أترضاه لنفسك؟.. ومعالم في التربية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

كان محمد بن واسع يبيع حماراً له، فقال له رجل: أترضاه لي؟ قال: لو رضيته لم أبعه.

هذه الحادثة قمة في المعاملة التي تكون بين الإخوان وخاصة الدعاة إلى الله - سبحانه وتعالى -، وهذه إشارة من محمد بن واسع إلى أنه لا يرضى لأخيه إلا ما يرضاه لنفسه.. وكذا المعاملة، فبعض الناس يحب أن يعامله الناس بأحسن الأخلاق وأجلها، وأن يتلطفوا معه في المعاملة وأن يضعوه في مكانه اللائق به، وفي المقابل تجده لا يهتم في معاملته لإخوانه بالحسنى كما يهتم في أن تكون معاملة غيره له على أحسن حال وأفضل مقال.

 

قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: \"إني لأمر على الآية من كتاب الله فأود أن الناس كلهم يعلمون ما أعلم\".

ولقد جاء معنى ما أشرنا إليه من عنوان هذا المقال في حديث عن النبي في أن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فقد روى البخاري ومسلم عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: \"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه\".

فالمتأمل في هذا الحديث، يجده قاعدة عظيمة تنبع من خلالها كثير من الأخلاق، ولذلك كان كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - من جوامع الكلم.

 

إن من يعامل الناس على أساس أن يحب لهم ما يحب لنفسه تماماً فإنه سيعاملهم حتماً بكل خلق رفيع، لأن هذا هو ما يجب أن يعامله الناس به إذ يحبه لنفسه. ومن هنا يجد نفسه مثلاً مدفوعاً إلى الصبر على أخيه المسلم كلما دعت ظروف التعامل إلى الصبر، لأنه يحب من الناس أن يصبروا عليه، كلما بدر منه ما لا يقبله الناس إلا بصبر.

ويجد المسلم نفسه مدفوعاً إلى العفو والصفح والمسامحة والإغضاء عن الهفوات والسيئات، كلما وجد من إخوانه ما يسوؤه من تصرفاتهم معه، لأنه يحب من الناس أن يعاملوه بالصفح والعفو والمسامحة والإغضاء عن الهفوات والسيئات، كلما بدر منه من تصرفات تسوء إخوانه. وكذلك أنواع المعاملة من ستر العيوب والنصح سراً وكره الغيبة فهو يحب أن يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به.

 

ارتباط الحديث بالإيمان:

فالإيمان لا يبلغ حقيقته ونهايته وكماله إلا بعد أن يتحقق مثل هذا الحديث في المسلم، فالإيمان قد ينتفي لانتفاء بعض أركانه.

ففي رواية خرّجها الإمام أحمد - رحمه الله -: \"لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير\". وهي تدل على أن العبد لا يبلغ حقيقة الإيمان وحلاوته ولذته حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الأخلاق والمعاملة الحسنة. وفي تطبيق هذا الحديث ما يبشر بدخول الجنة والبعد عن النار كما في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: \"من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو مؤمن بالله عز وجل ويأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه\". فحري بالمسلم الداعية إلى الله أن يستنفره مثل هذا الحديث لأن تكون معاملته حسنة مع إخوانه كما يحب ذلك منهم.

 

الأسباب التي تمنع من هذا الخلق:

أولاً: الحسد:

يقول ابن رجب - رحمه الله -: وهذا كله إنما يأتي من كمال سلامة الصدر من الغش، والغل، والحسد، فإن الحسد يقتضي أن يكره الحاسد أن يفوقه أحد في خير، أو يساويه فيهº لأنه يحب أن يمتاز على الناس بفضائله وينفرد عنهم، ورحم الله ابن عباس - رضي الله عنهما - حيث يقول: إني لأمر على الآية من كتاب الله فأود أن الناس كلهم يعلمون ما أعلم منها. وقال الشافعي: وددت أن الناس تعلموا هذا الدين ولم ينسب إلي منه شيء.

فالحاسد تجده يحب أن يعامله الناس بأحسن المعاملات فيريد منهم خلقاً رفيعاً، وتذللاً، وانبساطاً وعدم تتبع لزلاته على الرغم من أنه قد أشهر سيف المعاملة السيئة، والتكبر، والأنانية، وأخذ بعد فترة يكتب ويدون زلات إخوانه.

وعين الرضا عن كل عيب كليلة          ولكنَّ عين السخط تبدي المساويا.

والإيمان يقتضي خلاف ذلك وهو أن يشركه المؤمنون كلهم فيما أعطاه الله من الخير من غير أن ينقص عليه منه شيء. والحاسد ليس يحسدك على عيب فيك، ولا على خيانة ظهرت منك، ولكن يحسدك بما ركب فيه من ضد الرضا بالقضاء.

قال العتبي:

أفكر ما ذنبي إليك فلا أرى... لنفسي جرماً، غير أنك حاسدُ.

فنعوذ بالله من شر حاسد إذا حسد.

 

ثانياً:الكبر:

قال – تعالى -: (تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُواًّ فِي الأَرضِ وَلاَ فَسَاداً). فبطر الحق وغمط الناس واحتقارهم وازدراؤهم يجعل المسلم يعامل إخوانه المعاملة السيئة مما يدعو إلى المعاملة بالمثل.

\"فمن تواضع لله رفعه\" وهذا من سنن الله في عباده، كما أن من استكبر وتعالى على خلق الله أذله الله. فالمستكبر يرفع نفسه فوق مستوى جلسائه، فيعيش وحده في جوه النفسي المتعاظم، ولا يحب أن يفوقه أحد، وربما يكون ترفعه إلى مكانة ليس هو في الحقيقة أهلاً لها.

وأخيراً إن الناقد البصير قد يجد في واقع الدعاة إلى الله -عز وجل- وما يحدث بينهم من الهجران، والقطيعة، والمعاملة التي لا تليق بأمثالهم - ولعل مرجع ذلك إلى عدم التدبر لمثل هذه الأحاديث النبوية التربوية التي تجعل القلوب صافية، والمحبة وافرة، وتجد التعاون بين الدعاة إلى الله - عز وجل - على أحسن حال.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply