حين يعهد إنسان إلى آخر بسرٍ, ويأتمنه عليه، ثم يقوم الأخير بإفشائه فقد خان الأمانة.
وإذا أودع إنسانٌ آخر وديعة على سبيل الأمانة فأهملها، أو لم يحفظها فقد خان الأمانة.
وإذا عاهد إنسان آخر عهدًا فنقضه فقد خان الأمانة، وإذا عصى الإنسانُ ربه فقد خان الأمانة.
هذه كلها صور من صور الخيانة، وذلك الخلق الرذيل، الذي يدل على ضعف الإيمان، ووضاعة النفس.
والخيانة من كبائر الذنوب، بل هي من النفاق العملي: ((آية المنافق ثلاث، إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان)).
والخائن بغيض إلى الله بغيض إلى الناس، قال - تعالى -: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبٌّ كُلَّ خَوَّانٍ, كَفُورٍ,)(الحج: 38).
الخائن يعرض نفسه لهتك ستره وافتضاح أمره، فهو لا يستحق أن يدافع عنه أحد أو يجادل عنه، قال - تعالى -: (وَلا تَكُن لِلخَائِنِينَ خَصِيماً)(النساء: 105).
وإذا أخفى الخائن عن الناس خيانته وغدره، ووجد في الدنيا من يجادل عنه، فكيف يكون حاله وموقفه يوم تبلى السرائر، قال - تعالى -: (هَاأَنتُم هَؤُلاءِ جَادَلتُم عَنهُم فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنهُم يَومَ القِيَامَةِ أَم مَن يَكُونُ عَلَيهِم وَكِيلاً) (النساء:109).
ولو علم الخائن أن سعيه وكيده إلى بوار لارتدع، قال - تعالى -: (وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهدِي كَيدَ الخَائِنِينَ)(يوسف: 52).
وحين يؤتمن الخائن، ويخوَّن الأمين، فقد أتى على الناس السنون الخداعة التي حذر منها الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((سيأتي على الناس سنون يُصدق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويخوَّن الأمين، ويؤتمن الخائن، وينطق فيها الرويبضة)) قيل: يا رسول الله، وما الرويبضة؟ قال: ((السفيه يتكلم في أمر العامة)).
ولأن الخيانة داء عضال، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ بالله منه: ((... وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئس البطانة)).
ومن من عبد يخون إلا أوقف يوم القيامة ورفعت راية على إسته فيقال: هذه غدرة فلان، فأي فضيحة أعظم من هذه؟ž
ومن أعظم صور الخيانة أن تنشغل الأمة بجهاد أعدائها، ويخرج المجاهدون لإعلاء كلمة الله في أرضه، تاركين أهليهم وأولادهم، ثم يأتي خائن حقير فيخون المجاهد في أهلهº إذ لو كان رجلاً لاستشعر مسؤوليته تجاه أبناء المجاهدين ونسائهم، وأنه بالنسبة لهم الأخ المواسي، خاصة حال غياب المجاهد الذي يدفع الله به الشر عن البلاد والعباد، ومنهم ذلك الذي انتهز فرصة الغياب ليخون، فكيف به إذا أوقفه الله يوم القيامة فجاء المجاهد فأخذ من عمله حتى لا يُبقي له شيئـًا.
ومن صور الخيانة أن يستشير الرجل أخاه فيشير عليه بغير الصواب، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((... ومن استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشدٍ, فقد خانه))، فالمستشار مؤتمن، فإن أشار بخلاف ما يرى أنه الأصلح فقد خان.
ومن صور الخيانة أن يوسَّد الأمر إلى غير أهله، فلا يكون المعيار كفاءة الرجال، وإنما القرابة أو المحبة أو غيرها.
وإذا سادت المجتمعات الإسلامية هذه الآفة فقد ضُيعت الأمانة، وعندها تقترب الساعة، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((فإذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة)) قيل: كيف إضاعتها؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا وسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة))(رواه البخاري).
ومن صور الخيانة أن يسير الوالي في رعيته بغير هديً من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وألا يحرص على مصالحهم في دينهم ودنياهم، ومثل هذا يحرم الله عليه الجنة، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من عبد يستر عليه الله رعيته، يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)).
ولو نظرنا إلى الشرع المطهر لوجدنا أنه زجر عن هذا الخلق، ولو من باب رد الفعل: ((أدِ الأمانة لمن ائتمنك، ولا تخن من خانك)).(رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد