تخطيط القلب المتوكل


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كانت الهجرة خليط من أعجب خطط التاريخ والتي تمت بنجاح مع أرفع درجات التوكل...

1 - التعمية: يبيت على بن أبي طالب - رضي الله عنه - في فراشه.. ويخرج - صلى الله عليه وسلم - ساعة الظهيرة نهارا حيث قلما يوجد إنسان في طرقات مكة.

2 - التمويه: يتجه - صلى الله عليه وسلم - إلى الجنوب عكس اتجاه المدينة ويختار غار ثور للاختباء وهو غار في كهف في جبل لا تدخله الشمس يرى من بداخله الخارج ولا يرى من يقف على بابه من بداخله.

3 - جمع المعلومات: يستمع عبد الله ابن أبي بكر الأخبار في مكة نهارا ويوصلها لهم ليلا مع توفير احتياجات الرحلة.

4 - إخفاء الأثر: يسير عامر ابن فهيرة مولى أبي بكر بالأغنام خلف عبد الله ليخفي الأثر ثم يمر عليهم ليشربوا اللبن.

5 - تأمين الزاد: وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما بالطعام وكانت حامل في شهورها الأخيرة.

6 - مخالفة توقعات العدو: حين خمدت نار الطلب وتوقفت دوريات التفتيش يخرج وصاحبه ليصحبهم دليل موثوق به – وإن كان كافرا - هو عبد الله بن أريقط ويمعن - صلى الله عليه وسلم - في اتجاه الجنوب نحو اليمن (عكس الاتجاه المفترض) ثم يتجه غربا إلى ساحل البحر الأحمر في طريق لم يألفه الناس من قبل. (فقد نصره الله).

 

ورغم دقة التخطيط وإتقان التنفيذ فقد وصل المشركون إلى باب الغار يتلفتون هنا وهناك حتى ظن أبو بكر إن أحدهم رآه.. فيقول: يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا فقال - صلى الله عليه وسلم - (اسكت يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!).

 

إنه حين ينتهي الجهد البشري المطلوب، وحين تستنفذ الطاقة البشرية قدر الاستطاعة تتدخل عناية الله.

 

(إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم) [ التوبة: 40].

 

يقول للصاحب المفزوع ليس على *** مثلي ومثلك يوماً تظهر الجبل

ماذا تظن ونحن اثنان ثالثنا *** الله؟.. إنا على الرحمن نتكل

وزد كيد بني الكفار وانقلبوا *** (الله أكبر) إن الظلم منخذل

(الله أكبر) نور الحق عم على *** كل البطاح فضاء السهل والجبل

ولا إله سوى الرحمن منفرداً *** بالحكم والأمر لا شك ولا جدل

ويصل الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة لتستقبله أحضانها حانية تأوى دعوة الله وتنصرها وتصبح أرض المنطلق لتدق خيول الله أبواب الظالمين وتخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام

سار.. وعين الله ترى دربه ***ماض إلى الغايات لا يتردد

والنجم داع والهلال مؤمن *** والأفق حان والربى تتنهد

ضاقت به الأوطان واتسعت له *** جنبات غار في ثراه يرقد

واستقبلت ركب النبوة يثرب *** نشوى تغني فرحة وتزغرد

 

وبعد عشرة أعوام:

أعوام عشرة أخرى تمر بعد الهجرة... أعوام من الجهاد والشهادة والبذل، أعوام تشهد عليها بدر وأحد والخندق، أعوام تشهد غدر اليهود ولؤمهم.. وتشهد تدميرهم وتشتيتهم على أيدي جيل النصر.

 

الفتح:

 ويقف جيش النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبواب مكة فاتحاً... وتتدفق كتائب التوحيد تغمر الحرم وتحيط بالبيت الحرام ويطعن الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الأصنام بقوسه فتهوي متحطمة وهو يردد (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً) [ الإسراء: 81]... إنه الفتح المبين الذي كانت بدايته الهجرة المنتصرة

من كتاب [ إلا تنصروه فقد نصره الله... ] ص:11

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply