العلاقة بين القائد وأتباعه يشوبها بين الفينة والأخرى شيء من الوهن والضعفº فهي كالشجرة تحتاج إلى رعاية وعناية وحماية، أما إذا تُركت وأُهملت، وتعامل أهلها معها معاملة رتيبة، وساذجة، ومملة فإنها حينئذ يذهب عنها اخضرارها، ويظهر اصفرارها واسودادها، حتى تصبح هشيماً تذروه الرياح.
والقائد الفطن هو من يبذل كل ما في وسعه وطاقتهº بغية حماية هذه الشجرة من الآفات والأمراضº فهو كالمزارع اليقظ الذي كرّس حياته لأجل زراعتهº فضحّى بوقته وراحته، حتى يجني ثمارها، ويسوِّق بضاعته، «وعند الصباح يحمد القوم السٌّرى»!
وكنت قبل فترة ليست بالقصيرة أتأمل ما حدث بعد قسمة غنائم هوازن يوم انتصر المسلمون في معركة حنينº فتعجبت من شدة حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على علاقته بأنصاره وأصحابه. وإليكم سياق القصة:
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: لما أصاب رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الغنائمَ يوم حنين، وقسّم للمتأَلفين من قريش وسائر العرب ما قسم، ولم يكن في الأنصار منها شــيء قليل ولا كثير، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى قال قائلهم: لقي واللهِ رسول الله قومه. فمشى سعد بن عبادة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم. فقال: «فِيمَ؟ » قال: فِيمَ كان من قسمك هذه الغنائم في قومك وفي سائر العرب، ولم يكن فيهم من ذلك شــيء، فقال رســـول اللـه - صلى الله عليه وسلم -: «فأين أنت مـن ذلك يا سعد؟ » قال: ما أنا إلا أمرؤ من قومي، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة، فإذا اجتمعوا فأعلمني! »، فخرج سعد فصرخ فيهم، فجمعهم في تلك الحظيرة، فجاء رجل من المهاجرين فأذن له، فدخلوا وجاء آخرون فردهم حتى إذا لم يبق من الأنصار أحد إلا اجتمع له أتاه، فقال: يا رسول الله! قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، حيث أمرتني أن أجمعهمº فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام فيهم خطيباً: فحمد الله وأثنــى عليــه بما هــو أهـله، ثم قال: «يا معشر الأنصار! ألم آتكم ضُلاَّلاً فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداءً فألف الله بين قلوبكــم؟ »: قالوا: بلى! ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا تجيبون يا معشر الأنصار؟! » قالوا: وماذا نقول يا رسول الله، وبماذا نجيبك؟ المنّ لله ولرسوله. قال: «والله! لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدّقتم: جئتنا طريداً فآويناك، وعائلاً فآسيناك، وخائفاً فأمَّنَّاك، ومخذولاً فنصرناك»، فقالوا: المنٌّ لله ولرسوله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أوَجدتم في نفوسكم يا معشر الأنصار في لُعاعة من الدنيا تألَّفت بها قوماً أسلموا، ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الإسلام، أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير، وتذهبون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رحالكم؟ فوالذي نفسي بيده لو أن الناس سلكوا شُعباً، وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار! ولولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار! » قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا بالله رباً وبرسوله قَسَماً، ثم انصرف وتفرقوا(1).
* الوقفة الأولى: كرم بلا حدود:
إنه كرم النبي - صلى الله عليه وسلم - وجوده المنقطع النظير، بل السهل الممتنع، ذلك الكرم الذي يصل إلى حد أن يعطي الرسول - صلى الله عليه وسلم - الرحيم بأمته مئات من الإبل لأفراد لم يقاسوا بعدُ مشقات الطريق، ولم تُخبَر بعدُ مواقفهم، بل إنّ منهم من سقط في أول اختبار له في حنين، ولكنها الحكمة النبويـة الرائعـةº فالمال عنـد القائد الرباني لا يعني شيئاًº لأنه ليس من أرباب الأموال الذين تتمايل نفوسهم وراء الدينار والدرهم، وترحل معها حيث رحلتº فهذا القائد يعطي متى ما كان معه شيء، ولو كان ثوبه الذي يلبسهº فعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ببردة، فقالت: يا رسول الله! أكسوك هذهº فأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلبسها، فرآها عليه رجـل مــن الصحابة فقال: يا رســول الله! ما أحسن هذه! فأكسُنيها، فقال: «نعم! »(1).
ويَعِدُ - صلى الله عليه وسلم - ويبشر بالخير ولا يقنّط أحداًº فعن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - قال: بينما أسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه الناس مقفِلة من حُنين، فعلقت الناس يسألونـه، حتى اضطروه إلى سَمُرة، فخطفت رداءه فوقف ال
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
Signor Mohamed El Gebaly
12:16:03 2020-12-20