السيرة النبوية بعد الهجرة


  

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الأولى

أيها الإخوة في العقيدة: الأساس الثاني الذي بني عليه المجتمع الإسلامي بعد بناء المسجد هو الأخوة الإسلامية، وقد عرفنا أن الرسول  - صلى الله عليه وسلم - آخى بين المهاجرين والانصار، لأن أي دولة لايمكن أن تنهض وتقوم إلا على أساس من وحدة الأمة وتساندها، ولايمكن لذلك أن يحصل بغير عامل التآخي والمحبة المتبادلة، فكل جماعة لاتؤلف بينها آصرة المودة والإخاء الحقيقية، لايمكن أن تتحد حول مبدأ ما، وما لم يكن الاتحاد حقيقة قائمة في الأمة أو الجماعة فلايمكن أن تتألف منها دولة، على أن التآخي أيضاً لابد أن يكون مسبوقاً بعقيدة يتم اللقاء عليها والإيمان بها، فالتآخي بين شخصين يؤمن كل منهما بفكرة أو عقيدة مخالفة للآخر غير ممكن ومن أجل ذلك جعل رسول الله أساس الاخوة التي تجمع عليها أصحابه العقيدة الاسلامية التي جاءهم بها من عند الله - تعالى- والتي تضع الناس كلهم في مصاف العبودية الخالصة لله - تعالى- دون الاعتبار لأي فارق إلا فارق التقوى والعمل الصالح، إذ ليس من المتوقع أن يسود الإخاء والتعاون والإيثار بين أناس شتتهم العقائد والأفكار المختلفة، فأصبح كل منهم ملكاً لأنانيته وأثرته وأهوائه، ثم إن أي مجتمع إنما يختلف عن مجموعة ما من الناس متنقلة شيء واحد هو قيام مبدأ التعاون والتناصر فيما بين أشخاص هذا المجتمع، وفي كل نواحي الحياة ومقوماتها، فإن كان هذا التعاون والتناظر قائمين على ميزان العدل والمساواة فيها بينهم فذلك هو المجتمع العادل السليم، وإن كانا قائمين على الحيف والظلم فذلك هو المجتمع الظالم المنحرف.

 

إن ما أقامه الرسول  - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه من مبدأ التآخي ليس مجرد شعار في كلمة أجراها على ألسنتهم، وإنما كان حقيقة علمية تتصل بواقع الحياة وتبل أوجه العلاقات القائمة بين الأنصار والمهاجرين، ولذلك جعل النبي من هذه الأخوة مسؤولية حقيقة تشيع بين هؤلاء الأخوة، وكانت هذه المسؤولية حقيقة فيما بينهم على خير ورحمة، ويكفي دليلاً ما تعرضنا له في الأسبوع الماضي من قصة سعد بن الربيع وأخيه عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنهما -. وهي تؤكد أن رباط الأخوة وأساسها هو العقيدة الإسلامية حيث ذابت عصبيات الجاهلية وتساقطت فوارق النسب واللون والوطن، فسمو الغاية التي التو عليها رجلان الأسوة التي قادتهم اليها فهي في نفوسهم صفات الفضل والشرف والإيثار والمحبة الصادقة، ولم يَدَعا مكاناً للصفات والأخلاق الرديئة.

 

أيها المسلمون عباد الله: إن المحبة والإخاء الحق لا ينبت في البيئات الخسيسة حيث ينتشر الجهل والغش والجبن والبخل والجشع، لا يمكن أن يصح إخاء أو تترعرع محبة، ولولا أن أصحاب رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - جبلوا على شمائل نقية واجتمعوا على مبادئ رفيعة رضية ما سجلت لهم الدنيا هذا التآخي الوثيق في ذات الله - تعالى -.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply