قال الواقدي: وكانت في صفر - يعني سنة أربع - بعثهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل مكة ليخبروه. قال: والرجيع على سبعة أميال من عسفان.
قال البخاري: حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري عن عمرو بن أبي سفيان الثقفي عن أبي هريرة قال بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب فانطلقوا حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم: بنو لحيان فتبعوهم بقريب من مائة رام فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلا نزلوه فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة فقالوا هذا تمر يثرب. فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم فلما انتهى عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا ألا نقتل منكم رجلا فقال عاصم أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر اللهم أخبر عنا رسولك فقاتلوهم حتى قتلوا عاصما في سبعة نفر بالنبل وبقي خبيب وزيد ورجل آخر فأعطوهم العهد والميثاق فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا اليهم فلما استمكنوا منهم حلوا أوتار قسيهم فربطوهم بها فقال الرجل الثالث الذي معهما هذا أول الغدر فأبى أن يصحبهم فجروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر فمكث عندهم أسيرا حتى إذا أجمعوا قتله استعار موسى من بعض بنات الحارث يستحد بها فأعارته قالت فغفلت عن صبي لي فدرج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه فلما رأيته فزعت فزعة عرف ذلك مني وفي يده الموسى فقال أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله وكانت تقول ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ من ثمره وأنه لموثق في الحديد وما كان إلا رزقا رزقه الله فخرجوا به من الحرم ليقتلوه فقال دعوني أصلي ركعتين. ثم انصرف اليهم فقال لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدت فكان أول من سن الركعتين عند القتل هو ثم قال اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا. ثم قال:
ولســت أبـالي حـين اقتـل مسـلما *** عـلى أي شـق كـان في الله مصرعي
وذلــك فــي ذات الإلـه وإن يشـأ *** يبـارك عـلى أوصـال شـلو ممزع
قال: ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا منه على شيء
وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سفيان عن عمرو سمع جابر بن عبد الله يقول الذي قتل خبيبا هو أبو سروعة. قلت: واسمه عقبة بن الحارث وقد أسلم بعد ذلك وله حديث في الرضاع وقد قيل إن أبا سروعة وعقبة أخوان فالله أعلم.
هكذا ساق البخاري في كتاب المغازي من صحيحه قصة أصحاب الرجيع ورواه أيضا في التوحيد وفي الجهاد من طرق عن الزهري عن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي حليف بني زهرة ومنهم من يقول: عمر بن أبي سفيان. والمشهور عمرو وفي لفظ للبخاري بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة رهط سرية عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح وساق نحوه. وقد خالفه محمد بن إسحاق وموسى بن عقبة وعروة بن الزبير في بعض ذلك ولنذكر كلام ابن إسحاق ليعرف ما بينهما من التفاوت والاختلاف على أن ابن إسحاق إمام في هذا الشأن وغير مدافع كما قال الشافعي - رحمه الله -: من أراد المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق.
قال محمد بن إسحاق - رحمه الله -: حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة قال قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أحد رهط من عضل والقارة فقالوا: يا رسول الله إن فينا إسلاما فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا في الدين ويقرئوننا القرآن ويعلموننا شرائع الإسلام. فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم نفرا ستة من أصحابه وهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب قال ابن إسحاق وهو أمير القوم وخالد بن البكير الليثي حليف بني عدي وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أخو بني عمرو بن عوف وخبيب بن عدي أخو بني جحجبي ابن كلفة بن عمرو بن عوف وزيد بن الدثنة أخو بني بياضة بن عامر وعبد الله بن طارق حليف بني ظفر - رضي الله عنهم - هكذا قال ابن إسحاق أنهم كانوا ستة وكذا ذكر موسى بن عقبة وسماهم كما قال ابن إسحاق وعند البخاري أنهم كانوا عشرة وعنده أن كبيرهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فالله أعلم.
قال ابن إسحاق فخرجوا مع القوم حتى إذا كانوا على الرجيع- ماء لهذيل بناحية الحجاز من صدور الهدأة غدروا بهم فاستصرخوا عليهم هذيلا فلم يرع القوم وهم في رحالهم إلا الرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم فأخذوا أسيافهم ليقاتلوا القوم فقالوا لهم إنا والله ما نريد قتلكم ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة ولكم عهد الله وميثاقه أن لا نقتلكم فأما مرثد وخالد بن البكير وعاصم بن ثابت فقالوا والله لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا أبدا وقال عاصم بن ثابت والله أعلم ولله الحمد والمنة.
مــا علتــي وأنــا جـلد نـابل *** والقــوس فيهــا وتــر عنـابل
تــزل عــن صفحتهـا المعـابل *** المــوت حــق والحيــاة بـاطل
وكـل مـا حـكــم الإلـه نـازل *** بـالمرء والـمـرء إلـيـه آيــل
إن لــم أقــاتلكم فـأمي هـابل
وقال عاصم أيضا:
أبـــو ســليمان وريش المقعــد *** وضالــة مثــل الجحـيم الموقـد
إذا النواحــي افترشـت لـم أرعـد *** ومجنــا مــن جـلد ثـور أجـرد
ومــؤمن بمــا عـلى محـمد
وقال أيضا:
أبــو ســليمان ومثــلي رامــا *** وكــان قــومي معشــرا كرامـا
قال: ثم قاتل حتى قتل وقتل صاحباه فلما قتل عاصم أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفه الخمر فمنعته الدبر- هكذا رواه البخاري بعد وصول خبيب وزيد بن الدثنة إلى مكة. وهذا الذي ذكره بن إسحاق أنسب- قال: فلما حالت بينهم وبينه قالوا: دعوه حتى يمسي فيذهب عنه فنأخذه فبعث الله الوادي فاحتمل عاصما فذهب به وقد كان عاصم قد أعطى الله عهدا أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا تنجسا فكان عمر بن الخطاب يقول حين بلغه أن الدبر منعته يحفظ الله العبد المؤمن كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا في حياته فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع منه في حياته.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد