ثقافة الجسد تقليد أعمى وفن مزيف وعذاب مرتقب


  

بسم الله الرحمن الرحيم

عندما تتخلى الأمم والشعوب وخاصَّة الإسلاميّة منها عن قيمها ومبادئها الأخلاقيّة التي تحافظ على حشمتها وكرامتها، فإن ذلك إيذانٌ بأن النوازل والكوارث أصبحت على وشك قريب من الصفيحة المتحركة لطبقتنا الأرضية التي نعيش عليها، لأننا ندرك جيداً أن هذا العمل المشين هو نقطة البداية لغضب الله - سبحانه وتعالى - علينا.

فكم من حضارات سادت على وجه هذه الأرض وكانت عزيزة أيّما اعتزاز حيث مزجت شرقها بغربها ضمن إمبراطورية شاسعة وواسعة كالتي كانوا يطلقون عليها بالتي لا تغيب عنها الشمس، ولكن عندما تجردت تلك الأمم من أخلاقياتها التي هي عصب إبداعها في التطوير والابتكار وتحافظ على ماء وجهها بادت تلك الحضارات وأضحت أطلالاً وهياكل فارغة جوفاء وأثراً بعد عين، ويوماً بعد يوم نُهيل تراب الهوان على رؤوسنا ونقحمُ أنفسنا في مستنقعٍ, آسن ضحل، ونضع أمام أعييننا رؤى من حضارات أجنبية تبيح للحرام ألواناً شتى من العرض في طريقها نحو تجميد العقل العربي، ووضعها في خانات الاستهلاك اليومي بعيداً عن برامج التنمية والتقدم والازدهار، يوماً بعد يوم نتقدم بخطى سريعة نحو ثقافة الجسد التي تستند بدورها إلى شخصياتٍ, تميّزت عن غيرها في كشف الغطاء وفضح المستور، عبر حركات مقلدة للتقنية الغربية في هذا الحقل.

فالغرب الذي يبدع في الصناعات الحديثة والتكنولوجيا المتقدمة والتنمية الشاملة يمتلك تياراً يتماشى مع تلك التطورات بصناعات أخرى أضحت رديفاً لتلك المحاسن، أي إن تلك المحاسن التي تخدم الجنس البشري يقف إلى جانبها تيار يجعل من فنها هبوطاً للقيم الإنسانيّة، فمن هذه الفنون الهابطة وتلك الصناعة القيّمة تتساوى كفتا الميزان عند ذلك القوم.

أما نحن فتنميتنا معطلة، وعقولنا مجمّدة، وثرواتنا وأموالنا مكدسة في بنوك غيرنا، ومبدعونا مهمّشون من قبلنا، وأراضينا مغتصبة، ومقدساتنا منتهكة، وإلى جانب كل هذا التخلف والانحطاط تسير عجلة ثقافة الجسد في بلادنا أكثر مما ينتجه غيرنا في مجالات التنمية والتقنية.

فالصحافة التي تخاطب شقائق الرجال تدغدغ عقولهن بأمورٍ, سطحية لا تجدي نفعاً ولا تبني صلاحاً وجميع ما فيها وما يروّج لها وما يكتب فيها بالطباعة الفاخرة التي تضاهي طبعات المعلقات تتعلق بالأزياء التي تبرز المفاتن وتزرع الفتنة في المجتمعات المحافظة من تجميل البشرة إلى تلوين القزحة، في تقليدٍ, أعمى للمرأة الغربية، التي غالباً ما وقعت تحت شعار التحرر في مستنقع الرذيلة، ولم تعد سوى وسيلة لإشباع الغريزة الجنسية غير المشروعة، ووسيلة إعلاميّة رخيصة بأيدي مصاصي الدماء ومروّجي الثقافة الغربية الهابطة.

فالقوى الغربية وأجهزة الدعاية المنقادة لها تحاول المستحيل لفرض ثقافتها الملوّثة العفنة الموبوءة بأمراض التحلل والشذوذ على دول العالم الثالث. 

حيث تشهد الأوساط الاجتماعية والفنية لوناً جديداً من ألوان الثقافة الهابطة والتي أضحت أكبر من جوائز نوبل من حيث الدعاية المرئية والصحافة المسموعة وقنوات البث الفضائي، ولو كانت هناك مسابقات في هذا المجال لحظي العرب بالدرجة الأولى لهذه الثقافة التي تذوّب عقول الشباب في الوقت الذي نحن بحاجة ماسّة إلى هذه الإبداعات الناشئة والطرية والتي تختزن في مضمونها آفاقاً واسعة من الابتكارات والإنجازات.

حيث تقوم تلك القنوات بإطلاق العنان لثقافتهم الهابطة على صعيد واسع من التميع والخلاعة وتغييب أسمى خصلة فيها ألا وهي الحياء،

فالحياء لفظ جامع لكل حسن واجتناب كل قبيح، مَن تخلّق به سار إلى مكارم الأخلاق، ونأى عن رذائل الصفات، وكان سلوكه نظيفاً مهذّباً، فلا يكذب ولا يأثم ولا يفسد ولا يطغى يمنعه الحياء عن فعل كل ما يشينه، جاء في الحديث الشريف: (استح ِ من الله استحياءك من ذي الهيبة من قومك) وقال: (استح من الله حق الحياء، قالوا: يا نبي الله، إننا لنستحي والحمد لله قال: ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء، أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء.

وقال - عليه السلام - في حديث آخر: (إن لكل دين خُلقاً، وخُلق الإسلام الحياء) والحياء شعبة من الإيمان ولا إيمان لمن لا حياء له فالحياء لا يأتي إلا بخير.

فإذا ذهب الحياء من المجتمع تفشّى فيه الاستهتار بالقيم الرفيعة، والاستهانة بالتقاليد الحسنة وانتشرت الرذائل وأخذت طريقها في إفساد القلوب والعقول.

فمن مناظر التبرج، وعرض مفاتن الجسد، إلى أغانٍ, رخيصة مبتذلة إلى صورٍ, فاضحة، كل ذلك يسلب الإنسان حياءه ويزين له الشر ويغمسه في الشهوات والآثام.

 

ويقول الشاعر:

 

إذا لـم تخش عاقبة الليالي * * *   ولـم تـستحِ فافعل ماتشاء

 

فـلا والله مافي العيش خير * * *  ولا الـدنيا إذا ذهب الحياء

 

يعيش المرء ما استحيا بخيرٍ,  * * *  ويـبقى العود مابقي اللحاء

 

وإذا نظرنا إلى واقع الحياة اليوم، وجدنا الحياء معدوماً، فلقد رُفع الحياء من وجوه الرجال والنساء على حدٍ, سواء، فامتلأت الأرض آثاماً وشروراً ومنكرات وفجوراً، ورأينا المخازي والفضائح ترتكب بلا تورع ولا خجل ولا خوف من الله ولا وجل.

ورأينا النساء يخرجن شبه عاريات، لم يتركن وسيلة شيطانية بالإغواء والفتنة إلا اتّخذتها، حتى غدت كل واحدة منهن في الشارع والمجتمعات والحفلات، كأنها عروس ليلة زفافها.

أما أشباه الرجال، فهم من الوقاحة وموت الشرف والغيرة، ما جعلهم أضل من البهائم، وهؤلاء لاشكَّ في أن قلوبهم ونفوسهم، قد مسخت قردة وخنازير، وإن كانت أجسامهم في صورة بني آدم، فإذا ذهب الحياء، ذهب الدين كله، وإذا ذهب الدين والحياء، انطلق الناس كالدواب الشاردة، لا يبحثون إلا عن شهوات بطونهم وفروجهم، ويستبيحون في سبيل ذلك، كل حرمة وخلق، ومبدأ وشرع وقانون.

ألا لعنة الله على تلك الوجوه الكالحة الصفيقة، التي قلَّ ماؤها وذهب حياؤها، فجعلت القبيح حسناً، والرذيلة فضيلة، والفجور مدنية، واستباحة الأعراض حرية.. !

حتى غدا الديوث رجلاً، والفاجر شريفاً، والخائن أميناً، والمائع الماجن ظريفاً لطيفاً،...وصدق - عليه الصلاة والسلام-: \" إذا لم تستح فاصنع ماشئت \".

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply