ملخص الخطبة
- عناية الإسلام بحفظ النفس. 2- خبث الدخان وما فيه من المفاسد. 3- الإشارة إلى طائفة من الأمراض التي يسببها التدخين. 4- تعدي مضار التدخين إلى جلساء المدخن وتأذيهم منه. 5- متى يتخذ المدخن القرار الصائب بإقلاعه عن التدخين؟
الخطبة الأولى
يحثّ ديننا الإسلامي أفراده على تهذيب نفوسهم، ويعمل على غرس تعاليمه الحميدةِ في أعماق قلوبِهم، ودعوتِهم إلى ما فيه نفعهم وفائدتهم، وتحذيرهم من كلِّ ما يسوؤهم ويتسبب في إضرارهم.
لذلك أمرهم بالمحافظة على أنفسهم، وحثهم على صيانتها والبعد عن كل ما يُعرضها للهلاك أو الأذى، بل إنه حذر الشخص من الاعتداء على أعضائه أو نفسهº لأنها ليست ملكًا له، ورتب أشد العقوبات على من ارتكب ذلك، وهي كونه خالدًا مخلدًا في جهنم والعياذ بالله - تعالى -.
ومن أعظم المزالق التي يرتكبها البعض وتُلحق الضرر بهم اقترافهم التدخين، الذي ينتشر بشكل أكبر في أوساط الشباب والمراهقين. والتدخين قد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه جالب لكثير من الأمراض، وخاصةً الصدرية منها، والمدخن يدرك ذلك ويعرفه، لكنَّ شيطانه أقوى منه، فهو يزين له المعصية، ويسوّف له الإقلاع عنها وتركها.
ولو سألت أيّ مدخن عن هذه السيجارة التي يمسكها بين إصبعيه: هل هي من الطيبات؟ لأجابك بكل صراحةٍ, واقتناع بأنها ليست من الطيبات، وأنها لا تجلب له منفعة ينفرد بِها عن الآخرين، بل هي كابوس جاثم على صدره، تتولد منه أنواع المآسي والأضرار، يكفيك قبحًا فيه أن جميع من يشربه يود تركه.
إننا لو تأملنا بعضًا من الآيات القرآنية الكريمة لوجدنا أنَّها واضحة في دعوتها إلى كل نافع مفيد، وحثها على الابتعاد عن كل ضار ومؤذٍ,، قال - تعالى -: (وَلا تَتَبَدَّلُوا الخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) [النساء: 2]، وقال جل في علاه: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكتُوبًا عِندَهُم فِي التَّورَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأمُرُهُم بِالمَعرُوفِ وَيَنهَاهُم عَن المُنكَرِ وَيُحِلٌّ لَهُم الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِم الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنهُم إِصرَهُم وَالأَغلالَ الَّتِي كَانَت عَلَيهِم) [الأعراف: 157].
ولا يتردد من له أدنى ذرة من عقل إلا أن يدخله ضمن قائمة الخبائثِ وأنواع المؤذيات، وقد أفتى كثيرٌ من العلماء المحققين بتحريمهº لما يترتب عليه من الأضرار والمفاسد العظيمة، ومنها الإسراف في إنفاق المال، وقد حرم الله - تعالى -الإسراف ونهى عنه، قال جل في علاه: (وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَلا تُسرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبٌّ المُسرِفِينَ) [الأعراف: 31].
وقد أجمع العلماء على أن كل ما يؤدي إلى الضرر ويوقع في المهالك يجب اجتنابه، وفعله محرم، وقد قال: ((لا ضرر ولا ضرار)) رواه أحمد.
وكثيرة هي الأضرار الناجمة عن تعاطي التدخين، فمنها ضياع المال وإنفاقه في وجه غير مشروع وصرفه في المحرم، فلو فُرض أن إنسانًا بدأ في التدخين من سن الخامسة عشرة إلى أن بلغ ستين سنة، وأن متوسط تدخينه في اليوم عشرون سيجارة، فإن مجموع ما دخنه يتجاوز ستة عشر ألف علبة سجائر، قيمتها واحد وثمانون ألف ريال، فمن هذا يتبين أن المدخن العادي يصرفُ هذا المبلغ الضخم في جلب الضرر لنفسه، ويزيد المبلغ كثيرًا عند أولئك الذين يتعاطون التدخين بشراهة وبكمية أكبر.
وقد أثبت الأطباء وأعلنوا مرارًا أن التدخين مضر بالبدن منهك للصحة، وأنه يقتل ما يقارب ثلاثة ملايين إنسان في كل عام، وهو سبب رئيس للإصابة بعدة أمراض، منها: سرطان الرئة والتهابها، وسرطان الحنجرة، وضيق التنفس، وزيادة سرعة ضربات القلب، وارتفاع ضغط الدم، وزيادة معدل الإصابة بتصلب الشرايين، وفقدان الشهية، ومحو الشعور بالجوع، والأرق الطويل، وضعف الإبصار، وغير ذلك من الأمراض الأخرى. وإنه لا يَسَعُ العاقل وهو يسمع أن واحدًا فقط من هذه الأمراض سببه التدخين إلا أن يعزم على تركه ويُقلع عنه بالكلية.
ثم إن أضرار التدخين لا تقتصر على المدخن نفسه، بل إنها تعم كل من حوله، وأقربهم الملكان اللذان عن يمينه وشماله، وقد جاء في الحديث عنه أنه قال: ((إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم)) رواه مسلم.
ثم كيف يليق بعاقل أن ينفخ الدخان في وجوه من حوله، وينفثه بحضرة من هم أكبر منه سنًا وأعلى قدرًا؟! بل كيف يرضى بنفثه في وجوه من يجلسون من أبنائه وبناته وزوجته، ويكدّر عليهم صفو جلستهم؟! أليس من حق الزوجة أن لا تجد من زوجها إلا رائحة زكية طيبة، أم أن الزوج لا يرى إلا بعين واحدة؟! فهو حين تخطئ زوجته أو تنسى القيام بشيء بسيطٍ, من حقوقه يحاسبها حسابًا عسيرًا، ويؤنبها على أخطائها تلك تأنيبًا شديدًا.
ومن هنا فإن على الزوجة العاقلة أن تعمل جاهدة على إعانة زوجها على الإقلاع عن التدخين، بأن تُظهر له تضايقها من هذه الروائح الكريهة المؤذية المنبعثة من فمه، وتبين له خطر التدخين على صحته وصحة من معه في البيت، وأن تتجنب الجلوس معه أثناء التدخين، وتشعره بتأذيها منه، وفي كل مرة يحاول إشعال سيجارته تطلب منه أن يؤجل ذلك إلى وقت آخر فيما بعد، وهكذا حتى تستطيع انتشال زوجها مما هو فيه.
ومن الدراسات المتعلقة بأضرار التدخين ما ثبت من أن المدخن للسيجارةِ الواحدةِ إذا جلس معه شخص أثناء تدخينه فإنه يدخن معه نصف السيجارة، ويلحقه ضرر بجلوسه معه.
إذًا ليست هناك نتائج وفوائد إيجابية يجنيها المدخن من تعاطيه التدخين، بل مفاسدُ وأضرار كثيرة، والمدخن يعرف هذا لكنه قد يكابر ويعاند، والشجاع مَن يتخذ قراره الأصوب في الامتناع عن التدخين والإقلاع عنه إلى غير رجعة، حتى لا يلحقه الأذى والإثم والضرر في دينه وصحته وماله، فهل ترضى ـ أيها المدخن ـ بأن تودِع النار في صدرك بثمن تدفعه مقدمًا، وأن تشرب نارًا وتدفع مقابل ذلك دينارًا؟! إنه ما دام قد ثبت أن التدخين من أعظم ما يجلب الأمراض للجسد، وأن البعض يسميه بالانتحار البطيء، فإني أخشى أن تكون ممن قتل نفسَه، ودخل في قوله: ((ومن تحسى سمًا فقتل نفسه ـ أي: من شرب وتجرع سمًا ـ فسُمٌّه في يده يتحسَّاه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا)) رواه البخاري ومسلم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد