هديه وخصائصه وشمائله صلى الله عليه وسلم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

كان للنبي زوجات، اختارهن الله - سبحانه - ليكن أمهات المؤمنين، وليحملن عبء الدعوة مع الرسول- صلى الله عليه وسلم - وهن: خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-، وكانت أول زوجة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يتزوج غيرها، حتى توفيت.

وسودة بنت زمعة -رضي الله عنها-، وقد تزوجها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد خديجة. ثم تزوج عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنها-. ثم تزوج زينب بنت خزيمة -رضي الله عنها-، وتوفيت عنده - صلى الله عليه وسلم -. ثم تزوج أم سلمة هند بنت أبي أمية، وهي آخر نسائه موتًا.

ثم تزوج زينب بنت جحش ابنة عمته، التي كانت زوجة لزيد بن حارثة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان الله - سبحانه - هو وليها الذي زوجها لرسول الله، وتوفيت في أول خلافة عمر. وتزوج - صلى الله عليه وسلم - جويرية بنت الحارث، ثم تزوج أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، وقد تزوجها الرسول- صلى الله عليه وسلم - وهي ببلاد الحبشة، وقد دفع النجاشي صداقها، وقدره أربعمائة دينار، وماتت في أيام أخيها معاوية.

وتزوج صفية بنت حيي بن أخطب سيد بني النضير، ثم تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية، وهي آخر من تزوج بها.

 

سراريه- صلى الله عليه وسلم -:

وكان من سراريه - صلى الله عليه وسلم - مارية القبطية، وريحانة، وجارية وهبتها له زينب بنت جحش، وجارية أخرى أصابها في بعض السبي.

 

أولاده - صلى الله عليه وسلم -:

وكان له - صلى الله عليه وسلم - من الأولاد القاسم، وزينب، وعبد الله، وإبراهيم، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، وكل أولاده من خديجة -رضي الله عنها- إلا إبراهيم، فإنه كان من مارية القبطية.

 

صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -:

كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فخمًا مفخمًا، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، ليس بالطويل ولا بالقصير، عظيم الهامة، شعره رجل بين الجعودة والسبوطة، فيه تكسير قليل، وافر يجاوز شحمه أذنيه. واسع الجبين، له نور يعلوه، كثيف اللحية، شديد سواد العين، سهل الخدين، ورقيق الأسنان، بين أسنانه فتحات، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم رؤوس العظام، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، رحب الراحة، أملس القدمين ليس فيهما تكسر ولا شقاق، سريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من منحدر، وإذا التفت التفت كله.

 

منطقه - صلى الله عليه وسلم -:

كان - صلى الله عليه وسلم - دائم الفكر، ليست له راحة، لا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يتكلم بجوامع الكلم، يعظم النعمة وإن كانت صغيرة، لا يذم منها شيئًا ولا يمدحه، لا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، معظم ضحكه أن يبتسم.

 

دخوله - صلى الله عليه وسلم -:

كان (إذا دخل منزله قسم دخوله ثلاثة أجزاء، جزءًا لله، وجزءًا لأهله، وجزءًا لنفسه، ثم جزء جزءه بينه وبين الناس، فرد ذلك على العامة والخاصة، لا يدخل عنهم شيئًا.

 

مجلسه - صلى الله عليه وسلم -:

كان - صلى الله عليه وسلم - لا يجلس ولا يقوم إلا ذاكرًا لله - تعالى -، يجلس حيث انتهى به المجلس، يعطي كل جلساته نصيبًا، لا يرى في مجلسه أكرم منه، لا ينصرف من كان معه، من سأله حاجة لا يردَّه إلا بها، فإن لم يجد فبكلمة طيبة، كل الناس عنده في مجلسه سواء، فمجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تذكر فيه العيوب، وكان في مجلسه دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب، ولا فحاش ولا عياب، ولا كثير المزاح، يتغافل عما لا يشتهي.

وكان - صلى الله عليه وسلم - في مجلسه يترك الناس من ثلاث: أن لا يذم أحدًا ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، يضحك إذا ضحك الحاضرون ويتعجب مما يتعجبون، ويصبر على الغريب على قسوته في كلامه ومسألته، ولا يقطع على أحد حديثه.

 

سكوته - صلى الله عليه وسلم -:

كان سكوته - صلى الله عليه وسلم - على أربع: الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكير، فأما تقديره ففي تسويته النظر والاستماع بين الناس، وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى، وجُمع له - صلى الله عليه وسلم - الحلم والصبر، فكان لا يغضبه شيء إلا إذا انتهكت محارم الله.

 

طعامه - صلى الله عليه وسلم -:

كان - صلى الله عليه وسلم - لا يرد من الطعام ما وجد، ولا يتكلف في طلب ما فقد، فما قرب إليه أكله، وإن عافته نفسه لا يعيبه وتركه، فكان - صلى الله عليه وسلم - يأكل ما تيسر، فإن لم يجد ما يأكله صبر، فكان يضع من الجوع على بطنه الحجر، ويمر الهلال بعد الهلال ولا يوقد في بيته نار، كانت الأرض سفرته، يضع عليها طعامه، وكان يأكل بثلاث أصابع وهو أشرف ما يكون في الأكل، فإن المتكبر يأكل بأصبع واحدة، والجشع يأكل بخمس.

وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يأكل متكئًا، وكان يسمي الله - تعالى - أول الطعام، وبحمده آخره فيقول: \"الحمد لله حمدًا طيباً مباركًا فيه غير مكفى ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا\" [البخاري].

 

شربه - صلى الله عليه وسلم -:

كان- صلى الله عليه وسلم - يسمّي الله قبل الشرب، ويحمده بعده، وكان أكثر شربه قاعدًا، بل نهى عن الشرب قائمًا، وشرب مرة قائمًا، ليبين أنه يجوز لك إذا كان لحاجة أو عذر، وكان إذا شرب ناول من على يمينه، حتى لو كان من على يساره أكبر منه، لأنه- صلى الله عليه وسلم - يحب التيامن في كل شيء.

 

نومه - صلى الله عليه وسلم -:

كان - صلى الله عليه وسلم - ينام على الفراش تارة، وعلى الحصير تارة، وعلى الأرض تارة، وعلى السرير تارة، فعن عباد بن تميم عن عمه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستلقيًا في المسجد واضعًا إحدى رجليه على الأخرى\" [متفق عليه]، وكان فراشه مصنوعًا من جلد قد حشي ليفًا، وكان إذا أراد النوم جمع كفيه ثم ينفث فيهما، ثم يقرأ فيهما (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه، ووجهه، وباقي جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. [أبو داود والترمذي].

وكان ينام على جنبه الأيمن، ويضع يده اليمنى تحت خده، ثم يقول: \"اللهمَّ قني عذابك يوم تبعث عبادك\" [أبو داود والترمذي]، وكان يقول إذا أوى إلى فراشه: \"الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي\" [مسلم والترمذي].

وكان ينام أول الليل، ويقوم آخره، وربما سهر أول الليل في مصالح المسلمين، وكانت عينه تنام، ولا ينام قلبه، وكان إذا نام لم يوقظوه حتى يكون هو الذي يستيقظ، وكان إذا نام بالليل، اضطجع على جنبه الأيمن، وإذا نام قبيل الصبح نصب ذراعه، ووضع رأسه على كفه. [الترمذي].

 

ركوبه - صلى الله عليه وسلم -:

كان - صلى الله عليه وسلم - يركب الخيل والإبل والبغال والحمير، وكان يركب وحده، وربما أردف غيره خلفه على البعير، وكان أكثر ما يركب الخيل والإبل، ولم يكن عنده إلا بغلة واحدة، أهديت له.

 

بيعه وشراؤه - صلى الله عليه وسلم -:

كان - صلى الله عليه وسلم - يبيع ويشتري، وكان شراؤه أكثر من بيعه وخاصة بعد النبوة، ولا يحفظ له بعد الهجرة بيع إلا نادرًا.

وآجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستأجر، وكان استئجاره أكثر من إيجاره، وإنما يحفظ عنه أنه أجر نفسه قبل النبوة في رعاية الغنم، وأجر نفسه من خديجة في سفره بمال إلى الشام.

وشارك - صلى الله عليه وسلم - غيره في التجارة، واستدان برهن وبغير رهن، واستعار من غيره أشياء، واشترى حالاً ومؤجلاً.

 

معاملته - صلى الله عليه وسلم -:

كان - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس معاملة للناس، فكان إذا تسلف شيئا قضى خيرًا منه، فقد جاءه رجل يتقاضاه بعيراً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"أعطوه\". فقالوا: لا نجد إلا سنًّا أفضل من سنِّه، فقال الرجل: أوفيتني أوفاك الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"أعطوه، فإن من خيار الناس أحسنهم قضاء\" [متفق عليه]، وكان إذا قضى ما استلفه دعا لمن سلفه، فقال: \"بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الحمد والأداء\" [أحمد والنسائي وابن ماجة].

وكان سمحًا لمن تقاضاه، فقد جاءه رجل يتقاضاه، وأغلظ له القول، فهمَّ عمر بن الخطاب أن يضربه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"مه يا عمر كنت أحوج إلى أن تأمرني بالوفاء، وكان أحوج إلى أن تأمره بالصبر\" [الحاكم].

 

أمور فطرته - صلى الله عليه وسلم -:

كان - صلى الله عليه وسلم - يعجبه التيامن في كل شيء في ترجله وطهوره وأخذه وعطائه، وكان يجعل اليمين لطعامه وشرابه وطهوره، ويساره لخلائه، وغير ذلك من إزالة الأذى.

الحلق: وكان يحب أن يحلق الرأس كله، أو يترك كله، وكان يكره أن يحلق بعضه، ويترك بعضه.

السواك: وكان يحب السواك، وكان يستاك مفطرًا وصائمًا، وكان يستعمل السواك في أحيان كثيرة، فكان يستاك عند النوم، وعند الوضوء، وعند الصلاة، وعند دخول المنزل، وكان يستاك بعود الأراك.

الطيب: وكان - صلى الله عليه وسلم - يحب الطيب ويكثر منه، وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يردٌّ الطيب، فقد ورد عنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: \"من عرض عليه طيب فلا يرده\" [مسلم].

وكان - صلى الله عليه وسلم - يكتحل، وكان - صلى الله عليه وسلم - يختضب، وقد سئل جابر بن سمرة -رضي الله عنه- أكان في رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - شيب؟ قال: لم يكن في رأسه شيب إلا شعرات في مفرق رأسه إذا ادهن واراهُنَّ الدهن، وكان يسرح شعره ويزينه أحيانًا، وتزينه وتسرحه عائشة -رضي الله عنها- أحيانًا أخرى.

قص الشارب: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقص شاربه، فعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"من لم يأخذ من شاربه، فليس منَّا\" [النسائي والترمذي].

وقد جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقتًا لا يترك بعده قص الشارب، فعن أنس قال: وقت لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في قص الشارب وتقليم الأظفار، ألا نترك أكثر من أربعين يومًا وليلة\". [مسلم والترمذي والنسائي]

 

ضحكه وبكاؤه - صلى الله عليه وسلم -:

كان ضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - تبسمًا لا قهقهة، وكان يضحك مما يضحك منه الناس، ويضحك مما يتعجب من مثله، ويستغرب وقوعه، أو يكون شيئًا نادرًا الوقوع.

وأما بكاؤه فكان حاله كحال الضحك، لا يرفع فيه صوتًا، ولكن كانت عيناه تدمع، ويسمع لصدره أزيز، وكان بكاؤه تارة رحمة للميت، وتارة خوفًا من الله، وتارة خوفًا وشفقة على أمته، وكان يبكي عند سماع القرآن، وبكى عند وفاة ابنه إبراهيم، فلما سئل عن ذلك، قال - صلى الله عليه وسلم -: \"تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون\" [متفق عليه].

 

خطبته - صلى الله عليه وسلم -:

خطب الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الأرض، وعلى المنبر، وعلى البعير، وعلى الناقة، وكان له جذع نخلة يخطب عليه حتى صنع له منبر، وكان إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، كأنه منذر جيش.

وكان إذا صعد المنبر أقبل على الناس بوجهه وقال: \"السلام عليكم\" وكان يختم خطبته بالاستغفار، وكثيرًا ما كان يخطب بالقرآن، فعن أم هشام بنت حارثة، قالت: \" ما أخذت (ق والقرآن المجيد) إلا عن لسان رسول الله (يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس\" [مسلم والنسائي وأبو داود].

وكان - صلى الله عليه وسلم - يراعي حالة المخاطبين ومصلحتهم، وكان يفتتح خطبته بالحمد والثناء، ويتشهد فيها بالشهادة، ويذكر فيها نفسه باسمه \"محمد\" - صلى الله عليه وسلم -، وكان إذا قام يخطب أخذ عصا، فتوكأ عليها وهو على المنبر وكان منبره ثلاث درجات فإذا استوى عليه، واستقبل الناس، أذن المؤذن ولم يقل شيئًا قبله ولا بعده، ولا يتكلم أحد أثناء خطبته.

وكان إذا عرض له في خطبته شيء عارض، اشتغل به، ثم رجع إلى خطبته، فقد كان يخطب ذات مرة الناس، فجاء الحسن والحسين يعثران في قميصين أحمرين. فقطع كلامه، فنزل، فحملهما، ثم عاد إلى منبره.

وكان خطبته قد تطول أو تقصر بحسب حاجة الناس، ومراعاة أحوالهم، وكانت خطبته العارضة أطول من خطبته الراتبة.

 

لبسه - صلى الله عليه وسلم -:

لم يتقيد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بلبس نوع معين من الثياب، فقد كان يلبس ما تيسر له من اللباس، سواء أكان من الصوف أو القطن أو الكتان، وقد لبس الرسول - صلى الله عليه وسلم - البرود اليمانية، والبرد الأخضر، ولبس الجبة، والقباء، والقميص، والسراويل، والرداء، والخف، وأرخى الذؤابة من خلفه تارة، وتركها تارة.

وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - إذا لبس ثوبًا جديدًا أن يقول: \"اللهمَّ أنت كسوتني هذا القميص أو الرداء أو العمامة، أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره، وشر ما صنع له\" [أبو داود والترمذي وأحمد].

 

مزاحه - صلى الله عليه وسلم -:

اشتهر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يمازح أزواجه، ويمازح أصحابه، وكثيرًا ما كان يمازح الأطفال والصبيان، فقد روى أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى لرجل من أصحابه كان يبيع متاعه في السوق، فاحتضنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يبصره الرجل، فقال الرجل: أرسلني، من هذا؟ فالتفت، فعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره لصدر الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين عرفه، وجعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: \"من يشتري العبد؟ \" فقال: يا رسول الله، إذن والله تجدني كاسدًا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: \"ولكن عند الله لست بكاسد، أو قال: ولكن أنت عند الله - تعالى -غالب\" [أحمد]. وكثيراً ما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يمازح الحسن والحسين -رضي الله عنهما-، ويحملهما على ظهره.

 

خلقه - صلى الله عليه وسلم -:

كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقًا، فكان كما قال الله له: (وإنك لعلى خلق عظيم) [القلم: 4]، وقد سئلت السيدة عائشة -رضي الله عنه- عن خلق رسول الله (فقالت: كان أحسن الناس خلقًا، كان خلقه القرآن، يرضى لرضاه، ويغضب لغضبه، لم يكن فاحشًا ولا متفحشًا، ولا سخابًا في الأسواق، ولا يجزئ بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، ثم قالت: اقرأ سورة المؤمنين، اقرأ (قد أفلح المؤمنون) إلى العشر، فقرأ السائل قد أفلح المؤمنون، فقالت: هكذا كان خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [مسلم والترمذي]، بل جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غاية الرسالة إتمام الأخلاق الحميدة: فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"إنما جئت لأتمم صالح الأخلاق\" [أحمد].

وكان - صلى الله عليه وسلم - لين المعاملة حتى مع خدمه، وكان متباسطًا، فقد كانت الأمة لتأخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما ينزع يده من يدها حتى تذهب حيث شاءت، ويجيب إذا دعا. [البخاري وأحمد]

وكان- صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس تعليمًا، وأرفق الناس عند نصح أو تعليم الغير. وكان - صلى الله عليه وسلم - يخاطب الناس على قدر عقولهم.

 

حلمه وعفوه - صلى الله عليه وسلم -:

كان - صلى الله عليه وسلم - أكثر الناس حلمًا، وقد قال له ربه - عز وجل -: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) [الأعراف: 199].

ولما نزلت هذه الآية، سأل الرسول- صلى الله عليه وسلم - جبريل عنها، فقال: لا أدري فصعد ثم نزل، فقال: يا محمد، إن الله- تبارك وتعالى - أمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك\" [ابن مردويه]. لذلك عفا - صلى الله عليه وسلم - عن أهل مكة عندما فتحها، على الرغم مما فعلوه معه. وحلم الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان فيما يتعلق بحق نفسه - صلى الله عليه وسلم -، أما إذا كان الحق لله، فإنما كان يتعامل بالشدةº لقول الله له: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) [التحريم: 9].

 

حياؤه - صلى الله عليه وسلم -:

اشتهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحياء، حتى كان الصحابة يعرفون ذلك في وجهه، فعن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئًا عرفناه في وجهه. [متفق عليه] وكان من حيائه - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يسأل من شيء إلا أعطى. [عبد بن حميد].

 

رحمته وشفقته - صلى الله عليه وسلم -:

وصف الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالرحمة، فقال - تعالى -: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) [الأنبياء: 107]، ومن رحمته - صلى الله عليه وسلم - أنه كان كثير الدعاء لأمته. وعرف عنه - صلى الله عليه وسلم - رحمته بالصغار، وكان يخفف صلاته بالناس إذا سمع بكاء طفل رحمة بأمه.

وعرف عنه - صلى الله عليه وسلم - الرحمة والشفقة بالنساء، وأوصى بهن خيرًا.

 

تواضعه - صلى الله عليه وسلم -:

أمر الله - تعالى -رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالتواضع، فقال له: (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) [الشعراء: 215].

وقد اشتهر عنه - صلى الله عليه وسلم - التواضع، فكان- صلى الله عليه وسلم - يركب الحمار، ويلبس الصوف، ويعقل الشاة، ويجيب الضعيف والمسكين إلى الطعام [الحاكم]. ومن تواضعه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان ينقل التراب يوم الأحزاب، وقد وارى التراب بياض إبطه. [البخاري].

وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا سار مع أصحابه لا يسير أمامهم، بل يسير وسطهم أو خلفهم. [أحمد]، وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يرد دعوة إنسان، بل كان يقول - صلى الله عليه وسلم -: \"لو دعيت إلى كراع لأجبت\" [الخطيب]. وكان - صلى الله عليه وسلم - لا تغلق دونه لأبواب، ولا يقوم دونه الحجاب، فكان يقوم لكل من أراده، ويقضي حاجة من يطلب منه المساعدة.

 

وكان من تواضعه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يمر على الصبيان، فيسلم عليهم. ولما دخل - صلى الله عليه وسلم - مكة منتصرًا، دخلها وهو راكب دابته، وذقنه على رحله متخشعًا. [الحاكم]. وكان رسول الله (إذا استقبله الرجل وصافحه، لا ينـزع يده عن يده، حتى يكون الرجل هو الذي ينـزع، ولا يصرف وجهه عن وجهه، حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه، ولم ير مقدمًا ركبتيه بين يدي جليس له.

[الترمذي وابن ماجة].

وكان من تواضعه - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يحب الثناء الكثير عليه، ولا يحب أن يقوم إليه أحد.

 

شجاعته - صلى الله عليه وسلم -:

فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق الناس نحو الصوت، فتلقاهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - راجعًا، وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة عرى، في عنقه السيف، وهو يقول: \" لم تراعوا، لم تراعوا، ما وجدت من شيء\" [ابن سعد].

وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أشجع ما يكون في الحرب والقتال، فكان يثبت إذا فرَّ الناس، وقد كان الصحابة يعرفون شجاعة النبي- صلى الله عليه وسلم -، بل كانوا يحتمون به وقت الشدة.

 

كرمه وجوده - صلى الله عليه وسلم -:

اشتهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجود والكرم، وما سئل- صلى الله عليه وسلم -، فقال لا. [متفق عليه]

وقد امتدح الشاعر الفرزدق النبي - صلى الله عليه وسلم - في كرمه وجوده فقال:

ما قال لا قطٌّ إلا في تشهٌّده * * *  لولا التشهد كانت لاؤه نعمُ

وعن أنس -رضي الله عنه- قال: ما سئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم - شيئًا إلا أعطاه، ولقد جاءه رجل فأعطاه غنمًا بين جبلين، فرجع إلى أهله، فقال: يا قوم، أسلموا، فإن محمدًا- صلى الله عليه وسلم - يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة، وإن كان الرجل ليجئ إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم - وما يريد بذلك إلا الدنيا، فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه من الدنيا وما فيها. [مسلم].

 

خوفه وخشيته - صلى الله عليه وسلم -:

كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شديد الخشية لله، تقول عائشة -رضي الله عنها-: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستجمعًا قط ضاحكًا، حتى ترى لهواته، إنما كان يتبسم.

وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة الإنسان (هل أتى) حتى ختمها، ثم قال: \"إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطّت السماء، وحقَّ لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدًا لله، لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيرًا، وما تلذذتم، بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله - تعالى -، والله إني لوددت أني شجرة تعضد\" [الحاكم].

 

شمائله - صلى الله عليه وسلم -:

كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض المعجزات والبركات، منها تكثير الماء بين يديه - صلى الله عليه وسلم -، فقد أوتي - صلى الله عليه وسلم - بإناء فيه ماء، فوضع فيه يده، وجاء الصحابة فتوضئوا منه، وكانوا أكثر من ثلاثمائة، ومنها تكثير اللبن في الإناء كما حدث مع أبي هريرة -رضي الله عنه- وأهل الصُفَّة، وكم من مرة وضع يده على شاة لا تحلب فحلبت، وسيرته في تكثير الماء والطعام من أن تحصى، بل كان الطعام والشراب يسبحان بين يديه - صلى الله عليه وسلم -، وقد سمع الصحابة التسبيح.

ولما اتخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - منبرًا، وترك جذع النخلة الذي كان يخطب عليه، حنَّ الجذع إليه، وصاح صياح الصبي حتى تصدع وانشق، فاحتضنه الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

[أحمد والترمذي].

وقد سبح الحصى في يديه، فسمع الصحابة له صوتا كصوت النحل، ثم وضعه في كف أبي بكر فسبح، ثم في كف عمر، ثم في كف عثمان، فسبح. [الطبراني والبيهقي].

وقد وقف الرسول (ومعه العشرة المبشرون بالجنة على جبل حراء، ففرح الجبل، فأمره الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يثبت ويهدأ. [البخاري].

ولما دخل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مكة عند فتحها، وكان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا، فأشار إلى كل صنم بعصا، وقال: (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) [الإسراء: 81]، فكان كل صنم يسقط دون أن يلمسه الرسول- صلى الله عليه وسلم - بالعصا. [متفق عليه]

وكان للنبي - صلى الله عليه وسلم - معجزات مع الحيوانات، فقد هاج جمل عند حائط من حوائط بني النجار، لا يستطيع أحد أن يمسكه، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونادى الجمل، فأتى إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبرك بين يديه. [مسلم]

وجاءه - صلى الله عليه وسلم - جمل، قد جرح، وذرفت عيناه، فمسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رأسه إلى سنامه، فسكن الجمل، ثم قال لصاحبه: \"أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكتها، إنه شكا إلى أنك تجيعه وتدئبه\" [أحمد ومسلم].

واشتكى علي بن أبي طالب إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجع عينيه، وكان الرسول- صلى الله عليه وسلم - قد أراد أن يعطيه راية خيبر، فبصق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عينيه، ودعا له، فشفي حتى كأن لم يكن به مرض. [متفق عليه]

 

خصائصه - صلى الله عليه وسلم -:

وقد اختص الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - بكثير من الخصائص، أهمها: أن الله قد أخذ الميثاق على النبيين أن يؤمنوا به وينصروه ويبشروا به أممهم، وقد جاء وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الكتب السابقة، كما وصف أصحابه أيضا، كما أن الملائكة أظلته في سفره - صلى الله عليه وسلم -، وأنه- صلى الله عليه وسلم - أرجع الناس عقلاً، وأنه رأى جبريل - عليه السلام - مرتين.

وخصه بأنه خاتم الأنبياء، وسيد الناس، وأكرم الخلق، وأنه بعث للناس كافة، وأن الجن آمنت به وأنه أرسل رحمة للعالمين، وأن شرعه مؤبد غير منسوخ، وأنه ناسخ لما قبله من الشرائع، وأنه نصر بالرعب مسيرة شهر، وأنه من صلى عليه مرة، صلى الله عليه به عشرا، وأن صلاة أمته تبلغه هو في قبره، وأنه أوتي جوامع الكلم، وجمع الله له القبلتين، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وشرح له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره.

وخصه الله دون الأنبياء بأشياء أهمها:إحلال الغنائم له، والأرض كله مسجد، والتراب طهور، وغير ذلك من الخصائص التي لا تعد ولا تحصى، مما اختص الله - سبحانه وتعالى - به نبيه

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply