أسلوب الرسول - صلى الله عليه وسلم - في دعوته أهل الكتاب


  

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة:

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وأشهد أن لا إله إلا الله خصنا بخير كتاب أنزل، وأكرمنا بخير نبي أرسل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين.

كان الرسول يختار في تعليمه من الأساليب أحسنها وأفضلها، وأوقعها في نفس المخاطب وأقربها إلى فهمه وعقله، وأشدها تثبيتاً للعلم في ذهن المخاطب، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلوِّن الحديث لأصحابه ألواناً كثيرة، فتارة يكون سائلاً وتارة يكون مجيباً، وتارة يجيب السائل بقدر سؤاله، ويزيد على ما سأل، وتارة يضرب المثل لمن يريد تعليمه، وتارة يصحب كلامه القسم بالله - تعالى -ليؤكد ما يقوله، وتارة يلفت السائل عن سؤاله لحكمة بالغة منه، وتارة يعلِّم بطريق الكتابة، وتارة بطريق الرسم، وتارة بطريق التشبيه أو التصريح.

و كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يورد الشبهة ليذكر جوابها، وتارة يسلك سبيل المداعبة والمحاجاة فيما يعلمه، وتارة يمهد لما يشاء تعليمه وبيانه تمهيداً لطيفاً لما يريد بيانه، وتارة يسلك سبيل المقايسة بين الأشياء، وتارة يشير إلى عللها لذكر جوابها، وتارة يسأل أصحابه وهو يعلم ليمتحنهم بذلك، وتارة يسألهم ليرشدهم إلى موضع الجواب، وتارة يلقي إليهم العلم قبل السؤال.

إن دعوة غير المسلمين وخاصة أهل الكتاب يجب أن تكون مؤثرة وبأساليب متعددة، لأن بعض الناس قد لا يستجيب للدعوة إلا أن يرى شيئاً عظيماً يجعله يقف مبهوراً معجبا، شيئاً يشده إلى الإسلام شداً ويجعله يعيد حساباته.

إن ملكة سبأ كانت تعبد الشمس هي وقومها عندما دعاها سليمان - عليه السلام - إلى الإسلام، ولكنها أبت إلا أن تنقاد مع اعترافها بضعفها أمام قوة سليمان وجنوده، ولكن عندما دخلت الصرح وحسبته لجة: (قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين) (سورة النمل الآية 144).

لقد عرضت عليها مظاهر القوة الخارقة لتؤثر على قلبها وتقودها إلى الإيمان.

و لكن في الإسلام ليس الأصل هو المعجزات المادية، وإن جاءت عفواً وإكراماً فلا بأس. وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يعتمد في دعوته إلى الله على المعجزات المادية، بل على معجزة القرآن فقط.

إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - اتخذ أساليباً متعددة مع أهل الكتاب في دعوتهم للدخول في الإسلام، وقد شملت دعوته، الدعوة باللسان حيث أقام الأدلة القاطعة على إرساله لهم، وأقام عليهم الحجة حين حاولوا غير مرة تعجيزه بأسئلة يوجهونها إليه ويجيبهم فيها وفق أسئلتهم.

و كان - صلى الله عليه وسلم - تارة يرغبهم في الإسلام ويبين لهم محاسنه، وتارة يرهبهم ويحذرهم،.و كان من جملة أساليبه - صلى الله عليه وسلم - في دعوته أهل الكتاب أنه - صلى الله عليه وسلم - دعاهم دعوة خاصة، وكان يظهر لهم حلمه وصفحه ويظهر لهم المعجزة، ويعرِّفهم موافقة القرآن لما في التوراة، وموافقة أهل الكتاب فيما ليس فيه نص، وإباحته ذبائح أهل الكتاب ونسائهم، وقبول الهدية من أهل الكتاب، ووصيته - صلى الله عليه وسلم - على أهل الذمة، وإخبار اليهود بما ينتظرهم من عذاب.

 

أهمية البحث:

أولاً: إظهار سماحة الإسلام وتعايشه مع الأديان الأخرى.

ثانياً: تعريف إخواننا المسلمين كيفية معاملة أهل الكتاب وبخاصة في السودان ونحن نستشرف السلام.

ثالثاً: إظهار أن الإسلام لم يفرض بالقوة على أهل الكتاب.

 

مشكلة البحث:

تتلخص مشكلة البحث في مفهوم كثير من المسلمين في محدودية التعامل مع أهل الكتاب والكف عن دعوتهم إلى الدخول في الإسلام رغم اختلاطهم في العمل في السكن. وأردت بهذا البحث توضيح المنهج الشرعي في كيفية التعامل مع أهل الكتاب ودعوتهم إلى الإسلام أسوة بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك الرد على أعداء الإسلام في أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أدخل الناس في الإسلام عن طريق القوة.

 

خطة البحث:

يتكون البحث من مقدمة وتمهيد ومبحثين وخاتمة وفهرس للمصادر والمراجع.

 

تمهيد:

(أهل الكتاب) كلمة تطلق على كل من يدين باليهودية أو النصرانية ولو لم يكن من أصل بني إسرائيل الذين أنزلت على رسلهم التوراة والإنجيل. قال - تعالى -: (قل يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون)(سورة آل عمران- 107).

قال سعيد بن جبير - رحمه الله -: عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: (كان محمد - صلى الله عليه وسلم - رحمة لجميع الناس، فمن آمن به وصدق به سعد، ومن لم يؤمن به سلم مما لحق الأمم من الخسف والغرق)[1]

و قال - تعالى -: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) (سورة الأعراف- جزء من الآية158).

و عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهورا، وأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصلي، وأحلت لي الغنائم، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة، وأعطيت الشفاعة). [2]

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply