حصاد الخير من سمات هذا الحصاد


 

بسم الله الرحمن الرحيم

إنه يغوص في أعماق مسيرة هذا الدين، ويستعرض ماضيها وحاضرها، وآمالها وآلامها، وطموحاتها وإخفاقاتها، حتى يستخرج منها الدروس والعبر، فيبني على ضوئها خطة هادفة، أو يُنجز مشروعا مباركا، يخدمان هذه المسيرة في صناعة الحاضر، واستشراف المستقبل.

ورحم الله الأستاذ سيد قطب لما قالها واختارها عنوانا لكتابه « في التاريخ فكرة ومنهاج».

 

أنوار من آية الهجرة

لقد فاضت كتب المؤرخين والسير في الحديث عن هجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما فيها من دروس وعبر، ولكن القرآن العظيم لخّصها وتناولها في آية واحدة، استوعبت في توجيهاتها ودلالاتها كل زمان، وكل مكان، وكل جيل الى يوم الدين.

وكأني بكل قارئ يقرأها في أيامنا هذه يشعر بأنّها تخاطبنا نحن، وتقرع قلوبنا وأسماعنا الآن...الآن {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم} (التوبة: 40).

ولنا معها وقفات أربع بإذن الله - تعالى -.

الأولى: لقد عاتب الله - جل وعلا - بهذه الآية الكريمة خير من أقلّت الأرض وأظلت السماء بعد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، إنهم الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم، محذّرا إياهم من التخلّف أو التثاقل عن نصرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد جاءت هذه الآية في سياق الحديث عن غزوة تبوك.

فالله - عز وجل - أيّد رسوله - صلى الله عليه وسلم - ونصره، حيث لم يكن معه إلا صاحبه مع كثرة الأعداء، فنصره إياه في ذلك اليوم وفي الحاضر وفي المستقبل حاصل بإذنه - تعالى -، فلا يفوته شيء، ولا يعجزه شيء جل جلاله.

إذا هو نموذج الهجرة يبقى ماثلا أمام كل الأجيال المؤمنة، التي أحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسارت على نهجه ودعوته الى قيام الساعة، تبدأه الآية الكريمة بالعتاب والتهديد لمن سوّلت له نفسه التثاقل عن نصرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيّا وميّتا، وإن مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن دعوته باقية خالدة ما دامت السماوات والأرض، والله - جل وعلا - حافظها وناصرها!!.

وإن تثاقل جيل عن نصرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد هانوا على الله - جل وعلا -، وعندها فإن سنة الله - تعالى -تقضي بإستبدالهم بخير منهم ثم لا يكونوا أمثالهم، لقوله - تعالى -: {وإن تتولّوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} (محمد: 38).

الثانية: يؤكد ربنا - جل وعلا - على نصره لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولصاحبه - رضي الله عنه - وهما في الغار، رغم ضيقه وصعوبة الوصول إليه، وإنها ليست مصادفة أن تكون إنطلاقة بناء الدولة من الغار (غار ثور)، وإن إنطلاقة الدعوة كانت من الغار «غار حراء»، فإنه قدر الله، وما أعجب قدر الله وما أحكمه!!.

فيا أحباب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويا أتباع دعوته، أينما كنتم اطمئنوا وأبشروا ولا تهنوا ولا تحزنوا، واعلموا أنه إذا ضاقت عليكم الأرض بما رحبت، وأصبح العالم كله كقرية صغيرة، وأنتم قليل مستضعفون في الأرض يتخطفكم الناس من كل حدب وصوب، فتذكّروا معيّة الله - تعالى -وتأييده كما أنه - جل وعلا - كان مع رسوله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}، ويعلق إبن القيم الجوزية - رحمه الله - عليها فيقول: «فيها إشارة إلى أن من صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به بقلبه وعمله، وإن لم يصحبه ببدنه فإن الله معه»، فهلمّوا الى نصرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأقوال والأعمال، فإنها الصحبة الصحبة!!.

الثالثة: وإنها بُشرى أخرى من الله العزيز الحكيم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولعباده المؤمنين، وإنها بمثابة عهد ووعد من الله - جل وعلا - بأن كلمة الكفر هي السفلى، وهي مغلوبة مقهورة، وان كثرت الحناجر والأبواق والأجهزة الإعلامية التي تصرخ بها وتهتف بها.

وإن كلمة الله، كلمة «لا إله إلا الله»، ودعوة التوحيد، ودعوة الإسلام هي العليا، وصوتها هو الأعلى، وإن اجتمعت جهود الأعداء والخصوم البعيدة والقريبة على حبسها وكبتها أو التشويش عليها!!.

لذلك قال ربنا - جل وعلا - {وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا} فتُقرأ كلمة الله بالرفع، للتأكيد على أن كلمة الله هي العليا دائما وأبدا، وهي باقية خالدة هكذا الى يوم الدين، بينما تُقرأ كلمة الذين كفروا بالفتح، وسبقها الفعل {جعل} للتأكيد على أن كلمة الكفر الى نزول والى هبوط وإلى زوال، وإن ارتفعت في بعض الظروف والأحيان!!.

وأخيرا: أحبتي، ونحن نعيش في ظلال هذه الآية، ونحيا مع نفحاتها وبشرياتها، لنرفع الهمم ولنشحذ العزائم ولنحظ بشرف النصرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالقرآن العظيم وآياته لكل زمان ومكان، وخطابه يتجدد في كل حين، لا سيّما وأن حملات التشويه والنّيل من شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيرته العطرة بشكل خاص ما زالت مستمرة، وتزداد يوما بعد يوم، وآخرها ما يدور في دولتي الدنمارك والنرويج.

وإن حلات التضييق والإعتقال والقتل ما زالت مستمرة وتزداد يوما بعد يوم لأتباع دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وإن أفضل ما نواجه به هذه الحملات الغاشمة والظالمة الإعتزاز بدعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والإفتخار بالإنتساب الى أمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والعمل الدؤوب على نصرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كل موقف، وفي كل ميدان، ولسان حالنا ومقالنا يقول لكل حاسد وحاقد على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة {قل موتوا بغيظكم.. }!!.

 

نموذج بحاجة الى تجديد!!

رحم الله الشيخ بديع الزمان سعيد النورسي رحمة واسعة، نذر نفسه جهادا في سبيل الله، ونصرة لرسالة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وكانت البداية من خلال تصريح غلاوستون رئيس وزراء بريطانيا عندما صرّح وكشف عن حقده وكيده لكتاب الله في مجلس العموم البريطاني وقالها: «لن يقر لنا قرار ما دام هذا الكتاب بين أيديهم».

فأثرت هذه العبارة في نفس الشيخ بديع الزمان، فقال من يومها: «لقد نذرت نفسي للقرآن وتعليمه»، وفعلا أخذ يجوب تركيا بكل مدنها وقراها وأريافها، داعية الى الله - جل وعلا -، مع أنّه نصف أميّ، ولكنّه الصدق والإخلاص في نصرة الدين والقرآن، حتى وصل به الأمر إلى أن يؤلف 130رسالة، سميت «رسائل النور» في الدفاع عن القرآن وفي نشر دعوة الإسلام، وكان لها الأثر الى يومنا هذا بإذن الله - تعالى -في نصرة الدين أمام تلك الهجمة الإلحادية التي قادها كمال أتاتورك.

اللهم انصر دعوة رسول الله.

واحفظ دعوة رسول الله.

واجعلنا ممّن ينصر دعوة رسول الله في كل وقت وحين، يا ناصر المستضعفين، يا ذا الجلال والإكرام.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply