الفوائد الجنية من الهجرة النبوية ( 6 )


  

بسم الله الرحمن الرحيم

 رابعا: الثبات على المبدأ.

إن الله - تعالى -خلقَ الخلق ليعرفوه ويعبُدُوهُ، ونصبَ لهم الأدلةَ الدالةَ على كبريائهِ وعظمته ليهابُوه، وقد اقتضت حكمتُه - سبحانه وتعالى - أن جعلَ الابتلاءَ سنةً من سننِ اللهِ الكونيةِ، وأن المرءَ بحاجةٍ, إلى تمحيصٍ, ومراجعةٍ, حتى يتميَّزَ الخبيثُ من الطيبِ، والمؤمنُ من غيرهº فالسعيدُ من اعتصم بالله، وأناب ورجعَ إلى الله، والمؤمنُ الصادقُ ثابتٌ في السراءِ والضراءِ \" الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُم لا يُفتَنُونَ * وَلَقَد فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَنَّ الكَاذِبِينَ \" \" أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الـجَنَّةَ وَلَـمَّا يَأتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوا مِن قَبلِكُم مَّسَّتهُمُ البَأسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصرُ اللَّهِ أَلا إنَّ نَصرَ اللَّهِ قَرِيبٌ \"

إن هجرةَ النبيِ - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينةِ كشفت لنا معالمَ في الشدةِ والرخاءِ، والعسرِ واليسر، وأبانت لنا عن معادنِ النفوسِ، وطبائعِ القلوبº ومن عَلِمَ حكمةَ الله في تصريفِ الأمور، وجريانِ الأقدارِ فلن يجدَ اليأسُ إلى قلبه سبيلاً، ومهما أظلمتِ المسالكُ وتتابعتِ الخطوبُ وتكاثرتِ النكباتُº فلن يزدادَ إلا ثباتاًº فالإنسانُ إلى ربه راجع، والمؤمنُ بإيمانه مستمسكٌ وبأقدار الله مسلِّم، وإن من معالمِ هذه الهجرةِ النبويةِ المباركة: الثباتُ على المبدأ، الثباتُ على الدينِ والاستقامةُ عليه، ذلك أن الثباتَ على دينِ اللهِ والاعتصامَ به يدلُ دلالةً قاطعةً على سلامةِ الإيمانِ، وحسنِ الإسلامِ وصحةِ اليقين.

إن الثباتَ على دينِ الله خُلُقٌ عظيمٌ، ومعنى جميل، له في نفسِ الإنسانِ الثابتِ وفيمن حولَه من الناسِ مؤثراتٌ مهمةٌ تفعل فِعلَها، وتؤثرُ أَثَرَهَا، وفيه جوانبُ من الأهميةِ الفائقةِ في تربيةِ الفردِ والمجتمع.

إن صفةَ الثباتِ على الإسلامِ والاستمرارِ على منهجِ الحق نعمةٌ عظيمةٌ حبا الله بها أولياءَه وصفوةَ خلقه، وامتنَّ عليهم بها، فقال مخاطباً عبدَه ورسولَه محمداً - صلى الله عليه وسلم - \" وَلَولا أَن ثَبَّتنَاكَ لَقَد كِدتَّ تَركَنُ إلَيهِم شَيئًا قَلِيلاً \"

إن الثباتَ على دينِ الله دليلٌ على سلامةِ المنهجِ، وداعيةٌ إلى الثقةِ به، وهو ضريبةُ النصرِ والتمكينِ والطريقِ الموصلةِ إلى المجدِ والرفعةِ، ألم تروا كيف ثبتَ - صلى الله عليه وسلم - في دعوتِه قبلَ الهجرة وبعدَها؟ ألم تروا كيف مُكِّن وأُعزَّ ونُصِرَ بسبب ثباته على مبدأه صلوات ربي وسلامه عليه..؟

إن الثباتَ طريقٌ لتحقيقِ الأهدافِ العظيمةِ، والغاياتِ النبيلةِº فالإنسانُ الراغبُ في تعبيدِ الناسِ لربِ العالمين والعاملُ على رفعةِ دينه وإعلاءِ رايتِه لا غِنَى له عن الثبات.

إن الثباتَ يعني الاستقامةَ على الهدى، والتمسكَ بالتقى، وقَسرَ النفسِ على سلوكِ طريقِ الحقِ والخير، والبُعدِ عن الذنوبِ والمعاصي وصوارفِ الهوى والشيطان.

إنَّ مما يُعينُ على الثباتِ أمامَ الفتنِ والابتلاءاتِ صحةُ الإيمانِ وصلابةُ الدينِº فكلَّمَا كانَ الإنسانُ قوياً في إيمانه، صلباً في دينه، صادقاً مع ربه، كلما ازدادَ ثباتُه، وقَوِيَت عزيمتُه وثبتَت حُجتُه، وحَسبُكَ أن صاحبَ الهجرةِ محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو ربه ويسألُه الثبات \" اللهم إني أسألك الثباتَ في الأمرِ، والعزيمةَ على الرشد\"

إن الثباتَ على الدينِ مطلبٌ عظيمٌ ورئيسٌ لكلِ مسلمٍ, صادقٍ, يحبُ الله ورسولَه - صلى الله عليه وسلم -، ويريدُ سلوكَ طريقِ الحقِ والاستقامةِ بعزيمةٍ, ورشد، والأمةُ الإسلاميةُ اليومَ أحوجُ ما تكونُ إلى الثباتِ خاصةً وهي تموجُ بأنواعِ الفتنِ والمغريات وأصنافِ الشهوات والشبهات، فضلاً عن تداعي الأممِ عليها، وطَمَعِ الأعداءِ فيها ومما لا شك فيه أن حاجةَ المسلمِ اليومَ لعواملِ الثباتِ أعظمُ من حاجةِ أخيه المسلمِ إلى ذلك في القرونِ السالفة وذلك لكثرةِ الفسادِ ونُدرَةِ الإخوان، وضَعفِ المُعين، وقِلةِ الناصح والناصر، والله المستعان.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply