من أخلاق النبوة


  

بسم الله الرحمن الرحيم

كان رسولنا - صلى الله عليه وسلم - مثلاً أعلى في سمو الخلق وسماحة النفس مع أتباعه وخصومه على السواء، ويكفي الواحد منهم أن يلقاه ولو لحظات حتى يأسر قلبه بكريم طباعه وحسن أخلاقه، ولقد وسع الناس بسعة خلقه فصار لهم أبًا، وصاروا عنده في الحق سواء، كان دائم البشر، سهل الخلق لين الجانب، من رآه هابه، ومن خالطه أحبه.

ولا عجب في هذا فالذي تولى تربيته ربه ليكون معجزة لكل البشر \"أدبني ربي فأحسن تأديبي\"، \"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق\".

إن مقابلة المشاكل والقضاء على الخصومات بالأسلوب الودي تؤثر في الخصوم تأثيرًا ضخمًا عجيبًا، وهذه الطاقة والقدرة على الصبر يتفرد بها العظماء والأفذاذ من الرجال وصدق الله العظيم: \"وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ, عَظِيمٍ,\" (فصلت: 35)، ومن هذه الصور ما يلي:

1- لقد ظهرت هذه الأخلاق عمليًّا في حياة الداعية الأول - صلى الله عليه وسلم - جاءته بعض القلائد من الذهب والفضة، فجعل يقسمها بين أصحابه، فقام رجل من أهل البادية وقال: يا محمد، والله لئن أمرك الله أن تعدل فما أراك تعدل، فقال: \"ويحك فمن يعدل عليك بعدي؟ \"، فلما ولى قال: \"ردوه عَلَيَّ رُوَيدًا\".

2- وكان - صلى الله عليه وسلم - في حرب مع أعدائه، فرأوا من المسلمين غرة، فجاء رجل حتى قام على رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسيف فقال: \"من يمنعك مني؟ \" فقال: \"الله\"، فسقط السيف من يده، فأخذ رسول الله السيف وقال: \"من يمنعك مني؟ \"، فقال: كن خير آخذ؟ قال: \"قل أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله\"، فقال: \"لا، غير أني لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك\"، فخلى سبيله، فجاء أصحابه فقال: \"جئتكم من عند خير الناس\"، ولما وقعت الهزيمة القاضية للمشركين في غزوة بدر وقتل فيها أشرافهم.

وأقبل عمير بن وهب الجمحي حتى جلس إلى صفوان بن أمية عند الكعبة، فقال صفوان: \"قبح العيش بعد قتلى بدر\".

قال عمير بن وهب: \"أجل والله، ما في العيش بعدهم خير، ولولا دَينٌ عليَّ لا أجد له قضاء، وعيال لا أدع لهم شيئًا، لرحلت إلى محمد حتى أقتله إن تمكنت منه، فإنه بلغني أنه يطوف في الأسواق\"، ففرح صفوان بقول عمير، وأحب أن يتأكد من كلامه فقال له: \"وهل تراك فاعلاً؟ \".

قال: \"نعم ورب هذه البنية\".

قال صفوان: \"فعليَّ دينك، وعيالك كعيالي\"، ثم حمله صفوان على بعيره وجهزه، وأمر بسيف عمير فشحذ وسم، ثم خرج إلى المدينة فنزل على باب المسجد وعقل راحلته فرآه عمر بن الخطاب وعليه السيف، ففزع منه وقال لأصحابه: \"دونكم الكلب هذا عمير بن وهب الذي حرس بيننا يوم بدر\".

فقاموا إليه فأخذوه، وانطلق عمر إلى رسول الله فقال: \"يا رسول الله، هذا عمير بن وهب، قد دخل المسجد وهو الغادر الخبيث\"، فقال: \"أدخله عليَّ\"، فأخذ عمر بحمائل سيفه وأدخله على رسول الله، فلما رآه قال: \"تأخر عنه يا عمر\"، فلما دنا عمير قال: \"أنعم صباحًا\"، فرد النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"لقد أكرمنا الله عن تحيتك، تحيتنا السلام، فما أقدمك يا عمير؟ \" قال: \"قدمت في أسيري عندكم\"، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"فما بال السيف؟ \" قال: \"قبحه الله من سلاح، وهل أغنى من شيء؟ \" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"اصدق يا عمير، ما الذي أقدمك؟ فقال: \"ما قدمت إلا في أسيري\"، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"ما شرطت لصفوان في الحجر؟ \" ففزع عمير وقال: \"ماذا شرطت له؟ \" قال: \"تحملت بقتلي على أن يقضي دينك ويعول عيالك، والله حائل بينك وبين ذلك\".

قال عمير: \"أشهد أنك رسول الله، وأنك صادق، وأشهد أن لا إله إلا الله، كنا يا رسول الله نكذبك بالوحي، وبما يأتيك من السماء، وإن هذا الحديث كان بيني وبين صفوان كما قلت لم يطلع عليه غيري وغيره، وقد أمرته أن يكتمه فأطلعه الله عليه، فآمنت بالله ورسوله، وشهدت أن ما جئت به حق، والحمد لله الذي ساقني هذا المساق\".

قال عمر بن الخطاب: \"لخنزير كان أحب إلي حين طلع، وهو الساعة أحب إلي من بعض أولادي\".

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"علموا أخاكم القرآن، وأطلقوا أسيره\"، فقال عمير: \"يا رسول الله، إني كنت جاهدًا على إطفاء نور الله فله الحمد أن هداني، فائذن لي فألحق قريشًا، فأدعوهم إلى الله وإلى الإسلام، فلعل الله يديهم ويستنقذهم من الهلكة\".

فهل نستفيد في حياتنا العملية من هذه الأخلاق.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply