بَينَهُمَا}, وقال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصلِحُوا ذَاتَ بِينِكُم}. \"

 

ومن الصفات التي يجب علينا البعد عنها: الكبر وازدراء الغير

عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \" لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة. قال: إن الله جميل يحب الجمال. الكبر بطر الحق وغمط الناس \"

وقال - عليه السلام -: \" من فارق الروح جسده وهو بريء من ثلاث: من الكبر والدين والفلولº وجبت له الجنة، أو قال: له الجنة \"

وقال - صلى الله عليه وسلم -: \" قال ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف مستضعف لو أقسم على الله لأبره ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر. \"

وقال كذلك - صلى الله عليه وسلم -: \" بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم \"

وقال - عليه السلام - عن رب العزة في الحديث القدسي: \" الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهن ألقيته في جهنم \"

 

ومن الصفات المذمومة التي يجب البعد عنها: الكذب

قال - تعالى -: {وَيلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ, أَثِيمٍ,}الجاثية7 أي هلاك شديد ودمار لكل كذاب كثير الآثام. والأفاك هو الكذاب...

جاء عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: \" كان أبغض الخلق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الكذب \"

وعن عبد الله بن مسعود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب، حتى يكتب عند الله كذابا. \"

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان \"

سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"أيزني المؤمن؟ قال: نعم. أيسرق المؤمن؟ قال: نعم. أيكذب المؤمن؟ قال: لا\"

وقال - عليه السلام – أيضا: « ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له» والويل كما ورد وادي في جهنم..

عن أنس بن مالك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \" من ترك الكذب وهو باطل بني له في ربض الجنة ومن ترك المراء وهو محق بني له في وسطها ومن حسن خلقه بني له في أعلاها \"

 

ولهذه الصفات دواء بإذن الله - تعالى -سنذكرها سريعا:

1-التقوى والصبر: فمن وجد في نفسه مثل هذه الصفات فليتقي الله وليصبر على طاعة الله وليعود نفسه ويزجرها على ترك المعاصي

2-العمل على تجاوز هذه الصفات: في الحديث: (ثلاثٌ لا ينجو منهن أحد: الحسد والظن والطيرة وسأحدثكم بما يخرج من ذلك: إذا حسدت فلا تبغض وإذا ظننت فلا تحقّق وإذا تطيّرت فامض) رواه ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-

3-القيام بحق المؤمنين: فكما تحب أن يقوم الناس بحقك فقم بحق الناس من حولك وعاملهم مثلما تحب أن تعامل \"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه \"

4-الإكثار من تلاوة القرآن وتدبره

5-تذكر الحساب والعقاب والموت والقبر

6-الدعاء بأن يعافيك الله من هذه الصفات المقيته

7-الصدقة فإن الصدقة تطفئ غضب الله - عز وجل -

8-الإخلاص في القول والعمل فهو رأس الأمر

9-تجديد النوايا دائما لله - سبحانه وتعالى -

عافانا الله وإياكم من كل ما يكره - سبحانه –

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply