عام الحزن:
وبعد فك الحصار توفي عمه أبو طالب الذي كان يذبّ عنه ويحوطه ويحامي عليه، ثم توفّيت زوجته خديجة - رضي الله عنها - التي كانت تسري عنه همومه وتهون عليه أتعابه، فسُمِّيَ ذلك العام عام حزن، وخلصت قريش وسفهاؤها إلى أذى للنبي - صلى الله عليه وسلم - بما كانت لا تصنعه في حياة عمّه.
الإسراء والمعراج
ثم كانت حادثة الإسراء والمعراج كما رواها مسلم في صحيحه عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((أُتِيتُ بِالبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبيَضُ طَوِيلٌ فَوقَ الحِمَارِ وَدُونَ البَغلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِندَ مُنتَهَى طَرفِهِ قَالَ فَرَكِبتُهُ حَتَّى أَتَيتُ بَيتَ المَقدِسِ قَالَ فَرَبَطتُهُ بِالحَلقَةِ الَّتِي يَربِطُ بِهِ الأنبِيَاءُ قَالَ ثُمَّ دَخَلتُ المَسجِدَ فَصَلَّيتُ فِيهِ رَكعَتَينِ ثُمَّ خَرَجتُ فَجَاءَنِي جِبرِيلُ - عليه السلام - بِإِنَاءٍ, مِن خَمرٍ, وَإِنَاءٍ, مِن لَبَنٍ, فَاختَرتُ اللَّبَنَ فَقَالَ: جِبرِيلُ - صلى الله عليه وسلم - اختَرتَ الفِطرَةَ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ فَاستَفتَحَ جِبرِيلُ فَقِيلَ: مَن أَنتَ قَالَ: جِبرِيلُ قِيلَ: وَمَن مَعَكَ قَالَ: مُحَمَّدٌ قِيلَ: وَقَد بُعِثَ إِلَيهِ قَالَ: قَد بُعِثَ إِلَيهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيرٍ, - ثم عرج به إلى السموات فلقي فيها الأنبياء، ولقي موسى في السماء السادسة قال - ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاستَفتَحَ جِبرِيلُ فَقِيلَ: مَن هَذَا قَالَ: جِبرِيلُ قِيلَ: وَمَن مَعَكَ قَالَ: مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - قِيلَ: وَقَد بُعِثَ إِلَيهِ قَالَ: قَد بُعِثَ إِلَيهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبرَاهِيمَ - صلى الله عليه وسلم - مُسنِدًا ظَهرَهُ إِلَى البَيتِ المَعمُورِ وَإِذَا هُوَ يَدخُلُهُ كُلَّ يَومٍ, سَبعُونَ أَلفَ مَلَكٍ, لا يَعُودُونَ إِلَيهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدرَةِ المُنتَهَى وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الفِيَلَةِ وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالقِلالِ قَالَ فَلَمَّا غَشِيَهَا مِن أَمرِ اللَّهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَت فَمَا أَحَدٌ مِن خَلقِ اللَّهِ يَستَطِيعُ أَن يَنعَتَهَا مِن حُسنِهَا فَأَوحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوحَى فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمسِينَ صَلاةً فِي كُلِّ يَومٍ, وَلَيلَةٍ, فَنَزَلتُ إِلَى مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبٌّكَ عَلَى أُمَّتِكَ قُلتُ: خَمسِينَ صَلاةً قَالَ: ارجِع إِلَى رَبِّكَ فَاسأَلهُ التَّخفِيفَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَإِنِّي قَد بَلَوتُ بَنِي إِسرَائِيلَ وَخَبَرتُهُم قَالَ: فَرَجَعتُ إِلَى رَبِّي فَقُلتُ: يَا رَبِّ خَفِّف عَلَى أُمَّتِي فَحَطَّ عَنِّي خَمسًا فَرَجَعتُ إِلَى مُوسَى فَقُلتُ: حَطَّ عَنِّي خَمسًا قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَارجِع إِلَى رَبِّكَ فَاسأَلهُ التَّخفِيفَ قَالَ: فَلَم أَزَل أَرجِعُ بَينَ رَبِّي- تبارك وتعالى- وَبَينَ مُوسَى - عليه السلام - حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمسُ صَلَوَاتٍ, كُلَّ يَومٍ, وَلَيلَةٍ, لِكُلِّ صَلاةٍ, عَشرٌ فَذَلِكَ خَمسُونَ صَلاةً وَمَن هَمَّ بِحَسَنَةٍ, فَلَم يَعمَلهَا كُتِبَت لَهُ حَسَنَةً فَإِن عَمِلَهَا كُتِبَت لَهُ عَشرًا وَمَن هَمَّ بِسَيِّئَةٍ, فَلَم يَعمَلهَا لَم تُكتَب شَيئًا فَإِن عَمِلَهَا كُتِبَت سَيِّئَةً وَاحِدَةً قَالَ: فَنَزَلتُ حَتَّى انتَهَيتُ إِلَى مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - فَأَخبَرتُهُ فَقَالَ: ارجِع إِلَى رَبِّكَ فَاسأَلهُ التَّخفِيفَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: فَقُلتُ: قَد رَجَعتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى استَحيَيتُ مِنهُ)).
ومن هنا تعلم أهمية الصلاة فقد فرضت من بين أركان الإسلام في السّماء السّابعة فأصبحت الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين وأصبحت قُرَّة عين النبي - صلى الله عليه وسلم -. روي عَن أَنَسٍ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدٌّنيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَ قُرَّةُ عَينِي فِي الصَّلاةِ)).
فكان يصلي ويطيل القيام حتى انتفخت قدماه الشريفتان كما روى مسلم في صحيحه عَنِ المُغِيرَةِ بنِ شُعبَةَ: ((أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صلى حَتَّى انتَفَخَت قَدَمَاهُ فَقِيلَ لَهُ: أَتَكَلَّفُ هَذَا وَقَد غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ: أَفَلا أَكُونُ عَبدًا شَكُورًا)).
وكان يسمع لصدره وهو في الصلاة أزيز من البكاء، كما روى أبو داود والترمذي وابن ماجة عن ثَابِتٍ, عَن مُطَرِّفٍ, عَن أَبِيهِ قَالَ: (رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَفِي صَدرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الرَّحَى مِنَ البُكَاءِ - صلى الله عليه وسلم -).
ولما حدّث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشاً بالإسراء والمعراج كذّبوه واستهزؤوا به وانطلقوا إلى أبي بكر الصديق ظانّين أنه سيشكّ في صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقالوا: إن صاحبك يخبر أنه أتى بيت المقدس وصعد إلى السماء في ليلة واحدة! فقال الصديق: لأن كان قاله فقد صدق.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد