عاشرا: الهجرةُ ومبدأ الشورى.
كلَّنا نعرفُ أن قريشاً اجتمعت في دارِ الندوة، وتشاوروا كيف يفعلونَ بالرسولِ - صلى الله عليه وسلم -؟ نعم..تآمروا واختلفوا في الرأي، لكنهم اتفقوا على أن يجتمعَ عددٌ من أمزاعِ القبائلِ وأفرادها ليقتلوا الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - فيَضِيعُ دمُه بين القبائلِ.
ما أشبهَ الليلةَ بالبارحة، وما أقربَ عِلاقةَ الماضي بالحاضرِ والحاضرِ بالماضيº أعداءُ الله جادونَ لحربِ دينِ الله، جادون لحربِ الدعاة، كما كان أولئكَ جادينَ في دارِ الندوة، فقط.. اختلفتِ الأدوارُ واتفقتِ الأهدافُ، اختلفتِ الوسائلُ واتفقتِ الغايات.
كما أجد أن كفارَ قريشٍ, في دارِ الندوةِ يشعٌّون حماساً لإنهاءِ هذه الدعوةِ المحمديةِ، أجد واللهِ أعداءَ الله يتطايرُ النومُ من أعينِهم حماساً لحربِ الدعاةِ وحربِ الإسلام، أجدُ أن الدعاةَ يفتقرونَ إلى شيءٍ, مما نجده عندَ أعداءِ اللهِ وهو الحماسُ لدعوتهِم ومبادئِهم، والتخطيطِ البعيدِ المستمر، كفارُ قريشٍ, جلسوا يتشاورون ويعقدون ويتآمرون، والسؤال المهم الذي ينبغي أن نستفيده: هلِِ المسلمونَ يتشاورونَ فيما يتعلقُ بأمورِ دينهم وعقيدتهم؟ هل يلتقونَ ليتدارسوا أوضاعَ المؤامراتِ على هذه العقيدة، وعلى هذا الدينِ؟ كفارُ قريش في دارِ الندوة، وكفارُ العصرِ الحاضرِ في دورٍ, كثيرةٍ,، يتشاورونَ ويخططونَ، والمسلمونَ نائمون، كفار قريش في دار الندوة سلكوا السبيل الذي يحقق لهم أهدافهم، وبنفس القوةِ وبنفسِ المنطقِ أعداءُ الإسلام في العصر الحاضر يسلكونَ السبيلَ ذاتَه، ولهذا فإن الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - علاجا للمشكلة التي مرَّ بها والمؤامرة التي حلت به واجه التخطيطَ بالتخطيط، والقوةَ بالقوة، والحكمة بالحكمة، والأسلوبَ بالأسلوب.
الحادي عشر: الهجرةُ والتخطيط.
إن التخطيطَ للهجرةِ من أعظم الدروس التي نستفيدُها في دعوتنا، مأساة كثيرٍ, من المسلمين بل مأساةُ الدعاة أن التخطيطَ لديهم فيه ضعفٌ كبير، إن لم أقل: إنه لا يوجد لدى الكثيرِ منهم أبدا مفهومُ التخطيط، لديهمُ الإعدادُ الضعيف، بينما نجده في الهجرةِ يتمثَّل في أشياءَ كثيرة، يتمثل في الاستعدادِ المبكرِ من الرسولِ - صلى الله عليه وسلم -، يتمثلُ التخطيطُ في تهيئةِ أبي بكرٍ, - رضي الله عنه - لذلك، حيثُ جلس كما في الصحيحِ أربعةَ أشهرٍ, ينتظرُ الهجرةَ معَ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - ويهيئُ الراحلةَ، نجدُ التخطيطَ في إقامةِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - عليا مكانه، وعندما بدأت مراحلُ الهجرةº جاءَ التخطيطُ الدقيقُ في خُطُوَات، وانتبهوا إلى هذه الخطوات وهذا التخطيط:
أولا: الانتقالُ إلى غارِ ثورٍ,، ولماذا اختارَ النبيُ - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكرٍ, هذا الغار؟ نعم. اختارا هذا الغارَ ليخالفوا ما أرادت إليه قريش، فاتجهوا جنوبا.
ثانيا: توزيعُ الأدوار، فعبدُ اللهِ بنُ أبي بكرٍ, يأتي بالأخبار، وعامرُ بنُ فهيرةَ يأتي بالغنمِ ليحلبوا ويشربوا، ويغطي آثارَ عبدِ اللهِ بنِ أبي بكر، وأسماءُ تأتي بالطعام، وعبدُ اللهِ بنُ أُرَيقِط يَستَعِدُ للانطلاقِ بهم بعدَ ثلاثِ ليال، أرأيتم كيفَ أنه ترتيبٌ محكمٌ دقيقٌ مخططٌ له، فهل نحن عندما نريد أن نُقدمَ على أي أمرٍ, من أمورِ الدعوةº نستعدٌّ لذلك؟ نخططٌّ له، نُجيدُ تحديدَ المراحل، المؤسفُ أن الواحدَ منا إذا أراد أن يَعمُرَ بيتاº جَلسَ يُخططُ عدةَ أشهرٍ,، نعم.. إذا أقبل على أمرٍ, من أمورِ الدنياº خطَّطَ ورتبَ واستعدَ، ولكن في أمورِ الدعوة في أمورِ الإسلام فإنه يَخبِطُ خبطَ عشواء، ومن هنا جاءتِ النتائجُ السلبيةُ والنتائجُ السيئةُ لكثيرٍ, من الدعواتِ وكثيرٍ, من الحركاتِº لأنهم يتحركونَ بدونِ تخطيطِ، يتحركونَ بدونِ دراسةٍ, للواقع، وبدونِ حسابٍ, للمستقبلº حسبَ الأسبابِ التي شرعها الله - سبحانه وتعالى -، وهذا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يا أحبابي، وهو رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُخططُ تخطيطاً بشريًا دقيقا، يخططُ ليستفيدَ الدعاةُ من هذه التجربةِ، إنها دروس، فهل نستفيد منها؟
تذكرتُ وفكرتُ في كثيرٍ, من النكباتِ التي حلَّت بكثيرٍ, من الجماعاتِ الإسلاميةِ في كثيرٍ, من الدول، ووجدتُ أن مِن أهمِّ أسبابِها ضعفُ التخطيطِ لمقابلةِ أعداءِ الله، فالمسلمُ كَيِّسٌ فطن، فلا يُقدِم على أمرٍ, إلا بعد أن يكونَ قد قلَّبَ جميعَ الأمور، وأخذَ بجميعِ الوسائلِ والأسباب، وهذا الدرسُ واضحٌ وجليٌ وعظيمٌ في سيرةِ الرسول - صلى الله عليه وسلم -، تخطيطٌ محكمٌ دقيقٌ، لا تجدُ فيه ثغرةً من الثغراتِ، فسبحانَ الله! ما أحوجنا إلى أن نقفَ أمامَ هذا الأمرِ العظيمº لتستفيدَ منه الأجيالُ بعد الأجيالِ، فإلى متى والمسلمونَ يتخبَّطونَ في أمورهم؟ إلى متي ونحن أبناءُ الصُدفةِ، وأبناءُ العواطفِ؟ فقط عواطفُ تهيجُ ثم تخبوا، فأين الجِدٌّ؟ أين العزيمة؟ أين الوُضوح؟ فالأمرُ من الجدِّية بمكان، ثم نقول بعد ذلك ونتفاخر \" النصر من عند الله \"؟! نعم، بلا شكٍ,: النصرُ من عند الله، ولكن لا بُدَّ من الأخذِ بالأسباب، لا بُدَّ من الأخذِ بالوسائلِ المشروعة، فأين هذا من واقعنا؟ أليس لنا في سيرةِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - عبرة؟ أليس لنا فيه عِظة؟ بدأ وحيدا - صلى الله عليه وسلم - وبالرقمِ القياسيِ بدأت الدعوةُ في ازيادٍ, شيئا فشيئا، حتى قامت دولةُ الإسلام.. أيها الأحباب:
أكرر فأقول: لا مكانَ للفوضى في هذا العصر، بل لا مكانَ للفوضى في حياةِ المسلم أبدا، فكلُ واحدٍ, منا يحاسبُ نفسه ولو من زاويةٍ, ضيقةٍ,، ألسنا نعيشُ فوضى داخلَ حياتِنا الخاصةِ اليومية، هل كلُ واحدٍ, منا ينظِّمُ وقتَه تنظيماً دقيقا؟ هل كلُ واحدٍ, منا يعيشُ هَمَّ هذه الدعوة، ويفكِّرُ لها ليلَ نهار؟ ثم ماذا عمِلَ إن كانَ فكَّرَ ورتَّبَ لذلك؟ والله لا عُذر لنا أمامَ الله - سبحانه وتعالى - فيما نرى من المصائبِ والمشكلات.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد