كان خلقه القرآن


  

بسم الله الرحمن الرحيم

{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون} (30) (البقرة).

وكان في علم الله خلق محمد - صلى الله عليه وسلم - والأنبياء والرسل، يصلحون ولا يفسدون، يحقنون الدماء ولا يسفكونها، من أطاعهم فقد فاز، ومن عصاهم فقد خسر خسراناً مبيناً. {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} (الأنعام: 90).

وقرن الله طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بطاعته - سبحانه -: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} (النساء: 80).

فقد توج - سبحانه - بعثة الأنبياء بخاتمهم النبي الأمي - صلى الله عليه وسلم -، وعلمه من العلم ما لم يكن يعلم وتعلمنا منه - صلى الله عليه وسلم - ما لم نكن نعلم.

{وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما} 113 (النساء).

{كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون} 151 (البقرة).

وقد أدى - صلى الله عليه وسلم - الأمانة وبلغ الرسالة وفاز برضا الرحمن، وأثنى عليه - سبحانه - قائلاً: {وإنك لعلى خلق عظيم} (4) (القلم).

وأكرمه - جل جلاله-: {إنا أعطيناك الكوثر} (1) (الكوثر).

كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قرآناً يمشي على الأرض، مطبقاً لكتاب الله كنموذج بشري مثالي، وأمرنا الله باتباع خطواته إن أردنا الفلاح: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة (الأحزاب: 21).

كان - صلى الله عليه وسلم - يستمع إلى الآيات فتملأ عليه كيانه وتصبح هوى فؤاده، ومبعث سروره، وقرة عينه، فيبادر إلى تنفيذها..فعندما أوحى الله إليه: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا} (الأعراف: 158)، {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا} (سبأ: 28).

كانت حركته - صلى الله عليه وسلم - طاعة لأمر الله، فقد أعلنها جهرة، حيث ثبت في الصحيحين قوله - صلى الله عليه وسلم -: \"وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة\"، وكان فعله في الواقع مطابقاً لقوله.

فكانت دعوته للجميع رجالاً ونساء وأطفالاً ولأهل مكة وللفرس والروم وكل أنحاء الدنيا.

وكان - صلى الله عليه وسلم - يرسلُ الرسائل للملوك ولم يخش سطوتهم ولا حشودهم، فلم تكن تأخذه في طاعة الله لومة لائم.

فقد أرسل إلى قيصر ملك الروم، وكسرى ملك الفرس، والنجاشي ملك الحبشة، والمقوقس عظيم مصر، وملكي عُمان، وملكي اليمامة، وملك البحرين، وملك تخوم الشام.

أوحى الله - تعالى - إليه: {قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد} 47 (سبأ).

فكان - صلى الله عليه وسلم - يجسد قول الله عملياً، فلم يقبل الصدقة، وكان له خُمس الغنائم ولكنه مردود على المسلمين، وكان يُعطي عطاء من لا يخشى الفقر.

وكان يؤلف القلوب ببذل المال بسخاء لم يعهده العرب، وهم من عُرِف بالكرم.

مات - صلى الله عليه وسلم - ولم يترك شيئاً من حُطام الدنيا، وكان يمكنه أن يملك الدنيا وما فيها.

كان جهاده لله ودعوته لله وصبره لله وماله لله.

{قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين }162 (الأنعام).

 

رأفة ورحمة للعالمين

وأوحى إليه قوله - تعالى -: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} 107 (الأنبياء).

كان - صلى الله عليه وسلم - يتمنى هداية قومه جميعاً، حتى إن رب العزة أشفق عليه فقال: فلعلك باخع نفسك على\" آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا 6 (الكهف).

وعندما ذهب - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف وقذفه الصبيان بالحجارة وأدموا قدمي سيد المرسلين نزل ملك الجبال بإذن ملك السموات والأرض وقال له: \"إن أمرتني أطبقت عليهم الأخشبين\" فتدفقت الرحمة التي أسبغها الله عليه، على لسانه الطاهر قائلاً: \"لعل الله يأتي منهم بمن يوحد الله\".

وفي غزوة أحد عندما أدمى قومه رأسه فبادر يدعو لهم، خوفاً عليهم من غضب الله، فقال: \"اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون\"..

وأخرجه أهله من مكة وهي أحب أرض الله إلى قلبه، وحاربوه - صلى الله عليه وسلم - في ثلاث غزوات متتالية \"بدر وأحد والخندق\"، وقتلوا من أصحابه من قتلوا، غير من قتل وعُذِّب بمكة قبل الهجرة، فطبق - صلى الله عليه وسلم - القرآن خير تطبيق وظل قول الله معه أينما ذهب، وأينما سار، تحرك به وعمل بمقتضاه، فعفا عنهم جميعاً بعد فتح مكة، وقد أصبح هو السيد والآمر، قائلاً: \"اذهبوا فأنتم الطلقاء\": {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} 107 (الأنبياء: 107).

 

خفض الجناح

فلم يكن هدفه القصاص والانتقام، ولكن العفو ووالرحمة، فأثنى عليه - سبحانه - يقوله:{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم } 128 (النحل)، هذا للعالمين، أما المؤمنون فقد شبهه - سبحانه - بالطائر الذي يخفض جناحه لهم حناناً ورحمة ورعاية لأغلى ما عنده.

{واخفض جناحك للمؤمنين }88 (الحجر).

القانت العابد المستغفر: لقد كان - صلى الله عليه وسلم - حقاً الشق الحركي العملي التطبيقي النموذجي الناجح لكتاب الله العظيم، وقد أمره الله - سبحانه - ملك السموات والأرض في كتابه العظيم الخالد بقوله: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا }81 (الإسراء).

وشرفه - سبحانه - بهدم أصنام الكعبة.

وأمره - سبحانه -: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} 79 (الإسراء)، فكان تطبيقه العملي لأمر الرحمن قيام بالليل، فكان يقومه حتى تتورم قدماه فتشفق عليه السيدة عائشة، سائلة إياه: \"ألم يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر\"؟ فيقول لها - صلى الله عليه وسلم -: \"أفلا أكون عبداً شكوراً\"؟، أي طائعاً منفذاً لقوله - سبحانه -: {بل الله فاعبد وكن من الشاكرين} 66 (الزمر). ولقوله - تعالى -: {قم الليل إلا قليلا} (2) (المزمل).

وعندما أُوحِي إليه قول الله: {واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما} 106 (النساء).

كان يُعد له - صلى الله عليه وسلم - في الجلسة الواحدة مائة استغفار، وكان - صلى الله عليه وسلم - يدعو بأدعية الاستغفار، ومن كثرتها أُطلق على أحدها \"سيد الاستغفار\"، ونصه:

\"اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت.. أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ.. وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت\".

ويحثنا - صلى الله عليه وسلم - على الاستغفار ويرغبنا فيه ويبين أنه المخرج والرزق، وسبب الرضا من صاحب الأمر - سبحانه -.

قال - سبحانه -: {والله يعصمك من الناس} (المائدة: 67).

وأغدق عليه بنعمائه وأحاطه برعايته - سبحانه وتعالى -: {أليس الله بكاف عبده} (الزمر: 36). ووعده قائلاً: إنا كفيناك المستهزئين 95 (الحجر).

فتحرر بذلك - صلى الله عليه وسلم - من الخوف على نفسه حتى وهو في الغار، والمشركون من حوله كان يهون على صاحبه الصديق أبي بكر ويبعث في نفسه الطمأنينة، حيث قال له بيقين المطمئن الواثق بالله:{ لا تحزن إن الله معنا} (التوبة: 40).

وذات مرة كان - صلى الله عليه وسلم - نائماً فرفع أحدهم عليه السيف قائلاً: \"من يعصمك مني يا محمد\"؟ فكان رده سريعاً قائلاً بثقة ويقين: \"الله\" فوقع السيف من يد الأعرابي.

وتحرر - صلى الله عليه وسلم - من الخوف على أولاده فهاجر وتركهم في معية الله، وقد ترك علي بن أبي طالب في فراشه وهو مطمئن، وطلق ابنا عمه أبي لهب ابنتيه الاثنتين فلم يهتز ولم يضعف.

وتحرر - صلى الله عليه وسلم - من الخوف من عدم وجود مسكن يأويه إليه حيث هاجر وترك مسكنه فأبدله الله بمسكن بجوار ثاني الحرمين.

وكان - صلى الله عليه وسلم - ينفذ الآيات ويستوعبها ويعلمها الكبار والصغار، فقد روى عنه ابن عباس قوله معلماً إياه وهو صبي، كيف يحفظه الله  بحفظه هو لربه:

\"احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله\"...

 

حب الله والدعوة إليه

وقال رب العزة: {والذين آمنوا أشد حبا لله} (البقرة: 165).

فكان - صلى الله عليه وسلم - يحبه حباً ملك عليه وجدانه، وكان حريصاً على أن يدعو كافة الناس إليه ويعرفهم به ليحبه الجميع، وقد تجلى مدى حب رسول الله لربه في قوله - تعالى -: {ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا} (آل عمران: 176).

وكانت الدعوة إلى دين الله لها الاهتمام الأول والأكبر في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فعندما دخل المدينة كان بناؤه لبيت الله قبل بنائه لبيته، وقبل الهجرة عندما عرضوا عليه المال والجاه على أن يترك دعوته كانت عباراته وكلماته المضيئة الثابتة بقوله: \"والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه\".

أحب الله بكل كيانه فأحبه الله ووضع له المحبة في الأرض حتى إنه يُروى أن الحجر والشجر كان يُلقي على رسول الله السلام، وكان السحاب يتسابق ليظله، وكل من آمن به كان يفديه بروحه، وكان - صلى الله عليه وسلم - أحب إليهم من أنفسهم وانطبق عليهم قول المنعم صاحب الفضل والمنن:

{النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} (الأحزاب: 6).

فهذه صحابية مات عنها الولد والأب والأخ في غزوة أحد، وكلما علمت بموت أحد منهم تسأل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعندما علمت أنه بخير كان لسانها يلهج بحمد الله وشكره.

لقاء الله

ويزداد حب الرسول لله - تعالى -حتى يصبح لقاء الله هو أسعد أوقاته فيروى عنه القول: \".. وجُعلت قرة عيني في الصلاة\" وكان لقاء الله هو مصدر راحته وسكينة فؤاده فيروى عنه قوله لبلال: \"أرحنا بها يا بلال\".

وكان - صلى الله عليه وسلم - يدعو الله بأدعية يُظهر محتواها مدى حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لله - تعالى -، فكانت أقواله وأفعاله تشهد له بذلك، ويروى من هذه الأقوال قوله: \"اللهم أسلمت نفسي إليك\".

هذه مقتطفات بسيطة تظهر تحرك الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن، وهكذا عرفناه وكان قدوة لأتباعه وهم مطمئنون فقد قال عنه ربه:

{وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم }52 (الشورى).

وتعلمنا منه - صلى الله عليه وسلم -: الكثير والكثير.

فممن تعلمنا الوضوء؟

ومن علمنا الصلاة؟

ومن علمنا القرآن؟

ومن علمنا الدعاء؟

ومن علمنا السلام؟

ومن علمنا أن نتحاب في الله؟

ومن عرفنا بالله الحق؟

ومن علمنا الجهاد الحق؟

ومن علمنا الصبر؟

ومن دلنا على السعادة؟

ومن دلنا على أبواب الجنة؟

ومن سيشفع لنا؟

ومن سنلقاه على الحوض؟

من غيره بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم -؟

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply