صفر الخير .. منطلق الحرب والسلام


  

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الزرقاني في شرح المواهب: (وأذن الله - تعالى - لرسوله - عليه السلام - بالقتال) لاثنتي عشرة ليلة مضت من صفر في السنة الثانية من الهجرة، قال الزهري محمد بن مسلم شيخ الإسلام: (أول آية نزلت في الإذن بالقتال) كما أخبرني عروة عن عائشة: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) أخرجه النسائي بإسناد صحيح.

 

ثم خرج غازياً في صفر على رأس اثني عشر شهراً من مقامه بالمدينة.

 

قال ابن هشام: واستعمل على المدينة سعد بن عبادة، وهي أول غزوة غزاها.

 

كان الجانب الإسلامي يدرك أن الحرب لا بد قادمة مع قريش ولا بد من توحيد المعركة لا تشتيتها، فقد عاهدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حرب الأحمر والأسود من الناس، وعاهدوه على أن يحموه مما يحمون منه نسائهم وأولادهم إذا قدم عليهم، وفي الوقت الذي كانت ملامح القتال مع قريش تفرض نفسها على الساحة، كانت الأوامر تنزل إلى المسلمين بالصبر في صراعهم مع اليهود، علماً بان الاستفزازات اليهودية كانت تدعو إلى قتالهم، غير أن القضية مع القيادة الإسلامية ليست قضية استفزازات أو ردود فعل، إنها قضية تخطيط، ودراسة للقوى القائمة، والتوجيه الرباني لهذه القاعدة الصلبة، يصوب هذا الاتجاه أو ذاك حين يقع خلل في الاتجاه.

 

ومع الإقرار في بيعة الحرب في العقبة لمبدأ القتال، لكنا لا حظنا مع إقرار هذا المبدأ ملاحظتين اثنتين:

 

الأولى: أنه لم يجر توقيت محدد لهذا القتال، ولم يتحدد زمانه، وهذا مرهون بالقرار النبوي، أو بصورة أصح مرهون ابتداء بالإذن الرباني.

 

الثانية: أن ساحة المعركة حسب نصوص البيعة هي المدينة، لأن البيعة كانت تنص على الدفاع عن رسول - صلى الله عليه وسلم - كما طلب منهم - عليه الصلاة والسلام - ولم تكن تنص على مواجهة قريش في عقر دارها.

 

ومن أجل ذلك لم يشرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنصار في سرايا الاستطلاع والهجوم الأولى والتي تمت قبل بدر، إنما كان يقوم بها المهاجرون فقط.

 

ونعود إلى نص الإمام الزرقاني الذي يقول: وأذن الله - تعالى -لرسوله - عليه السلام - في القتال لاثنتي عشرة ليلة مضت من صفر في السنة الثانية من الهجرة، قال الزهري محمد بن مسلم شيخ الإسلام: أول آية نزلت في الإذن بالقتال كما أخبرني عروة بن عائشة (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز).

 

وبدأ - عليه الصلاة والسلام - يتحرك في الساحة بين مكة والمدينة حيث شريان حياة مكة في تجارتهم إلى الشام، وذلك بعد نزول الإذن له بالقتال، وغزا أربع غزوات في هذه المرحلة.

 

لقد كانت الغزوة الأولى كما يقول ابن إسحاق: إلى ودان أو الأبواء ليلقى جمعاً من قريش، ولموادعة بني ضمرة.

 

وأول ما يواجهنا في الغزوات النبوية هي قضية الاستطلاع النبوي التي لا نعرف عنها شيئاً، ولم تذكر كتب السيرة شيئاً عن ذلك، وإننا نستبعد أن يكون الوحي هو الذي يتنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتحرك قوافل قريش لأن بعض السرايا أو الغزوات كانت تجد القافلة قد غادرت المكان أو سبقت إليه، إنما هي إذن عملية الجهد البشري في الاستطلاع، وإن المرء ليقف مشدوهاً أمام هذه التحركات السريعة خلال عام واحد، والذي نقدره والله أعلم أن العباس - رضي الله عنه - وبعض المسلمين الذين مكثوا في مكة كانوا يوافون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكل التحركات لقوافل تجارة مكة وعلى جميع الاتجاهات، وانطلاقاً من هذه المعلومات كان - عليه الصلاة والسلام - يتحرك في الوقت المناسب.

 

وقد ذكرت كتب السيرة أن لهذه الغزوة: غزوة ودان هدفين هما: لقاء قريش، وموادعة بني ضمرة، هذه الموادعة التي تشير إلى خط واضح في معالم السيرة النبوية، هي إمكانية العهود والعقود مع غير المسلمين لمصلحة الإسلام فبنو ضمرة مركز استراتيجي هام على خط القوافل المكية المتجهة إلى الشام، وهو مركز استخبارات لصالح الدولة المسلمة ومركز وقاية.

 

وحين نذكر أن عدد المسلمين في غزوة ودان أو الأبواء كان ستين رجلاً من المهاجرين، وفي غزوة العشيرة في خمسين ومائة رجل من المهاجرين، ندرك أن هاتين الغزوتين كانتا تدريباً عملياً لهذا الجيل على القيادة، فهم يهيئون ليكونوا قادة دول وقادة جيوش، فيما بعد، فلا بد من أن يتلقوا التربية المناسبة للتعلم على طبيعة الحرب، وطبيعة السلم، وطبيعة التحالف، والتعامل مع الأعداء والأصدقاء.. وحين يشهدون بأعينهم هذه المواقف تصبح جزءاً من كيانهم وتركيبهم، ويتحملون مسؤولية قيادة هذه الأمة فيما بعد.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply