شهدت معركة تبوك العديد من المعجزات التي أجراها الله على يد نبيه - صلى الله عليه وسلم - تأييداً له، وإظهاراً لصدقه، وتخفيفاً للشدّة والمعاناة التي لقيها المسلمون أثناء سيرهم إلى أرض الروم.
وقد ذكر المؤرّخون عشر معجزات حدثت في تلك المعركة، بعضها يتعلّق بالإخبار عن أمورٍ, غيبيّة، والبعض الآخر يتعلّق بمعجزاتٍ, حسّية شهدها الصحابة ووقفوا عليها، ومن تلك المعجزات:
إمطار السحاب ببركة دعائه
خرج المسلمون للغزو في جوٍّ, شديد الحرارة، ولم يكن معهم ما يكفي من الماء، مما أدّى إلى شعورهم بالعطش الشديد، فانطلقوا يبحثون عن الماء من حولهم، لكنهم لم يجدوا له أثراً، فاضطرّ كثيرٌ منهم إلى ذبح راحلته وعصر أحشائها لاستخراج الماء الذي بداخلها، فلما رأى أبو بكر الصدّيق - رضي الله عنه - حال المؤمنين أسرع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: \" يا رسول الله، إن الله قد عوّدك في الدعاء خيراً، فادع لنا \"، فقال له: (أتحب ذلك؟)، قال: \" نعم \"، فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده إلى السماء، فما كاد أن يرجعهما حتى تجمّع السحاب من كلّ مكان وأظلمت الدنيا ، ثم هطل مطرٌ غزيرٌ، فارتوى الناس وسقوا أنعامهم، وملأوا ما معهم من الأوعية، ولما غادروا المكان وجدوا أن تلك السحب لم تجاوز معسكرهم، والقصّة رواها ابن خزيمة في صحيحه.
إخباره بمكان ناقته التي ضلّت
في الطريق إلى تبوك نزل جيش المسلمين في مكان للراحة، فافتقد النبي - صلى الله عليه وسلم - ناقته، وأرسل من يبحث عنها، ولمّا لم يجدوها، قال أحد المنافقين: \" أليس يزعم أنه نبي، ويخبركم عن خبر السماء، وهو لا يدري أين ناقته؟ \"، فأوحى الله إلى نبيّه بمقولة ذلك المنافق، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه وأخبرهم الخبر، ثم قال: (إني والله لا أعلم إلا ما علّمني الله، وقد دلّني الله عليها، وهي في الوادي في شعب كذا وكذا، وقد حبستها شجرة بزمامها، فانطلقوا حتى تأتوني بها) فانطلق الصحابة إلى ذلك الموضع، فوجدوها وأتوه بها.
تكثير الماء في تبوك والإخبار عن تحوّلها إلى جنان
في طريق الذهاب أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - من معه أنهم سيصلون إلى عين ماءٍ, في تبوك، وطلب منهم أن يتركوها على حالها ولا يمسّوها، فلما وصلوا إلى تلك العين أسرع إليها رجلان واغترفا منها، فنقص ماؤها، ولما علم النبي -
- صلى الله عليه وسلم - غضب من فعلهما، ثم طلب من الصحابة أن يأتوه من ماء تلك العين، فغرفوا بأيديهم قليلاً حتى تجمّع لديهم شيء يسير، فأخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغسل به يديه ووجهه، ثم أعاده فيها، فسالت بماء غزير حتى ارتوى الناس، والتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى معاذ بن جبل - رضي الله عنه - وقال: (يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما ها هنا قد مُلئ جناناً) رواه مسلم، وكانت معجزةً عظيمةً تنبّأ فيها النبي - صلى الله عليه وسلم بتحوّل تلك المنطقة القاحلة إلى بساتين خضراء خلال فترةٍ, وجيزة، وقد تحقّق ما أخبر عنه - صلى الله عليه وسلم - ، وصارت منطقة تبوك معروفةً بوفرة أشجارها وكثرة ثمارها.
تكثير الطعام
أصاب الناس المجاعة نظراً لقلّة الزاد، وبعد المكان، فاستأذن بعض الصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذبح الإبل والأكل منها، فأذن لهم، فجاء عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وبيّن له أن ذلك سيتسبّب في قلّة الرواحل، واقترح عليه أن يأمر الناس بجمع ما لديهم من طعامٍ, قليلٍ,، ثم الدعاء له بالبركة، فكان الرجل يأتي بكفّ التمر، وآخرُ يأتي بالكسرة، وثالثٌ بكفّ الذرة، حتى اجتمع شيءٌ يسير، ودعا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُبارك الله لهم في طعامهم، فأخذوا في أوعيتهم، حتى ما تركوا في المعسكر وعاء إلا ملأوه، وأكلوا حتى شبعوا وبقيت زيادة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكٍّ, فيهما إلا دخل الجنة) رواه مسلم.
التنبّؤ بحال ملك كندة
حينما وصل المسلمون إلى تبوك لم يجدوا فيها أثراً لجيوش الروم أو القبائل الموالية لها، فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم -
خالد بن الوليد - رضي الله عنه - إلى دومة الجندل، وأخبره بأنّه سيجد زعيمها أكيدر بن عبد الملك وهو يصيد البقر، وفي تلك الليلة وقف أكيدر وزوجته على سطح القصر، فإذا بالبقر تقترب من القصر حتى لامست أبوابه بقرونها، فتعجّب أكيدر مما رآه وقال لامرأته: \" هل رأيت مثل هذا قط؟ \" قالت: \" لا والله \"، فنزل وهيّأ فرسه، ثم خرج للصيد بصحبة أفرادٍ, من أهل بيته، فرآه خالد بن الوليد - رضي الله عنه - وقام بملاحقته، حتى استطاع أن يأسره، وقدم به على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فصالحه على الجزية، وخلّى سبيله، رواه البيهقي.
إخباره بالريح الشديدة
أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تبوك عن هبوب ريحٍ, شديدة، وطلب من الناس أخذ الحيطة والحذر حتى لا تصيبهم بأذى، وأمرهم بربط الدوابّ وعدم الخروج في ذلك الوقت، ولما حلّ الليل جاءت الريح، فقام رجلٌ من المسلمين من مكانه، فحملته الريح حتى ألقته بجبل طيء، رواه مسلم.
إخباره عن موت أبي ذر
كان أبو ذرّ الغفاري رضي الله ممّن تأخّر عن الجيش في غزوة تبوك، ثم لحق به بعد ذلك، ولمّا رآه النبي صلى الله عليه وسلم - مقبلاً نحو الجيش يمشي وحده قال: (رحم الله أبا ذرº يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده)،
ومضت سنين طويلة حتى جاءت خلافة عثمان بن عفّان - رضي الله عنه -، فانتقل أبو ذر - رضي الله عنه - للعيش في منطقة \" الربذة \"، وعندما حضره الموت أوصى امرأته وغلامه أن يقوموا بتغسيله وتكفينه ووضعه في طريق المسلمين عسى أن يمرّ به من يقوم بدفنه، فأقبل عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - في جماعةٍ, من أهل الكوفة، وما أن عرفه حتى بكى وتذكر النبوءة وقال: \" صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - \" ثم تولّى دفنه بنفسه.
دعاؤه لرواحل المسلمين وتنبؤه بركوب أصحابه للسفن
في هذه الغزوة أُصيبت رواحل المسلمين بالإجهاد والتّعب، فشكا الصحابة ذلك إلى - النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولما اقتربوا من مضيق وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - على بابه وأمر المسلمين أن يمرّوا من أمامه، وجعل ينفخ على ظهور الرواحل ويقول: (اللهم احمل عليها في سبيلك، إنك تحمل على القوي والضعيف، وعلى الرطب واليابس، في البر والبحر)، فعاد النشاط إليها وانطلقت مسرعةً، حتى وجد الصحابة صعوبةً في السيطرة عليها.
وفي هذه الدعوة أيضاً إخبارٌ بأمر غيبيّ، وهو استخدام الصحابة للسفن في الغزو والجهاد، وقد أشار فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه إلى ذلك فقال \" فلما قدمنا الشام غزونا في البحر، فلما رأيت السفن وما يدخل فيها عرفت دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - \" رواه أحمد.
تلك هي المعجزات التي شهدتها غزوة تبوك، والتي تُعتبر خاتمةً لدلائل كثيرةٍ,، ومعجزات باهرةٍ,، وقف عليها الصحابة من أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - في المعارك، وبقيت شاهدةً على صدق نبوّته، وعظمة رسالته.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد