الكذب عند الأطفال.. أسبابه وعلاجه


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 
تعاني الخلية التي يتكون المجتمع - أي مجتمع - وهي الأسرة من مشاكل وعقبات في سير العملية التربوية ككل، والأسرة المسلمة معنية قبل غيرها من الأسر في التعرف على المشاكل التربوية، ثم البحث عن الوسائل الناجحة لحلها، فالعملية التربوية واحدة من أهم الضوابط لنهوض الأمم أو انحطاطها، والكذب أحد أهم المشاكل التي تنغص بل تكاد تجهض العملية التربوية، والرأي السائد في تحليل هذه المشكلة أنها مشكلة مكتسبة لا موروثة، ولأهمية مشكلة الكذب فإنه من واجب أي أسرة أن تتحرى أسباب الكذب عند أبنائها لمعالجة هذه الأسباب ووضع الحلول المناسبة لها، ومن أسباب الكذب ما يلي:

1- الخوف من غضب الأهل سواء الأب أو الأم، وغضب الأهل له أسبابه التي في غالبها تكن غير مسوغة، ومنها على سبيل الميال:

ضغوط العمل خارج المنزل تجعل من الأب شخصية متوترة سريعة الانفعال، وقد لا يتمكن هذا الأب من تفريغ شحناته الانفعالية تجاه من يتعامل معهم في العمل، فيأتي إلى البيت وهو على أعلى درجة من الجاهزية لإفراغ شحناتة الانفعالية في بيته.

وتلافياً لإفراغ هذه الشحنات على الأولاد لأتفه الأسباب، يضطر الأولاد إلى الكذب على أهاليهم في أمور لم يكونوا ليكذبوا فيها لو كانت الأمور تسير في مسارها الطبيعي.

2- الكذب للفت الانتباه، وذلك عندما يعاني الطفل من عطش عاطفي في أسرة يكون الأب فيها – دائماً - مشغولاً عن ابنه أو أبنائه في طلب الرزق، فإن الآباء لا يملكون الوقت الكافي للجلوس مع أبنائهم، والاستماع إليهم، والمسح على رؤوسهم ومداعبتهم، الأمر الذي يشعر الطفل بأنه كائن مهمل، وحتى لا يكون كذلك فإنه كثيراً ما يغتنم أي فرصة لأن يتحدث مع أهله ويكون حديثه في الغالب عن بطولات وهمية قد يضحك الأب أو الأم منها، وهي في الحقيقة القاعدة الأولى لبناء نفس قد تتعود لاحقاً على الكذب.

إن أبناءنا كما يحتاجون منا أن نؤمن لهم اللقمة في حال صحتهم، والدواء في حال مرضهم، واللباس في حال عريهم، يحتاجون منا وبشكل موازٍ, تماماً أن نعطيهم من الحنان، والحب، والعطف، والحريةº ما يجعل نفوسهم تتفتح تفتحاً سوياً.

وهذا ليس بمعزل عن التوجيه، والإرشاد، والبيان للقيم التربوية المعبرة عندنا كمسلمين.

3- الكذب لإخفاء ما يعتقده الطفل نقصاً، كأن يكذب الفقير ليخفي فقره ويظهر بمظهر الغني، فيحدث أصحابه الصغار أن أباه اشترى سيارة فخمة، واشترى له ألعاباً كثيرة، وواقع الحال مغاير لما يقوله هذا الصغير بالكلية، ولكنه ربما أرضى نفسه بهذا النوع من الكذب نتيجة ردات الفعل الساخطة التي يسمعها داخل البيت من أبيه الفقير على أهل الغنى، وربما كان ذلك تحقيقاً خيالياً لطموح الصغير أو طموح أهله، ومثل ذلك الذي يشعر أنه من عائلة ذات نسب متدنٍ,، فإنه قد يكذب وينسب نفسه إلى عائلات ذات نسب أعلى ليخفي أيضاً ما يعتقده أنه قصور أو عيب في انتمائه لذلك النسب المتواضع.

4- الكذب للحصول على الحنان، وخصوصاً على الأم، فقد يكذب الطفل الذي يفتقد للحنان عموماً ولحنان الأم خصوصاً استدراراً للحنان لأن أمه مشغولة عنه بعمل البيت، أو خارج البيت، أو بعمل دعوي حيث تعطي الأباعد، وتحرم الأقارب، ولا نعمل على التوازن بين متطلبات الدعوة ومتطلبات أسرتها، فينشأ الطفل - ذكراً أم أنثى - وهو يعاني من افتقار للحنان، مما يدفعه إلى استجداء هذا الحنان بادعاء المرض مثلاً حتى يتسنى له النوم في حضن أمه، في حين أن الاستراحة في حضن الأم حقٌ طبيعي له كحقه في الرضاعة عندما كان صغيراً.

لذا فلا ينبغي أبداً أن نجعل أبناءنا يستجدون عطفنا بحجة كثرة مشاغلنا.

5- الكذب بسبب عدم ضبط تخيلات الأطفال، فكل الأولاد يخلطون في أحاديثهم بين أجزاء من الحقيقة وأجزاء يضيفونها من مخيلاتهم ليظهروا وكأنهم محور الاهتمام في الحدث الذي يتكلمون عنه، فإذا ما صدقناهم بشكل مطلق، وربتنا على أكتافهم في كل قصة يقولونها فإننا نكون قد ساهمنا في امتطائهم سلم الكذب الذي قد يصعب عليهم الرجوع عنه لاحقاً، لذا ينبغي أن نسمع باهتمام، ونقيم باهتمامº كل أحاديث أبنائنا، وننبه إلى الأماكن التي نعتقد أن الطفل تجاوز فيها حد الحقيقة، بشكل مباشر أو غير مباشر يعيد الطفل إلى المنطق المعقول، مع تحاشي اتهامه بالكذب، إنما التنبيه يكون بأن نقول له لعلك نسيت، أو لعلك وهمت، أو لعل الأمر اختلط عليك بين حدث وحدث، حتى يشعر بأننا مهتمون لحديثه، ولكننا أيضاً مميزون لما يقوله صدقاً مما هو مبالغة.

6- الكذب بالتعلم من الأهل، وذلك عندما يسوغ الأب لنفسه ممارسة بعض أنواع الكذب، وتسوغ الأم لنفسها ممارسة أنواع أخرى من الكذب، والطفل يرى في البيت كذب أبيه وكذب أمه، فما المانع بعدئذ من الكذب.

فمثلاً عندما يرن جرس الهاتف ويرد الطفل على الهاتف وإذا بالجهة الأخرى من الخط رجل يسأل عن أبيه، فيشير الأب برأسه إلى الطفل بالنفي، أي \"قل له أني لست موجوداً\"، وعندما تأتي جارتي التي تريد أن تعد غداءً لضيوفها، وقد احتاجت إلى بعض أدوات المطبخ الموجودة عندي، فأقسم لها أمام بناتي أني لا أملك ما تريد، وبناتي يعلمن أنني كاذبة، فما هي النتيجة المترتبة على ذلك، النتيجة هي أننا نعطي أولادنا دروساً ابتدائية في الكذب، فكيف نطلب منهم بعد ذلك أن يكونوا صادقين معنا، إنهم عندما يكبرون سنكون أول المستهدفين من كذبهم، وسنكون قبل ذلك ممن وصفهم الله بقوله: ((يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون ))، وللمدرسة دور في تعليم أبنائنا الكذب، إن الأولاد وخصوصاً في سنوات الدراسة الثلاث الأولى ينظرون إلى المعلم أو المعلمة على أنهما القدوة في كل شيء، وربما كان لكلامهم أو سلوكهم مكانة في نفس الطفل تربو على ما يقوله الأب أو الأم، فعندما يمارس هؤلاء المربون سلوكيات خاطئة، لا بد أن تترك أثرها في نفس ذلك الطفل البريء، ومن ذلك عندما تغلق المعلمة باب فصلها ثم تمارس داخل الفصل عملاً خاصاً بها، وتجبر الصغار على السكوت دون أن تعطيهم درساً تكون قد علمتهم على الكذب، وعندما يأتي المعلم إلى الفصل الدراسي مرهقاً لأنه يعمل ليل نهار خلف قوت عياله، فإذا دخل الفصل أغلق الباب، وزعم أن الصداع يكاد يفجر رأسه، فعلى الأولاد السكوت حتى ينام 40 دقيقة داخل الفصل الدراسي، جسمه على الكرسي، ورأسه على المنضدة بحجة الصداع، فما هي القيمة التربوية والسلوكية التي يكون قد زرعها ذلك المعلم في نفوس الطلبة إنها كذبة كبرى.

أما دور وسائل الإعلام في الكذب فحدث ولا حرج خصوصاً ذلك الجهاز (التلفاز)، فمن خلال ما يعرضه من مسلسلات لمعالجة حالات اجتماعية من وجهة نظر أرباب الإعلام فإنه يعلم أبناءنا الكذب من حيث تعليمهم الفائدة، فعرض صورة الموظف الذي يبرر تأخره عن العمل يومياً بقصص كاذبة تجعل الأطفال يكتسبون بعضاً من هذه القصص، وتأخر الفتاة عن بيت أهلها في قصة أخرى وهي تختلق كل يوم مبرراً تكذب فيه على أهلها يجعل أطفالنا يتعلمون بعضاً من هذه المبررات الكاذبة.

لذا يجب أن نكون جد حذرين عند جلوس أبنائنا أمام التلفاز، ويجب أن يكون دورنا دور المعلق على كل حدث سلباً أو إيجاباً.

وللكذب أنواع نأخذ أهمها بل أغلبها.

أنواع الكذب:

1- منه الكذب الخيالي: ويكون عادة لدى الأطفال الذين لديهم خصوبة ونشاط في الخيال، وطلاقة في اللسان، وحسن في التعبير، وعادة ما يكون هذا الخيال انعكاساً لمستوى عال من الذكاء، وبالتالي فالكذب الخيالي يبقى مقبولاً نوعاً ما إلى سن الخامسة، وتصبح المعالجة ضرورية بعد ذلك.

2- الكذب الالتباسي: وهو أن لا يفرق الطفل بين الخيال والواقع، فقد يسمع قصة خرافية أو واقعية ويعجب بها، ثم يأتي في اليوم التالي ويتحدث عنها وكأنها حصلت معه، ولا يكون الكذب الالتباسي مقبولاً إلا في سن ما دون الخامسة، وإلا فيجب علاجه بالوسائل اللازمة.

3- الكذب الادعائي: وهذا الكذب غالباً يلجأ إليه الطفل لشعوره بالنقص أو الحرمان بسبب البيئة المحيطة به كالفقر مثلاً، ويمكن معالجة هذا النوع من الكذب بإعادة الثقة للطفل بنفسه عن طريق إبراز العوامل الإيجابية في شخصيته حتى يعرف أن قيمة كل إنسان ترجع إلى عمله.

4- الكذب الغرضي: قد يلجأ الطفل الذي يشعر بوقوف أحد الأبوين أو كليهما حائلاً دون تحقيق احتياجاته إلى الاحتيال بطرق شتى لتحقيق غرضه، فقد يطلب النقود التي يريد أن يشتري بها حلوى على أنه يريد شراء أدوات مدرسية بها، أو أنه يريد الاستذكار مع أحد زملائه، ولكن هو بالفعل ذاهب للمشاركة في لعبة جماعية، وسبب هذا الكذب يكمن في تشدد الآباء، وكثرة عقابهم للأبناء، ووقوفهم دون تحقيق حاجاتهم، والعلاج الجذري لهذا النوع من الكذب ينبغي أن يكون علاجاً وقائياً يقوم على إيجاد الفهم الكامل لدى الآباء والأمهات والمربين بإشباع حاجات الطفل، وإعطائه الثقة بنفسه، والاستجابة لمطالبه المشروعة المعتدلة، وإعطائه المصروف الخاص به، دون زيادة أو تقتير، وأن يتصرف بالمال تحت إشراف الآباء، حتى يتدرب من خلال ذلك على الطريقة الصحيحة لاستخدام المال.

5- الكذب الانتقاصي: وهو الذي يلجأ إليه الطفل لشعوره بالغيرة من أحد أفراد أسرته أو أحد زملائه في الفصل، فيلصق تهمة به حتى ينال العقاب، وبالتالي يفقد الميزة أو المكانة التي يتمتع بها الطفل الآخر ليحل هو محله.

 وهنا لا بد من لفت انتباه الأسرة والمدرسة إلى الاهتمام بجميع الأطفال على قدر المساواة، وعدم التفرقة في المعاملة، وأن لا يكون هنالك تقدير لواحد دون الآخر، والتقدير يكون لعمل ينجزه الطفل في مجال من المجالات، فطفل ممتاز في أخلاقه، وآخر في كتابته، وثالثاً في حفظه، ورابع في حسن خطه، وخامس في رسمه، وهكذا حتى يشعر كل طفل أنه ممتاز في عمل معين، ونسعى دائماً أن نشعر كل طفل إنه محبوب من المحيطين به.

6- الكذب الوقائي: يكون هذا الكذب نتيجة الخوف من عقاب يخشى أن يقع عليه، فيلجأ للكذب دفاعاً عن النفس، وحماية له من العقاب الشديد القاسي.

ونلاحظ هذا النوع من الكذب يكثر في المرحلة الثانوية أكثر منها في الإعدادية، فمثلاً يكذب الولد الكبير لحماية أخيه الأصغر سناً، فمثلاً يقول: أخي الصغير لم يكسر الكوب، وسبب ظهور هذه الظاهرة هي قسوة الأهل في علاج المشاكل.

7- كذب التقليد: ويكون في سن الخمس أو الست سنوات حيث يكون الطفل محباً للتقليد، يقلد من حوله في طريقة الجلوس، والمشي، والكلام، وقد يقع الكذب من أحد الأبوين أمام الطفل المقلد، وهنا يدرك الطفل أن الكذب مشروع.

ولو أدرك الآباء خطورة الكذب أمام أبنائهم لما فعلوا ذلك، وفي هذا المجال يجب علينا أن نروي قصص الأطفال، ويكون البطل فيها مثلاً طيباً يحتذى به، ومثلاً للصدق والأمانة للعمل بها، حتى يتعلم الطفل السلوك الصحيح من سلوك الأهل والقصص الهادفة.

8- الكذب المرضي أو المزمن - هكذا يصفه علماء النفس -:

إن إصرار الطفل على الكذب سواء من الخيال أو من خلط بين الخيال والواقع، أو من إصرار الطفل على التحايل قصد الوصول إلى غرضٍ, ما بطرق غير صادقة، واختلاق الأعذار تجنباً للعقابº كل ذلك يجعل الطفل موسوماً بأنه يحمل ظاهرة الكذب المرضي، ويصاحب هذا الكذب ظواهر سلبية أخرى مثل: السرقة، الغش، وهذا أمر غير مستغرب، فأكثر الأمور خطورة تكون صغيرة جداً وفي سن مبكرة.

كل الحوادث مبدؤها من النظر                      ومعظم النار من مستصغر الشرر

وتزداد المشكلة تعقيداً عندما نعلم أننا نحن من أوجدها في فلذات الأكباد، وفي سن الطفولة الباكرة.

ولذا أعرض لنفسي ولإخواني وأخواتي بعض النصائح:

1-      أن نعامل أبناءنا برفق، ونشعرهم بعطفنا وحبنا.

2-   أن نعامل أبناءنا أنهم رجال دون إغفالنا الاحترام المتبادل بإعطاء الثقة بالنفس، والتشجيع على أن يتحدث بكل ما يدور في نفسه حتى لا يجد الصحبة خارج البيت.

3-      لندع أبناءنا يعيشون عالمهم الطفولي الخاص بهم مع الانتباه إلى دورنا في التفريق بين الخيال والواقع.

4-   لنوفر لأطفالنا حاجاتهم الأساسية بالشكل المعقول، وبكل اعتدال، وحسب إمكانيات الأسرة، سواء الحاجات المادية (من لباس، ومسكن، وتعليم جيد..) أو المعنوية (عطف، حب، حنان، عطاء...).

5-   عدم اتهام أبنائنا بالكذب، وعدم التعامل معهم على أساس الشك، ولنبعث الاطمئنان في نفوسهم ولكن ليس بعيداً عن المراقبة، وحسن التوجيه، وتهيئة الأسباب التي تجعلهم يلجؤون للبيت لا لغيره عند كل حدث مستجد في حياتهم، فعندما تبنى العلاقة بين الطفل وأهله على المحبة، والثقة، والمصارحةº يعتبر هذا إنجاز على طريق الصحة النفسية للطفل.

6-   عدم إجبار أبنائنا على أعمال لا يميلون إليها وإنما يجب أن نحاورهم ونناقش أسباب عدم رغبتهم، ولنحاول أن نقوم بتذليل الصعوبات التي تعترض أداءهم.

7-      لنجعل من بيوتنا سعادة عائلية حتى يعيش أبناؤنا في جو من التفاهم بعيداً عن أي انفعال يثير الخوف عندهم.

8-   ليكن هنالك تنسيق واتزان في التعامل بين الأهل والمعلمين تجاه الطفل، واتخاذ الموقف الموحد إزاء السلوك غير المرغوب، بحيث يعطي القيم الأخلاقية للطفل، ويدرك أسباب الأخذ بهذا السلوك، وأسباب تجنب السلوك الآخر.

9-   الاهتمام بأي نشاط يقوم به الطفل حتى ولو كان بسيطاً دون الإكثار من التدخل في شؤونه، ودون إشعاره أنه مراقب، ولنعلم أن الإسلام يوفر لنا الشروط التي تحمي الطفل من الوقوع في الكذب، ليعلم الطفل أن الله لا يهدي الكذاب أبداً، قال تعالى: ((إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب))، والكذب سلوك سيئ يمقته الإسلام قال الحق - سبحانه وتعالى -: ((إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون))، فالإسلام يعد الكذب خصلة من خصال النفاق، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر) رواه البخاري ومسلم.

ويعتبر المسلم الكذب سلوكاً قبيحاً لأنه سلوك إذا اعتاده الإنسان جره إلى النهاية المرة المؤلمة في الدنيا والآخرة، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً )) متفق عليه.

وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -:\" لئن يضعني الصدق - وقلما يضع - أحبٌّ إلي من أن يرفعني الكذب - وقلما يرفع -\"، وقد يكون المؤمن جباناً أو بخيلاً ولكنه لا يكون كذاباً فقد سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:( أيكون المؤمن جباناً يا رسول الله؟ قال: نعم، ثم قيل له: أيكون المؤمن بخيلاً يا رسول الله؟ قال: نعم، ثم قيل أيكون المؤمن كذاباً يا رسول الله؟ قال: لا).

فإذا كان هذا شأن ومصير الكذب والكذابين فعلى الآباء والأمهات والمربين والمعلمين والمشرفين أن يربوا الأطفال على كراهية الكذب بوصفه سلوكاً سيئاً قبيحاً، ويحذرهم من عواقبه في الدنيا والآخرة، وأن نعود أطفالنا على الصدق بالنصيحة، والموعظة، والسلوك الحسن، والقدوة الطيبةº يتربوا على الصدق في كل أمورهم، وأوصى الإسلام باعتبار الزوجة الصالحة ذات الدين الصادقة مع ربها ثم زوجها وبيتها سوف تنشىء الجيل الصالح لمستقبل الأمة، وإذا كان حرمان الطفل من إشباع حاجاته الجسمية والنفسية يعتبر دافعاً له إلى سلوك الكذب ليحصل على ما يريدº فقد ضرب لنا الرسول الكريم المثل الطيب، عن ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كان إذا أتى بأول ما يدرك من الفاكهة يعطيه لمن يكون في المجلس من الصبيان )، ويؤكد الإسلام على أهمية البيئة والقدوة، فكل مولود يولد على الفطرة وهي الإسلام، وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، فكل شر يلحق بالوليد والناشئ مرجعه إلى البيئة،

وحثاً على تنقية البيئة الاجتماعية من الكذب يعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وأحياناً يصدر منا مثل هذا الكذب بحجة الترفيه والتسلية نستغفر الله، ونتوب إليه.

عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً ).

إن برنامج التربية السليمة للطفل كما يحدده الإسلام يقوم على التنشئة السوية على الصدق، والابتعاد عن الكذب على أساس من الاقتناع الداخلي بأن الكذب في الأقوال والأعمال سلوك سيء، ينتهي بصاحبه إلى نتائج سيئة وخيمة في الدنيا والآخرة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply