من المعلوم أن حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إيمان، وبغضه كفر ونفاق، وقد قال - تعالى -: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُم تَهتَدُونَ)[لأعراف: من الآية158] وعَن أَنَسٍ, رضي الله - تعالى -عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم -: \"لَا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيهِ مِن وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ\" متفق عليه.
إن الإيمان برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوجب علينا أموراً كثيرة منها: اتّباعه، والدعوة إلى سنته، ومحبته، والدفاع عنه في حياته، وبعد مماته، وقد أغضب المسلمين جميعاً ما أوردته جريدة (جلاندز بوستن) الدانمركية من رسومات لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، تصفه بالعنف والإرهاب، ومنها يظهر عداؤهم لهذا الدين وأهله، واحتقارهم للمسلمين أجمعين، وقد قام كثير من العلماء وطلبة العلم والتجار والغيورين على دينهم ونبيهم وأمتهم كلٌ فيما يقدر عليه، ورأيت أن أدلي بدلوي في الذبّ عن عرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي كيف لا وأهل الحديث هم أولى الناس به، وأقربهم صلة بكلامه وهديه، وأعلمهم بسيرته وشخصيته، لذا رأيت أن أضع يدي على أيديهم، وأضم جهدي إلى جهودهم، وأن أقوم ببيان ما يلزم عموم المسلمين في جميع أنحاء العالم دون تحديد للدفاع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما ينبغي لهم فعله حيال هذا الأمر الجلل، وقد رأيت أن عملية الدفاع عنه ينبغي أن تسير في اتجاهين متوازيين:
أحدهما: متعلق بدولة الدنمركº للحكومة والجريدة، وللشركات والمؤسسات.
والثاني: متعلق بالمسلمين من ولاة، وعلماء، ودعاة، وتجار، ووسائل إعلام، ولعموم الناس دون استثناء.
أما العمل المتعلق بدولة الدنمرك فيكون بأمور منها:
- إرسال الوفود إلى السفارات الدانمركية في جميع أنحاء العالم، ومقابلة السفير أو القنصل، أو أي مسؤول في السفارة، وإعلامه باستياء المسلمين واستنكارهم لهذا العمل، وتسليمه خطابات الاستنكار.
- إرسال برقيات وفاكسات وإيميلات الاستنكار إلى ديوان ملكتهم، وإلى وزارة الخارجية، والى السفارات الدنمركية، والى الجريدة التي نشرت الصور.
- إبلاغ شركاتهم بأن العالم الإسلامي كله سيقاطعها، كما سيقاطع منتجاتهم وصادراتهم بأنواعها...
- التعاون مع المسلمين في بلاد الدنمرك سواء الأصليين أو الوافدين والمهاجرين إليهم في أمور منها:
- البحث في أنظمتهم وقوانينهم لعل فيها ما يجرّم تلك الأفعال الشنيعة.
- رفع قضايا عليهم في محاكمهم، والاستعانة بالمحامين المتمكنين في بلدهم.
- الكتابة في صحفهم ببيان أثر تلك الصور، ومدى الاستياء والغضب الذي أحدثته في نفوس المسلمين، وأثره الكبير على شعبهم وشركاتهم واقتصادهم، وعلى مستقبل علاقاتهم مع العالم الإسلامي.
- إشعار مفكريهم وكتابهم وعقلائهم - وحتى رجل الشارع عندهم - أن تلك الصور والتهم التي وصفوا بها نبينا قد أغضبت عليهم أكثر من مليار مسلم، وأن هذا الغضب أمر طبعيº فلو كتب عن عيسى - عليه السلام - مثل ذلك فهل سيسكتون ويرضون؟ بل لو كتب عن ملكتهم أو رئيس وزرائهم مثل ذلك هل سيغضبون؟ أو يقولون إنها حرية شخصية!
- مقابلة رجال الدين عندهم - من رهبان وقسس وغيرهم - وإبلاغهم بخطورة هذه القضية وشناعتها، فلعل فيهم عقلاء، وأهل عدل وحق يدفع الله بهم مثل هذا الأمر.
- إقامة الندوات واللقاءات والمحاضرات للدفاع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإبراز خصائصه ومزاياه، وتعريف الناس جميعاً بسيرته وبراءته مما نسبه إليه المبطلون.
أما العمل المتعلق بالمسلمين عموماً:
فقد رأيت أن يكون محور كلامي في الدفاع عنه هو \"محبته\" - صلى الله عليه وسلم - المقتضية لبذل المسلم ما في وسعه دفاعاً عن نبيه وحبيبه، سواء برد دعاوى الخصوم، أو شبه الأعداء، أو تحمل ما يستطيعه المرء منا من خسارة مال، أو ذهاب مصالح، أوترك مرغوبات أو محبوبات في سبيل إظهار محبتنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدعوانا محبته واتّباعه تقتضي ذلك، وقد قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: \"لَا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيهِ مِن وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ\" متفق عليه، و بناءً على هذه المحبة أتوجه بكلامي هذا إلى كل مسلم في أرض الله الواسعة، ليس في السعودية أو في العالم العربي أو الإسلامي فحسب، بل في كل أصقاع المعمورة، وأخص به من كان والياً أو مسؤولاً أو تاجراً أو عاملاً أو مواطناً عادياً، كل بحسب موقعه، وعلى مبلغ وسعه وطاقته، وأبدأ أولاً بولاة الأمر في أنحاء العالم الإسلامي الذين أكرمهم الله بالولاية على المسلمين فأطلب إليهم أن يرسلوا برقيات الشجب والاستنكار - إلى حكومة الدنمرك لهذه الرسومات الشنيعة، التي نشرتها جريدة (جلاندز بوستن) والتي تضمنت إهانة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ووصفاً له بما هو منه براء، وكذلك:
- طلب محاكمة من قام بذلك، وإنزال أشد العقوبات عليه، وأن تعتذر الصحيفة والحكومة للمسلمين عامة عما بدر منهم من إهانة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، و لأمة الإسلام قاطبة.
- أن يبلغ ولاةُ أمر المسلمين سفاراتهم في الخارج بالاتصال بوزارة الخارجية الدانمركية وإبلاغها باستياء المسلمين من هذا الفعل الشنيع.
- حث الدول الإسلامية على قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدنمرك ما لم تعتذر تلك الصحيفة والدولة عن هذه الإساءة، وإلا على أقل تقدير يمكنهم سحب سفرائهم أو استدعاؤهم للمشاورة كما يقولون عادة.
- على جميع المنظمات والجمعيات والمجالس المختلفة في بلدان العالم الإسلامي أن تستنكر هذا الأمر علناً، وأن ترسل البرقيات والخطابات إلى المسؤولين في دولة الدنمرك.
- على العلماء أن يلقوا المحاضرات والدروس، ويعقدوا اللقاءات والمؤتمرات، ويبينوا للناس خطر التهاون بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأن الغضب لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - من مقتضيات الإيمان بالله ورسوله، وهو من النصح لله ولرسوله ولكتابه الذي قال فيه - صلى الله عليه وسلم -: \"الدين النصيحة\".
- على وسائل الإعلام من صحف ومجلات، ومحطات فضائية متنوعة أن تقوم بواجبها في الدفاع عن رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فأين استنكارها لهذا الحدث الأليم؟ وأين اللقاءات والمقابلات والبرامج التي تستنكر وتبين وتدافع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
إنني أدعو كل المحطات الإذاعية والتلفازية، وكل الصحف والمجلات، والمواقع الإلكترونية أن تقوم بواجبها، وأن تظهر سخطها وغضبها على ما حصل من تلك الصحيفة، ماذا يكلفها هذا الأمر؟ إنهم إن فعلوا ذلك كانوا هم الرابحين في الدنيا، إن كانت الدنيا همهم، ففي طرح الموضوع شهرة ورواج لهم، و هم من الرابحين في الآخرة إن كان هدفهم الدفاع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
- وعلى عموم الناس أن يستنكروا هذا الأمر، ويخبروا به أولادهم وأهليهم، وأقرباءهم وذويهم، وأن تبدأ الحكومات والشعوب، والشركات والمؤسسات، والأفراد والجماعات كلهم جميعاً في مقاطعة كل المنتجات والشركات الدانمركية، فيمكننا أن نعيش من دونها، وكل ما أنتجوه مما هو في الأسواق له بديل أفضل منه، أو مثله أو أقل منه، وعلينا أن نستشعر أن مقاطعتنا لبضائعهم وشركاتهم وكل ما يفيدهم ما هو إلا حباً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودفاعاً عنه وعن دينه وأمته.
ألا يهون علينا أن نترك بعض ما نشتهي حباً وإكراماً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
هل لا بد أن نشرب حليب (النيدو) أو (أنكور) وليس غيره من أنواع الحليب؟
وهل لا بد أن نأكل زبدة (لورباك) وليس أي زبدة أخرى وطنية أو مستوردة؟
وهل حب هذه المنتجات أعظم عندنا من حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
لك أن توازن أخي المسلم - بين حب هذه المرغوبات وبين حب رسول - صلى الله عليه وسلم -؟ وبعدها تقيس إيمانك وتقواك ومحبتك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فترى أيها أمكن في نفسك؟ وأيها أغلى وأعظم عندك؟
لقد راجعت أسماء كل الأطعمة والمنتجات المستوردة من دولة الدنمرك فوجدت لكل منها بديلاً عنه، بل بدائل كثيرة متنوعة، وربما كان أكثرها خيراً منها، ومع ذلك فلا بد أن نصبر عن شيء مما نشتهيه إكراماً لمن ندّعي أنه عندنا أحب إلينا من أنفسنا ومن أهلينا ومن الناس أجمعين.
إن المقاطعة لمنتجاتهم من الحرية التي قالتها محكمتهم في أن الصحيفة حرة في نشر ما تراه، وكذلك نحن أحرار أيضاً في مقاطعة ما نشاء من البضائع والمنتجات والشركات والأعمال... فالحرية مكفولة للجميع، ولكن:
هل نحن أحرار في سب أنبيائهم وملوكهم ورؤسائهم؟
الجواب: لا
ليس لنا أن نسب أنبياءهم ورسلهمº لأن الله - تعالى- أوجب علينا الإيمان بأنبيائهم ومحبتهم، بل جعله من تمام الإيمان بالله - تعالى -، وذلك أن جبريل لما سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان قال له: \"الإِيمَانُ: أَن تُؤمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَبِلِقَائِهِ، وَرُسُلِهِ\" وموسى وعيسى من رسل الله وأنبيائه.
وليس لنا أيضاً أن نسب ملوكهم وكبارهم لأن الله - تعالى -يقول: (وَلا تَسُبٌّوا الَّذِينَ يَدعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبٌّوا اللَّهَ عَدواً بِغَيرِ عِلمٍ, كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ, عَمَلَهُم ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَرجِعُهُم فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ) [الأنعام: 108].
فنحن نربأ بهم أن يقولوا أو يقروا مثل هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي جاء بالإسلام، والسلام، ولقد كان أرحم الخلق بالخلق، وقد وصفه الله بذلك فقال: (وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلَّا رَحمَةً لِلعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107]. وكان من خلقه - صلى الله عليه وسلم - عدم السب أو الشتم، فعَن أَنَسٍ, رضي الله - تعالى -عنه قَالَ: \"لَم يَكُن رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاحِشًا وَلَا لَعَّانًا وَلَا سَبَّابًا... \"
وَكَانَ يَقُولُ: \"إِنَّ مِن خِيَارِكُم أَحسَنَكُم أَخلَاقًا\" فهل من حسن الخلق أن تسب وتشتم، أو أن تتهم غيرك بما ليس فيه؟
إن من حسن الخلق الذي أوصانا به نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن نحسن إلى من أساء إلينا، وأن نعفو عمن ظلمنا، ففي الحديث الصحيح عن عُقبَةَ بنِ عَامِرٍ, رضي الله - تعالى -عنه أنه قال له: \"صِل مَن قَطَعَكَ وَأَعطِ مَن حَرَمَكَ وَاعفُ عَمَّن ظَلَمَكَ\".
وإذا لم يكن لنا أن نسب أو أن نشتم من سبنا وشتمنا فليس لنا أيضاً أن نعتدي عليه، أو أن نظلمه أو نسلبه حقاً من حقوقه، بل أمرنا الله - تعالى -بالعدل والقسط حتى مع الأعداء، ونهانا عن الظلم والجور، قال - تعالى -: (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالقِسطِ وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ, عَلَى أَلَّا تَعدِلُوا اعدِلُوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ) [المائدة: 8].
فعلينا أن نلتزم بالحق والعدل، وأن لا يحملنا ظلم أولئك واعتداؤهم على نبينا أن نظلمهم أو أن نعتدي عليهم لا بالقول ولا بالفعل.
وأخيراً يمكننا أن نستثمر هذه القضية في صالح الإسلام والمسلمين، وذلك بالتعريف به، وإظهار محاسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصفته ورحمته بالخلق، والتأكيد على أن دين الإسلام دين الرحمة والمحبة والسلام، ليس إرهاباً ولا عنفاً ولا تطرفاً، بل دين وسط واعتدال، لا يجبر أحداً على الدخول فيه، ولا يُظلم في ظله أحد أو يُعتدى عليه، بل يحكم فيه بالعدل والقسط حتى مع الأعداء.
وبعد هذا كله علينا أن لا نيأس من جدوى مقاطعتنا لبضائعهم ومنتجاتهم، سواء استجابوا لمطالبنا، وقدموا الصحيفة لمحاكمة عادلة، تنصفنا منهم وتلزمهم بالاعتذار إلى المسلمين كافة، أو لم يفعلوا، فيكفينا أننا انتصرنا لرسولنا، وتبرّأنا منهم ومن عملهم، ورددنا كيدهم في نحورهم، وقمنا بما يمكننا عمله، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
هذا ما تيسر ذكره في هذا المقام، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد