الحسد مرض نفسي اجتماعي
أم عبدالرحمن: الحسد يفتك بصاحبه ويرديه إلى المهلك
أم محمد: الحسد نوعان: محرم وجائز
الابتعاد عن الدين من أسباب الوقوع في الحسد
من علاج الحسد علاجات شرعية والإحسان إلى الحاسد
الحسد مرض اجتماعي فتاك ينخر في المجتمعات نخرا، لذلك من الواجب علينا محاولة تخليص المجتمع من ذلك، والأولى في ذلك تخليص أنفسنا أولا وتهذيبها، وبذلك نتقي شر ذلك الحسد فقد يوجهه الإنسان إلى معاداة الآخريين، وأن ينصب بينه وبينهم شباكا ويوقعهم في فخه والعياذ بالله، فهي قضية يجب الاهتمام بها وينبغي على كل من يحسد الناس أن يراجع نفسه، وأن يضع لها من الوسائل والعلاجات الشرعية ليحجب هذا الحسد عن عقله وقلبه وفكره.
لذلك رأى الملحق أن يعالج هذه القضية من خلال هذا التحقيق فهيا نقرأ التحقيق:
الطمع والجشع صفتان مذمومتان في الإنسان
تقول أم عبد الرحمن: هناك نفوس لا تزال تتطلع إلى أكثر من حقها، بل وتنظر إلى حق غيرها ذلك هو الطمع والجشع، وهما صفتان مذمومتان في الإنسان، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب) متفق عليه، هكذا هو ابن آدم يعيش في كمد وكبد، من أجل الحياة الدنيا، فيكون نتيجة الطمع والجشع حسد للغير، وإساءة للمسلمين، ثم يموت ولم يحصل من الدنيا إلا ما كتب الله له، وقال: (إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)، والحسد ربيب الكبرياء، ووالد الكراهية والبغضاء، ومثير الفتن والشحناء، وربما كان الحسد سببا لإزهاق الأنفس البريئة، قال - صلى الله عليه وسلم -: (علام يقتل أحدكم أخاه، إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه، فليدع له بالبركة..).
الحسد يضر صاحبه قبل الناس
وتقول نهال الخروبي: (الحسد من الأمراض التي تضر صابحها قبل أن تضر الناس، فالحسود عندما يتمنى زوال نعمة عند شخص آخر فإنما هو يعترض على أقدار الله فمن الذي أعطى هذا وحرم ذلك؟ إنه الله! وإنما هذا لحكمة منه - جل وعلا -، والحسد داء عضال يفتك بصاحبه ويرديه إلى المهالك فربما انتقل الحسد من كونه عملا قلبيا إلى الجوارح فيحاول الحاسد البطش بمن حسده بأي نوع من أنواع الأذى يلحقه به ويعمل على الضرر به بشتى الوسائل والأساليب والحاسد دائما في شقاء ونكد لما يلحقه به الحسد من الاشتغال بالناس والنظر الدائم إلى ما عندهم مما يجعله لا يشكر نعمة الله عليه، بل ويقارن دائما بين ما عنده وعند الناس.
فيا أيها الحاسد من أعطى غيرك قادر على أن يعطيك فأرفع أكف الضراعة إلى مولاك أن يمن عليك بأحسن مما عند غيرك وكف عن الحسد فهو شر ولا يأت بخير.
الحسد نوعان
وتقول أم محمد: (ليس كل الحسد مذموما، فالحسد نوعان، حسد محرم، وحسد جائز، أما الحسد المحرم، فهو تمني زوال النعمة عن المحسود، وإلحاق الضرر به، وأما الحسد الجائز، فهو الغبطة وتمني مثل ما عند الغير من غير رغبة في زوالها، قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا حسد إلا في اثنين: رجل علمه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق، فقال رجل ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل) أخرجه البخاري.
فالإسلام حذر من الحسد المحرم الذي يلحق الأذى بالمسلمين.
تعريف الحسد
إن الله عندما شرع الأخلاق الإسلامية فإنه ربطها بالإيمان بالله - سبحانه وتعالى - ما هذا الربط إلا لتكون الأخلاق هي ثمرة حقيقية للإيمان بالله - سبحانه وتعالى - ولتكون كذلك مرتبطة برضى الله - سبحانه وتعالى - الذي يسعى إليه كل أحد من المسلمين.
لذلك فإن الله - سبحانه وتعالى - حين أمرنا بالأخلاق الفاضلة فإنه قد حذرنا من ضدها فما شرع خلقا مذموما إلا شرع له خلقا محمودا حث الناس عليه فوعدهم بالجزاء الجزيل والأجر العظيم عليه.
أسباب تحريم الحسد
فالله حرم الحسد ومنعه بين الناس لأن فيه:
1- سوء الظن بالله - سبحانه وتعالى -.
2- وفيه عدم ثقة بما قسم الله - سبحانه وتعالى - بين الناس.
3- وفي مقابل ذلك فإن الله حث الناس على التنافس وحثهم على محبة الخير لأنفسهم ولذويهم.
فالحسد هو: أن يكره الإنسان الخير لغيره ويتألم أن يرى الفضائل عند غيره.
الحسد ثلاث مراحل
المرحلة الأولى: التأمل في القلب عند كثير من الناس ويسمى الغبطة أو المنافسة وهي تعظيم الأمر عند صاحبه وتمني أن يكون لصاحبه هذه النعمة دون زوالها عن صاحبه.
المرحلة الثانية: وهي التي تكون فيها الخطورة وهو أن يتمنى الإنسان زوال النعمة عند الآخريين وهو حسد بغيض ولا ينجو منه أحد إلا بتدريب نفسه وتعويدها على الأخلاق الكريمة.
المرحلة الثالثة: هي أصعب المراحل لأنها تدخل الإنسان في دوامة لم يخرج منها سالما معافى ألا وهي أن يسعى في زوال النعمة عند الآخريين وهي أصعب مراحل الحسد، وهذه أخطر من الأمور التي يقع الإنسان وينشغل بها ويخسر الدنيا والدين، فلا بحسده ينال شيئا من أمر الدنيا، بل سينشغل عن الدنيا إذا كان من الذين يسعون لشيء من التحصيل منها ولا ينال عند الله شيئا من الثواب على حسده.
وكما هو معروف، الحسد باب من أبواب الوقوع في القبائح والجرائم وفي الكثير من الرذائل، ومن القصص التاريخية والحوادث تظهر لنا في النهاية كيف أن الحاسد يأكل نفسه أو يسئ لنفسه أو يقتل نفسه وتتنوع الآيات الكريمة والسنة في قضية الحسد وخطورته لتعالج هذه القضية في نفوس الناس، وفي قصة بني آدم أشار أول ما أشار إلى قصة بني آدم فقال - سبحانه وتعالى -: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك} [المائدة: 27]، فهذا الأخ وهو أول أخ على وجه الأرض لآدم وهذا الأخ لما رأى أن الله - سبحانه وتعالى - تقبل من أخيه دخل في نفسه ما دخل من الحسد فسعى ليشفي غليله بقتل شقيقه فكان الشقيق عاقلا فقال له: {لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك} [المائدة: 28]. ومع ذلك حمله الحسد على قتل أخيه الشقيق فكانت أول جريمة حصلت على وجه الأرض وذكرها القرآن الكريم وسببها الحسد.
قصة يوسف - عليه السلام -
وكذلك لما قص الله علينا قصة أخوة يوسف أخبر الله - تعالى -يعقوب - عليه السلام - بما علمه الله - تعالى -من النبوة إنه قال لابنه يوسف عندما قص عليه القصة قال: {قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا} [يوسف: 5]، فحذره ألا يظهر ما عنده من الرؤية المبشرة له بالملك والمنزلة العظيمة عند الله - سبحانه وتعالى - حتى لا يسعى إخوانه في الكيد له حسدا ليوسف - عليه السلام - وكذلك أخبرنا الله - سبحانه وتعالى - إن من الأمم وهم اليهود ممن يحسدون الناس على ما أتاهم من فضله فقال عز شأنه: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} [النساء: 54]. فلقد حسدوا ما خصه الله به هذه الأمة والنبي - صلى الله عليه وسلم - من البعثة فقد كانوا يرجون أن يكون النبي الخاتم منهم فلما جعله الله - سبحانه وتعالى - من بني إسماعيل حسدوا هذه الأمة لذلك فهؤلاء يحسدون أهل الإسلام منذ بعث الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإلى أن تقوم القيامة.
وكذلك في سنة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - حذرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: (دب إليكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء: لا إنها الحالقة، لا أقول أنها تحلق الشعر وإنما تحلق الدين)، وفي حديث آخر يقول - صلى الله عليه وسلم -: (لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسسوا)، وورد عنه - صلى الله عليه وسلم -: (إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)، وقال - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي لا ينطق عن الهوى: (ثلاثة لا ينجو منها أحد وقل من ينجو منها الظن والطيرة والحسد)، صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائد الأمة ومربيها على الخير والفضيلة.
أسباب الوقوع في الحسد
1- منها ابتعاد الناس عن تعاليم الدين:
وأصبحوا يخضعون لأهوائهم وشهواتهم ورغباتهم دون تحكيم الشرع لحياتهم ومن هذه الأسباب التي يقع فيها الحسد سبب رئيس ألا وهو: سوء الظن بالله - سبحانه وتعالى - وعدم حسن الظن بالله والثقة به والتوكل عليه، فهذا مما أورث الكثير عند الناس الحسد، فأصبح الناس ينظرون فيما أيدي بعضهم البعض فما أصبحوا يحسنون الظن بالله - تعالى -فإذا كان الله - سبحانه وتعالى - أعطى الإنسان هذه النعمة فلا شك إن الله أعطاني نعم أخرى كثيرة فإذا منع مني هذه النعمة فذلك لحكمة يعلمها الله - سبحانه وتعالى -. وكل ذلك يصب أن لو كان الناس يحسنون الظن بالله - سبحانه وتعالى - وبعيدين عن سوء الظن به فسيكونون أبعد ما يكونون عن الحسد.
2- مظاهر الدنيا:
مثل حب الرياسة والجاه والمنصب والسلطان وهي تقع في نفوس كل الناس وكل يسعى إليها ولكن في حدود طاقات الفرد وقدراته وفي حدود ما يجيز له الشرع أن يأخذ من الأسباب للوصول إلى تلك الأمور وما تعرف عليه الناس في هذا الشأن فإذا كان الإنسان طول حياته ينظر إلى من أنعم الله عليه هذه النعم نظرة حسد وغل وحقد فهذا فلا شك لن يفيد بشيء، بل سيدمر نفسه وحياته. والبعض يرى في النعمة مظاهر الكدر أكثر من مظاهر الفرح فقد يتضجر الإنسان من كثرة الأولاد وكثرة نفقاتهم ومصاريفهم وما يعلم لو أنه حرم من الرزق منهم لكان أكثر الناس كدرا ولكان أكثر الناس سعيا ليحقق هذه النعمة.
والإنسان دائما ينظر إلى نفسه من الجانب المظلم وينظر للآخرين الذين أنعم الله عليهم بالنعم نظرة مشرقة وقد تكون هذه النعم نوع من الابتلاء.
كيف يتم مواجهة هذا الداء الذي أصبح ينخر المجتمعات ويدمرها، وكيف التصدي له ومواجهته؟
1- من العلاجات القرآنية الحكيمة:
أن الله - سبحانه وتعالى - يوجه الناس بالتنافس فيما عنده عز شأنه، إذ إن هذه الدنيا مهما تنافس عليها الناس فهي قليلة وحقيرة جدا، لذلك لما ذكر الله - سبحانه وتعالى - الجنة فقال: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} [المطففين: 26]، أجعل نفسك تتطلع فيما عند الله من خير وما تراه في أيدي الناس قليل وزائل فتنافس على الباقي الذي عند الله - سبحانه وتعالى -، لذلك المؤمن عندما يرى الناس وما عندهم من النعم يتطلع إلى ما عند الله جل شأنه وهنا يقول الحسن البصري - رحمه الله -: (إذا رأيت من ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة فأجعل تعلق قلبك وحرصك على الباقي).
لذلك كثير من السلف رضوان الله عليهم أتتهم الدنيا التي يتنافس فيها الناس راغمة فلم يلتفتوا إليها قال الصديق - رضي الله عنه - أعطاه الله ما أعطاه من الدنيا فضحى بذلك في سبيل الله، وهذا الفاروق ملك ما ملك من مشارق الدنيا ومغاربها فكان يلبس اللباس البسيط ويتطلع إلى ما عند الله، ونقول للإنسان الذي يتطلع إلى ما في أيدي الناس فليطمع إلى ما عند الله من الخير الكثير والعظيم الذي جعله الله لعباده في الجنة، وكذلك نقول لمن يحسد الناس فقد أساء الأدب مع الله وأساء الظن في حكمته.
وهنالك أبيات تقول:
قل من بات لي حاسدا *** أتدري على من أسأت الأدب
على الله الذي لم ترض *** لي منه ما وهب
فالحاسد أساء الأدب لنفسه وبربه - سبحانه وتعالى -.
الأسباب والعلاجات التي يمكن أن يدفع بها الحسد
1- تجريد التوحيد إلى الله - سبحانه وتعالى - ويعتقد الإنسان أن لا راد لقضاء الله وهنا توجيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يريدك بخير فلا راد لفضله).
2- الإحسان إلى الحاسد وبإحسانك إلى من تظن أنه يحسدك أو في نفسه من الألم لما عندك من الفضائل بإحسانك إليه تدفع عن نفسك الحسد وعنه أن يقع في هذا المرض فيقول - جل وعلا -: {ادفع بالتي هي أحسن} [المؤمنون: 96]، فالإحسان إلى الناس وبالذات المقربين له ومن أهله لعله يدفع عنه حسدهم وأن يوقظهم من براثن هذا المرض.
3- العلاجات الشرعية كالمعوذات وأذكار الصباح والمساء تكون سببا لحفظ الإنسان.
4- ألا يظهر الإنسان ما عنده من النعمة لكل الناس فقد يظن بعض الناس إن أظهرت ما عندك من النعمة قد يحسدك فنبينا - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إذا رأى الإنسان الرؤية الحسنة فلا يخبر بها إلا من يحب)، فلا يخبر كل من يلقاه وإنما يخبر من يحبه حتى لا يحسده ويسعى في زوال ما عنده أو ما سيقع له من الخير.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد