سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقافلة قريش قد أقبلت من الشام إلى مكة، وقد كان يقودها أبا سفيان بن حرب مع رجال لا يزيدون عن الأربعين. وقد أراد الرسول - عليه الصلاة والسلام - الهجوم على القافلة والاستيلاء عليها ردا لما فعله المشركون عندما هاجر المسلمون إلى المدينة، وقال لأصحابه: \" هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها \".
كان ذلك في الثالث من شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة، وقد بلغ عدد المسلمين ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، ومعهم فرسان وسبعون بعيرا. وترك الرسول - عليه الصلاة والسلام - عبد الله بن أم مكتوم واليا على المدينة. لما علم أبو سفيان بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أرسل ضمضم بن عمرو الغفاري إلى أهل مكة يطلب نجدتهم. ولم وصل ضمضم إلى أهل قريش صرخ فيهم قائلا: \" يا معشر قريش، أموالكم مع أبي سفيان عرض لها محمدا وأصحابه لا أرى أن تدركوها \". فثار المشركون ثورة عنيفة، وتجهزوا بتسعمائة وخمسين رجلا معهم مائة فرس، وسبعمائة بعير.
جاءت الأخبار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قافلة أبي سفيان قد غيرت اتجاه طريقها، وأنه سيصلها غدا أو بعد غد. فأرسل أبو سفيان لأهل مكة بأن الله قد نجى قافلته، وأنه لا حاجة للمساعدة. ولكن أبا جهل ثار بغضب وقال: \" والله لا نرجع حتى نرد بدرا \"
جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه وقال لهم: إن الله أنزل الآية الكريمة التالية: ((و إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنهما لكم و تودون أنّ غير ذات الشوكة تكون لكم و يريد الله أن يحق الحق بكلماته و يقطع دابر الكافرين))
فقام المقداد بن الأسود وقال: \" امض يا رسول الله لما أمرك ربك، فوالله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ((قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا ليها فاذهب أنت و ربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون))
ولكن نقول لك: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون. فأبشر الرسول - عليه الصلاة والسلام - خيرا، ثم قال:
\" أشيروا علي أيها الناس (يريد الأنصار). \" فقام سعد بن معاذ وقال: \" يا رسول الله، آمنا بك وصدقناك وأعطيناك عهودنا فامض لما أمرك الله، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد\" فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: \" أبشروا، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم \".
وصل المشركون إلى بدر ونزلوا العدوة القصوى، أما المسلمون فنزلوا بالعدوة الدنيا. وقام المسلمون ببناء عريش للرسول - صلى الله عليه وسلم - على ربوة، وأخذ لسانه يلهج بالدعاء قائلا: \" اللهم هذه قريش قد أتت بخيلائها تكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني؟ اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم فلن تعبد في الأرض \". وسقط ردائه - صلى الله عليه وسلم - عن منكبيه، فقال له أبو بكر: \" يا رسول الله، إن الله منجز ما وعدك \".
قام المسلمون بردم بئر الماء - بعد أن استولوا عليه وشربوا منه - حتى لا يتمكن المشركون من الشرب منه. وقبل أن تبدأ المعركة، تقدم ثلاثة من صناديد قريش وهم: عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، وولده الوليد يطلبون من يبارزهم من المسلمين. فتقدم ثلاثة من الأنصار، فصرخ الصناديد قائلين: \" يا محمد، أخرج إلينا نظراءنا من قومنا من بني عمنا\" فقدم الرسول - عليه الصلاة والسلام - عبيدة بن الحارث، وحمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب. فبارز حمزة شيبة فقتله، وبارز علي الوليد فقتله، وبارز عبيدة عتبة فجرحا بعضهما، فهجم حمزة وعلي على عتبة فقتلاه. واشتدت رحى الحرب، وحمي الوطيس. ولقد أمد الله المسلمين بالملائكة تقاتل معهم. قال - تعالى -: ((بلى إن تصبروا و تتقوا و يأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين)), وهكذا انتهت المعركة بنصر المسلمين وهزيمة المشركين، حيث قتل من المشركين سبعون وأسر منهم سبعون آخرون. أما شهداء المسلمين فكانوا أربعة عشر شهيدا. ولقد رمى المسلمون جثث المشركين في البئر، أما الأسرى فقد أخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أربعة آلاف 4000 درهم عن كل أسير امتثالا لمشورة أبي بكر، أما من كان لا يملك الفداء فقد أعطاه عشرة من غلمان المسلمين يعلمهم القراءة والكتابة.وهكذا انتصر المسلمون انتصارا عظيما بإيمانهم على المشركين الذين كفروا بالله ورسوله
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد