ظلمات الظلم ( 1- 2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:

 فقد كثر في هذه الأزمنة ظلم العباد لأنفسهم بارتكاب الذنوب والمعاصي, وظلمهم لغيرهم بأكل أموالهم بالباطل, أو أكل لحومهم بألسنتهم قدحا وذما وسبا وقذفا وشتما وكذبا, وكذا ظلمهم لربهم شركا وكفرا ولكثرة الآثار السيئة دنيا وأخرى, لهذا الأمر فقد رغبت أن أكتب كلمات عن هذا الموضوع مذكرا نفسي وإخواني بخطورته فأقول مستعينا بالله - تعالى -:

الظلم هو: وضع الشيء في غير موضعه، والجور، ومجاوزة الحد (1).

قال ابن رجب - رحمه الله تعالى -: \" الظلم المطلق أخذ ما ليس له أخذه ولا شيء منه من مال أو دم أو عرض \"(2) ا. هـ

حكمه: فمحرم بالكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، والعقل.

قال - تعالى -: \"وَالَّذِينَ يُؤذُونَ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ بِغَيرِ مَا اكتَسَبُوا فَقَدِ احتَمَلُوا بُهتَاناً وَإِثماً مُبِيناً\" [الأحزاب: 58] قال الطبري - رحمه الله تعالى -: \" إن الذين يؤذون ربهم بمعصيتهم إياه وركوبهم ما حرم عليهم...(فَقَدِ احتَمَلُوا بُهتَاناً وَإِثماً مُبِيناً) يقول: فقد احتملوا زورا وكذبا وفرية شنيعة والبهتان أفحش الكذب \" ا.هـ التفسير 22/44 وقال ابن كثير - رحمه الله تعالى -:\" وقوله - تعالى -: (وَالَّذِينَ يُؤذُونَ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ بِغَيرِ مَا اكتَسَبُوا) أي ينسبون إليهم ما هم برآء منه لم يعملوه ولم يفعلوه (فَقَدِ احتَمَلُوا بُهتَاناً وَإِثماً مُبِيناً) وهذا هو البهت الكبير أن يحكي أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه على سبيل العيب والتنقص لهم, ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة بالله ورسوله, ثم الرافضة الذين ينتقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد برأهم الله منه ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم فالله - عز وجل - قد أخبر أنه قد رضي عن المهاجرين والأنصار ومدحهم, وهؤلاء الجهلة الأغبياء يسبونهم وينتقصونهم ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبدا, فهم في الحقيقة منكسو القلوب يذمون الممدوحين ويمدحون المذمومين \"(3)ا. هـ

ومن الآيات الدالة على تحريم الظلم قوله - تعالى -: بعد ذكره جملة من الأحكام (وَمَن يَفعَل ذَلِكَ عُدوَاناً وَظُلماً فَسَوفَ نُصلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً) (النساء: 30) أي ومن يفعل ما حرمته عليه من نكاح مَن حرمت نكاحه وتعدى حدوده وأكل أموال الأيتام ظلما وقتل النفس المحرم قتلها ظلما بغير حق, ومَن يأكل مال أخيه المسلم ظلما بغير طيب نفس منه فسوف نصليه نارا(4). قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -: \" ينهى الله- تبارك وتعالى - عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضا بالباطل أي بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية كأنواع الربا والقمار وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل وإن ظهرت في غالب الحكم الشرعي مما يعلم الله أن متعاطيها إنما يريد الحيلة على الربا.... ومَن يتعاطى ما نهاه الله عنه متعديا فيه ظالما في تعاطيه أي عالما بتحريمه متجاسرا على انتهاكه (فَسَوفَ نُصلِيهِ نَاراً) الآية, وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد فليحذر منه كل عاقل لبيب ممن ألقى السمع وهو شهيد \"(5) ا. هـ

وقال - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ يَأكُلُونَ أَموَالَ اليَتَامَى ظُلماً إِنَّمَا يَأكُلُونَ فِي بُطُونِهِم نَاراً وَسَيَصلَونَ سَعِيراً) (النساء: 10) قال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: \" وكل عمل يؤمر به فلا بد فيه من العدل فالعدل مأمور به في جميع الأعمال والظلم منهي عنه نهيا مطلقا, ولهذا جاءت أفضل الشرائع والمناهج بتحقيق هذا كله وتكميله فأوجب الله العدل لكل أحد على كل أحد في كل حال \"(6)ا. هـ

وعلى كل حال فهناك آيات كثيرة قاضية بتحريم الظلم جملة وتفصيلا وسيأتي قريبا جملة من الأحاديث النبوية المتضمنة تحريمه, وقد أجمع العلماء سلفا وخلفا على تحريمه.

الظلم ظلمات يوم القيامة يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: \" اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة \" (7)

وقد عدَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمور التي يتظالم فيها الناس فقال - عليه الصلاة والسلام -: (إن دِمَاءَكُم وَأَموَالَكُم وَأَعرَاضَكُم وَأَبشَارَكُم عَلَيكُم حَرَامٌ كَحُرمَةِ يَومِكُم هذا في شَهرِكُم هذا في بَلَدِكُم هذا) (8) وقال - صلى الله عليه وسلم - :(لَا تَحَاسَدُوا ولا تَنَاجَشُوا ولا تَبَاغَضُوا ولا تَدَابَرُوا ولا يَبِع بَعضُكُم على بَيعِ بَعضٍ, وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخوَانًا المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لَا يَظلِمُهُ ولا يَخذُلُهُ ولا يَحقِرُهُ التَّقوَى ها هنا - وَيُشِيرُ إلى صَدرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ, - بِحَسبِ امرِئٍ, من الشَّرِّ أَن يَحقِرَ أَخَاهُ المُسلِمَ كُلٌّ المُسلِمِ على المُسلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرضُهُ) (9) قال ابن رجب - رحمه الله تعالى -: \" فإذا كان المؤمنون إخوة أُمروا فيما بينهم بما يوجب تآلف القلوب واجتماعها ونهوا عما يوجب تنافر القلوب واختلافها \"(10). ا. هـ وقال - رحمه الله تعالى -:\" فتضمنت هذه النصوص كلها أن المسلم لا يحل إيصالُ الأذى إليه بوجه من الوجوه مِن قول أو فعل بغير حق \"(11) ا. هـ

وقال النووي - رحمه الله تعالى -: \" قال العلماء الخذل ترك الإعانة والنصر ومعناه إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه ولم يكن له عذر شرعي ولا يحقره.. لا يحتقره فلا ينكر عليه ولا يستصغره \" (12)ا. هـ

الاستعاذة بالله من الظلم

فقد كان من أدعية النبي - صلى الله عليه وسلم - الاستعاذة بالله من الظلم فعن أبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من الفَقرِ وَالقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَأَعُوذُ بِكَ من أَن أَظلِمَ أو أُظلَمَ) (13). وقد جاء ذلك بصيغة الأمر فعن أبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:(تَعَوَّذُوا بالله مِنَ الفَقرِ وَالقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ وأن تَظلِمَ أو تُظلَمَ) (14) قال ابن رجب - رحمه الله تعالى -: \" فمن سلم من ظلم غيره وسلم الناس من ظلمه فقد عوفي، وعوفي الناس منه وكان بعض السلف يدعو: اللهم سلمني وسلم مني \" (15)ا. هـ بل جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الاستعاذة بالله من الظلم من الورد اليومي, فعن زَيدِ بن ثَابِتٍ, - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَهُ دُعَاءً وَأَمَرَهُ أَن يَتَعَاهَدَ بِهِ أَهلَهُ كُلَّ يَومٍ, قال: (قُل كُلَّ يَومٍ, حين تُصبِحُ لَبَّيكَ اللهم لَبَّيكَ وَسَعدَيكَ وَالخَيرُ في يَدَيكَ وَمِنكَ وَبِكَ - وفيه-أعوذ بِكَ اللهم أَن أَظلِمَ أو أُظلَمَ أو أعتدي أو يُعتَدَى علي أو أكتسب خَطِيئَةً مُحبِطَةً أو ذَنباً لاَ يُغفَرُ) (16) بل أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاستعاذة بالله من الظلم كلما خرج المرء من بيته وما أكثر ما يخرج الإنسان من بيته فعن أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خَرَجَ من بَيتِهِ قال: (بِسمِ اللَّهِ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ من أَن أَزِلَّ أو أَضِلَّ أو أَظلِمَ أو أُظلَمَ أو أَجهَلَ أو يُجهَلَ عَلَيَّ) (17) فالحث على هذا الدعاء فيه إشعار ببيان خطورة الظلم بأنواعه لذا تأكد الاستعاذة بالله منه كلما خرج من بيته لأن الخروج من البيت مظنة الظلم بسبب كثرة الاختلاط بالناس على اختلاف مشاربهم وتعدد أهوائهم قال الطيبي - رحمه الله تعالى -: \" إن الإنسان إذا خرج من منزله لا بد أن يعاشر الناس ويزاول الأمر فيخاف أن يعدل عن الصراط المستقيم فإما أن يكون في أمر الدين فلا يخلو من أن يَضل أو يُضل وإما أن يكون في أمر الدنيا فإما بسبب جريان المعاملة معهم بأن يَظلم أو يُظلم وإما بسبب الاختلاط والمصاحبة فإما أن يَجهل أو يُجهل فاستعيذ من هذه الأحوال كلها بلفظ سلسل موجز وروعي المطابقة المعنوية والمشاكلة اللفظية \" ا. هـ(18) وقال المناوي - رحمه الله تعالى -: \" أي أفعل بالناس فعل الجهال من الإيذاء والإضلال ويحتمل أن يراد بقوله أجهل أو يجهل علي الحال الذي كانت العرب عليها قبل الإسلام من الجهل بالشرائع والتفاخر بالأنساب والتعاظم بالأحساب والكبرياء والبغي ونحوها.. \" (19) ا. هـ

نزه - تعالى - نفسه عن الظلم في آيات كثيرة

قال - تعالى -: (تِلكَ آَيَاتُ اللهِ نَتلُوهَا عَلَيكَ بِالحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلمًا لِلعَالَمِينَ) (آل عمران: 108) وقال - تعالى -: (إِنَّ اللهَ لَا يَظلِمُ مِثقَالَ ذَرَّةٍ, وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفهَا وَيُؤتِ مِن لَدُنهُ أَجرًا عَظِيمًا) (النساء: 40) وقال - تعالى -:(وَلا يَظلِمُ رَبٌّكَ أَحَداً)(الكهف: 49) وقال - تعالى -: (وَمَن يَعمَل مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلمًا وَلَا هَضمًا) (طه: 112) قال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: \" قيل: الظلم أن يحمل عليه سيئات غيره والهضم أن ينقص من حسنات نفسه \" (20)ا. هـ وقال - تعالى -: (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلمًا لِلعِبَادِ) (غافر: 31) وقال - تعالى -: (مَا يُبَدَّلُ القَولُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ, لِلعَبِيدِ) (ق: 29) وفي الحديث القدسي قال - تعالى -: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا) (21) قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: \" الصواب الذي دلت عليه النصوص أن الظلم الذي حرمه الله على نفسه وتنزه عنه فعلا وإرادة هو ما فسره به سلف الأمة وأئمتها أنه لا يحمل المرء سيئات غيره ولا يعذب بما لم تكسب يداه ولم يكن سعى فيه، ولا ينقص من حسناته فلا يجازى بها أو ببعضها إذا قارنها أو طرأ عليها ما يقتضي إبطالها أو اقتصاص المظلومين منها وهذا الظلم الذي نفى الله - تعالى - خوفه عن العبد بقوله: (وَمَن يَعمَل مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلمًا وَلَا هَضمًا) قال السلف والمفسرون: لا يخاف أن يحمل عليه من سيئات غيره ولا ينقص من حسناته ما يتحمل فهذا هو العقول من الظلم ومن عدم خوفه \"(22) ا. هـ.

الظلم محرم ولو كان شيئا يسيرا قال - عليه الصلاة والسلام -: (مَن اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة) فقال رجل: وإن كان شيئا يسيرا؟ فقال: (وإن قضيبا من أراك) (23) قال الزرقاني - رحمه الله تعالى -: \" لئلا يتهاون بالشيء اليسير ولا فرق بين قليل الحق وكثيره في التحريم أما في الإثم فالظاهر أنه ليس من اقتطع القناطير المقنطرة من الذهب والفضة كمن اقتطع الدرهم والدرهمين وهذا خرج مخرج المبالغة في المنع وتعظيم الأمر وتهويله \"(24) ا. هـ.

 

أنواع الظلم:

الظلم ثلاثة أنواع: 1/ ظلم العبد نفسه بالشرك. 2/ ظلم العبد نفسه فيما بينه وبين الله. 3/ ظلم العبد لغيره من العباد. عن عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قالت: قال رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (الدَّوَاوِينُ عِندَ اللَّهِ - عز وجل - ثَلاَثَةٌ دِيوَانٌ لاَ يَعبَأُ الله بِهِ شَيئاً, وَدِيوَانٌ لاَ يَترُكُ الله منه شَيئاً, وَدِيوَانٌ لاَ يَغفِرُهُ الله, فَأَمَّا الدِّيوَانُ الذي لاَ يَغفِرُهُ الله فَالشِّركُ بِاللَّهِ قال الله - عز وجل -: {إنه من يُشرِك بِاللَّهِ فَقَد حَرَّمَ الله عليه الجَنَّةَ}, وَأَمَّا الدِّيوَانُ الذي لاَ يَعبَأُ الله بِهِ شَيئاً فَظُلمُ العَبدِ نَفسَهُ فِيمَا بَينَهُ وَبَينَ رَبِّهِ من صَومِ يَومٍ, تَرَكَهُ أو صَلاَةٍ, تَرَكَهَا, فإن اللَّهَ - عز وجل - يَغفِرُ ذلك وَيَتَجَاوَزُ إن شَاءَ, وَأَمَّا الدِّيوَانُ الذي لاَ يَترُكُ الله منه شَيئاً فَظُلمُ العِبَادِ بَعضِهِم بَعضاً القِصَاصُ لاَ مَحَالَةَ) (25) قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -: \" فالظلم ثلاثة أنواع فالظلم الذي هو شرك لا شفاعة فيه، وظلم الناس بعضهم بعضا لابد فيه من إعطاء المظلوم حقه لا يسقط حق المظلوم لا بشفاعة ولا غيرها ولكن قد يعطى المظلوم من الظالم كما قد يغفر لظالم نفسه بالشفاعة فالظالم المطلق ما له من شفيع مطاع, وأما الموحد فلم يكن ظالما مطلقا بل هو موحد مع ظلمه لنفسه وهذا إنما نفعه في الحقيقة إخلاصه لله فبه صار من أهل الشفاعة \"(26)ا. هـ.

وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: \" ظلم العبد نفسه بينه وبين ربه - عز وجل - فإن هذا الديوان أخف الدواوين وأسرعها محوا فإنه يمحى بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية والمصائب المكفِّرة ونحو ذلك بخلاف ديوان الشرك فإنه لا يمحى إلا بالتوحيد, وديوان المظالم لا يمحى إلا بالخروج منها إلى أربابها واستحلالهم منها, ولما كان الشرك أعظم الدواوين الثلاثة عند الله - عز وجل - حرَّم الجنة على أهله فلا تدخل الجنةَ نفسٌ مشركة وإنما يدخلها أهل التوحيد, فإن التوحيد هو مفتاح بابها فمن لم يكن معه مفتاح لم يفتح له بابها, وكذلك إن أتى بمفتاح لا أسنان له لم يمكن الفتح به \" ا. هـ(27)وقال - رحمه الله تعالى -: \" وأما حديث الدواوين فإنما فيه أن حق الرب - تعالى - لا يؤوده أن يهبه ويسقطه ولا يحتفل به ويعتني به كحقوق عباده وليس معناه أنه لا يؤاخذ به البتة أو أنه كله صغائر وإنما معناه أنه يقع فيه من المسامحة والمساهلة والإسقاط والهبة ما لا يقع مثله في حقوق الآدميين \"(28)ا. هـ

 

صور الظلم:

عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسم قال: (المسلم مَن سلم المسلمون مِن لسانه ويده) (29), وقد رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بلفظ (المسلم مَن سلم المسلمون مِن لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم) (30) قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -: \" ففسَّر المسلم بأمر ظاهر وهو سلامة الناس منه وفسَّر المؤمن بأمر باطن وهو أن يأمنوه على دمائهم وأموالهم وهذه الصفة أعلى من تلك فإن من كان مأمونا سلم الناس منه وليس كل من سلموا منه يكون مأمونا فقد يترك أذاهم وهم لا يأمنون إليه خوفا أن يكون ترك أذاهم لرغبة ورهبة لا لإيمان في قلبه \"ا. هـ(31)

فالظلم لا يخرج عن صورتين:

1/ ظلم باللسان: كالسب والشتم, والغيبة, والنميمة, والسخرية, والقذف, وشهادة الزور.

2/ ظلم بالفعل: كالقتل, والضرب, والسرقة, وأكل الربا, والزنا, واللواط, والتجسس, وأكل أموال الناس بالباطل وتتبع العورات وعدم تسليم العمال والخدم رواتبهم ومستحقاتهم، وتجاوز الحدود في العقارات وخيانة الأمانة وغيرها. وقد ورد ذكرهما في الحديث السابق وفي قوله - عليه الصلاة والسلام -: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) (32) فالسباب صورة من صور الظلم ويكون باللسان أما القتل فصورة أخرى للظلم ويكون فعلا.

أشد صور ظلم المخلوقين القتل: قال - تعالى -: (وَمَن يَقتُل مُؤمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء: 93) وقال - عليه الصلاة والسلام - : (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا مَن مات مشركا أو مؤمن قتل مؤمنا تعمدا) (33) وقال - عليه الصلاة والسلام -: (لا يزال المؤمن في فسحة مِن دينه ما لم يصب دما حراما) (34) وقال - عليه الصلاة والسلام -: (مَن أَشَارَ إلى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ, فإن المَلَائِكَةَ تَلعَنُهُ حتى يَدَعَهُ وَإِن كان أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ) (35).

وقال - عليه الصلاة والسلام -: (مَن قَتَلَ مُعَاهَدًا لم يَرِح رَائِحَةَ الجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ من مَسِيرَةِ أَربَعِينَ عَامًا) (36).

قال - عليه الصلاة والسلام -: (اجتَنِبُوا السَّبعَ المُوبِقَاتِ) قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ وما هُنَّ؟ قال: (الشِّركُ بِاللَّهِ وَالسِّحرُ وَقَتلُ النَّفسِ التي حَرَّمَ الله إلا بِالحَقِّ وَأَكلُ الرِّبَا وَأَكلُ مَالِ اليَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يوم الزَّحفِ وَقَذفُ المُحصَنَاتِ المُؤمِنَاتِ الغَافِلَاتِ) (37).

وقال - عليه الصلاة والسلام -: (مَن أَخَذَ من الأرض شيئا بِغَيرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يوم القِيَامَةِ إلى سَبعِ أَرَضِينَ) (38).

 

----------------------------------------

(1) عون المعبود 4/ 282 منهاج السنة 1/139 مرقاة المفاتيح 5/234

(2) شرح حديث لبيك /103وانظر مفتاح دار السعادة 2/107

(3) تفسير ابن كثير 3/519

(4) انظر تفسير الطبري 5/36

(5) تفسير ابن كثير 1/480

(6) الرد على المنطقيين 1/425

(7) رواه مسلم (2578) من حديث جابر - رضي الله عنه -.

(8) رواه البخاري (6667) ومسلم (1679) من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه -.

(9) رواه مسلم (2564) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

(10) جامع العلوم والحكم 1/332.

(11) جامع العلوم والحكم 1/336

(12) شرح مسلم 16/120

(13) رواه أحمد (8039) أبو داود (1544) والنسائي (5460) وصححه ابن حبان (1030) والحاكم1/725

(14) رواه أحمد (10986) والنسائي(5461) وصححه ابن حبان(1003) والحاكم1/713

(15) شرح حديث لبيك /102

(16) رواه أحمد (21710) والطبراني في المعجم الكبير (4932) وفي الدعاء (320) قال الهيثمي \" رواه أحمد والطبراني وأحد إسنادي الطبراني رجاله وثقوا \" ا. هـ مجمع الزوائد 10/113

(17) رواه أحمد (26747) والنسائي (5486) وصححه النووي في الرياض رقم (82)

(18) مرقاة المفاتيح 5/354

(19) فيض القدير 5/123

(20) التحفة العراقية/78 مفتاح دار السعادة 2/107

(21) رواه مسلم (2577) من حديث أبي ذر - رضي الله عنه -.

(22) مفتاح دار السعادة 2/108

(23) رواه مسلم (137) من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه -.

(24) شرح الزرقاني 4/5

(25) رواه أحمد (26073) والحاكم 4/619 وصححه قال العراقي - رحمه الله تعالى -\" أحمد والحاكم وصححه من حديث عائشة وفيه صدقة بن موسى الدقيقي ضعفه ابن معين وغيره \" ا. هـ المغني عن حمل الأسفار 2/987

(26) مجموع الفتاوى 7/78

(27) الوابل الصيب /33

(28) مدارج السالكين 1/327

(29) رواه البخاري (10) ومسلم(40).

(30) رواه أحمد (8918) والنسائي (4995) وصححه ابن حبان (180)

(31) الفتاوى 7/264

(32) رواه البخاري (48) ومسلم (64) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.

(33) رواه أحمد (16953) والنسائي في الكبرى(3446) من حديث معاوية - رضي الله عنه - وأبو داود(4270) والنسائي في الكبرى (15639) وابن حبان (5980) من حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - وصححهما الحاكم 4/391.

(34) رواه البخاري(6469) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.

(35) رواه مسلم (2616) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

(36) رواه البخاري (2995) من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -.

(37) رواه البخاري (2615) ومسلم (89) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

(38) رواه البخاري (2322) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply