الفوائد الجنية من الهجرة النبوية ( 4 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

ثانيا: المدينة النبوية، التأسيس والتوطين..!

وهذه قضيةٌ مهمةٌ، وهي أنه لا بُدَّ أن يكونَ للفئةِ المسلمةِ موطنٌ أو موضعٌ تتأسسُ فيه وتتربى عليه، وتستطيعُ أن تمارسَ من خلالِه عمليةَ التغيير، وقد كان هذا في دارِ الأرقمِ بنِ أبي الأرقمَ قبلَ الهجرةِ، فقد كان موطنُ بناءٍ, وتعليمٍ, وإرشادٍ, وغرسٍ, للعقيدةِ وبناءٍ, للإسلام في النفوسِ، وتجميعٍ, للصفوف ومعرفةٍ, لواقع الباطلِ والجاهليةِ، وهذا التجمعُ هو الذي كان يحرِّكُ دعوةَ الإسلامِ حتى أذن الله بالهجرةِ فكان التأسيسُ والتوطينُ في صورةِ دولةٍ, وفي صورةِ مجتمعٍ, متكاملٍ, في مهَاجَرِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.

لقد كانَ هدفُ النبيِ - صلى الله عليه وسلم - من هجرتهِ إلى المدينةِ إيجادُ موطئ قدم للدعوة هناك حتى تَنعُمَ بالأمنِ والاستقرار، حتى تستطيعَ أن تَبنِي نفسَهَا من الداخلِ وتَنطَلِقَ لتحقيقِ أهدافِها في الخارجِ، ولقد كان هذا الهدفُ أملاً وحلُما يراودُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - \"رأيتُ في المنامِ أني أهاجرُ من مكةَ إلى أرضٍ, بها نخلٌ، فذهب ظني إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي يثرب \"

 

كان هدفُ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - من الهجرةِ تكثيرُ الأنصارِ وإيجاد رأيٍ, عامٍ, مؤَيِّدٍ, للدعوةِ، لأن وجودَ ذلكَ يوفرُ على الدعوةِ الكثيرَ من الجهودِ ويُذَلِّلُ في طريقِها الكثيرَ من الصِعاب، والمجالُ الخَصبُ الذي تَتَحققُ فيه الأهدافُ والمُنطَلَقُ الذي تَنطَلِقُ منه الطاقاتُ هو في المدينة، ولهذا حرِصَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبعثَ مصعبَ بنَ عميرٍ, أولَ سفيرٍ, في الإسلام، حرِص - صلى الله عليه وسلم - أن يرسله ليكونَ سفيرَه إلى المدينةِ ليعلِّمَ الأنصارَ الإسلامَ وينشرَ دعوةَ الله فيها، ولمّا اطمأنَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى وجودِ رأيٍ, عامٍ, مؤَيِّدٍ, للدعوةِ في المدينة حثّ أصحابَه إلى الهجرةِ إليها وقال لهم \"هاجروا إلى يثرب، فقد جعلَ الله لكم فيها إخواناً وداراً تأمنونَ بها \"

لقد كان هدفُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - من الهجرةِ استكمالُ الهيكلِ التنظيميِ للدعوةِ، فقد كان صعباً أن يكونَ الرسولُ القائدُ في مكةَ، والأنصارُ والمهاجرونَ في المدينة، صعبٌ أن يكونَ المعلمُ في مكةَ والتلاميذُ بعيدونَ عنه في المدينة، ولهذا هاجرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ليكونَ بين ظهرَاَني أتباعِه، لأن الجماعةَ بدونِ قائدٍ, كالجسدِ بلا رأسٍ,، ولأنَّ تحقيقَ أهدافِ الإسلامِ الكبرى لا يتمٌّ إلا بوجودِ جماعةٍ, مؤمنةٍ, منظَمَةٍ,، تُغَذِّ السيرَ إلى أهدافِها بخُطًى وئيدةٍ, وطيدةٍ, متينةٍ,.

فما أحوجَ المسلمينَ اليومَ إلى هجرةٍ, نحو الله ورسولِه، هجرةٍ, إلى الله بالتمسكِ بحبله المتينِ وتحكيمِ شرعهِ القويم وهجرةٍ, إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - باتباعِ سنته، والاقتداءِ بسيرته، فإن فعلوا ذلك فقد بدأوا السيرَ في الطريقِ الصحيحِ وبدأوا يأخذونَ بأسبابِ النصرِ، وما النصرُ إلى مِن عندِ الله، ويسألونكَ متى هو؟ قل عسى أن يكونَ قريباً.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply