لا شؤم في صفر


 
 
إن من التشاؤم والتطير ما كان يعتقده أهل الجاهلية في شهر صفر أنه شهر مشؤوم، فيمتنعون فيه عن مزاولة الأعمال المباحة التي كانوا يزاولونها في غيره، فأبطل ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر ) رواه البخاري ومسلم، وهو نفي لما يعتقده أهل الجاهلية حول هذا الشهر، وبيان بأنه لا تأثير له، وإنما هو كسائر الأوقات التي جعلها الله فرصة للأعمال النافعة، كما كان أهل الجاهلية يتشاءمون بشهر شوال فلا يتزوجون فيه، وقد أبطل الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا الاعتقاد فتزوج عائشة - رضي الله عنها - في شوال، وكذلك أم سلمة.

وهذا الاعتقاد الجاهلي لا يزال في بعض الناس إلى اليوم، فمنهم من يتشاءم ببعض الأيام كيوم الأربعاء، أو يوم السبت، أو غيره من الأيام، فلا يتزوجون في هذه الأيام، ويعتقدون أو يظنون أن الزواج فيها لا يوفق، وقد قال بعض هؤلاء الجهال:

ذكر بعض العارفين أنه ينزل في كل سنة ثلاثمائة وعشرون ألفاً من البليات، وكل ذلك في يوم الأربعاء الأخير من صفر، فيكون ذلك اليوم أصعب أيام السنة كلها، فمن صلى في ذلك اليوم أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وسورة الكوثر سبع عشر مرة والإخلاص خمسة عشر مرة والمعوذتين مرة ويدعو بعد السلام بهذا الدعاء، حفظه الله من جميع البليات التي تنزل في ذلك اليوم، ولم تحم حوله بلية في تلك السنة (ثمَّ ذكر الدعاء)!!

إن الخير والشر، والنعم والمصائب كلها بقضاء الله وقدره ((قل كلٌ من عند الله )) فهو الذي يخلق ما يشاء ويختار، وما يصيب العباد من الشرور والعقوبات فإن الله قدره عليهم بسبب ذنوبهم ومعاصيهم، ((وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم )) وهذا لا ينافي أن يجعل الله بعض مخلوقاته سبباً للخير أو الشر، ولكن ليست الأسباب هي التي تحدث هذه الأمور، وإنما ذلك راجع إلى مسبب الأسباب وهو الله - سبحانه وتعالى -، ومطلوب من العبد أن يتعاطى أسباب الخير، ويتجنب أسباب الشر قال تعالى: ((ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين )).

قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: وأما تخصيص الشؤم بزمان دون زمان كشهر صفر أو غيره فغير صحيح، وإنما الزمان كله خلق الله - تعالى-، وفيه تقع أفعال بني آدم، فكل زمان شغله المؤمن بطاعة الله فهو زمان مبارك عليه، وكل زمان شغله العبد بمعصية الله فهو شؤم عليه، فالشؤم في الحقيقة هو معصية الله - تعالى-، فالمعاصي والذنوب تسخط الله - عز وجل - وإذا سخط الله على عبده شقي في الدنيا والآخرة، والعاصي شؤم على نفسه وعلى غيره، فإنه لا يأمن من أن ينزل عليه عذاب فيعم الناس خصوصاً من لم ينكر عليه عمله، فالبعد عنه متعين، وكذلك أماكن المعاصي يتعين البعد عنها، والهرب منها خشية نزول العذاب، كما قال - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه لما مر على ديار ثمود بالحجر: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين خشية أن يصيبكم ما أصابهم )، فهجر أماكن المعاصي، وهجران العصاةº من جملة الهجرة المأمور بها، فإن المهاجر من هجر ما نهى الله عنه.

قال إبراهيم ابن أدهم - رحمه الله -: من أراد التوبة فليخرج من المظالم، ويدع مخالطة من كان يخالطه (يعني من العصاة)، وإلا لن ينال ما يريد.

فاحذروا الذنوب فإنها مشؤومة، وعقوبتها أليمة، والأماكن والبقاع في الأصل طاهرة نقية ولكن ذنوب العباد تدنسها وتفسدها بشؤمها، والأزمنة أوقات العمل الخيِّر ولكن العبد بفعله يدنسها بالشر:

نعيب زماننا والعيب فينا              وما لزماننا عيب سوانا

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply