هجرة الأنبياء


  

بسم الله الرحمن الرحيم

1 - الهجرة في اللغة تعني الترك، يقول أحدنا أساء إليّ فلان فهجرته، ويقال: على المؤمن أن يهجر المعاصي ويتقرب إلى الله - تعالى -، وأعظم الهجر إنما هو هجر الأبوينº لأنه من أعظم الكبائر، وهجر الأقارب عمداً حرام لأن هؤلاء يستحقون الصلة، ويكره للمسلم أن يهجر أخاه المسلم، يقول - عليه السلام -:\"لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام\"·

 

2 - والهجرة (بكسر الهاء أو ضمها) تعني الخروج من أرض إلى أرض ومن بلد إلى بلد آخر وعكس الهجرة هي (العودة)·

 

والهجرة تكون لأسباب منها: أن يهاجر المرء طلباً للرزق إذا لم يتوفر له في وطنه، أو كان دخله قليلاً، والمرء قد يهاجر طلباً للعلم العالي في بلاد يتفوق علمها على ما في بلاده، وقد يستقر فيها· والهجرة لطلب العلم كانت معروفة في التاريخ الإسلامي إذ لم يكن هنالك جامعات تجمع العلماء فكان طالب العلم يقصد العلماء في أوطانهم، ومن هؤلاء العلماء على سبيل المثال: الإمام الشافعي وابن حنبل الأوزاعي والبخاري ومسلم إلخ·

 

وقد يهاجر المرء طلباً للأمانº لأن حياته معرضة للخطر في بلاده ويلجأ إلى بلد تقبل لجوءه وتحميه·

 

3 - ومن أعظم الهجرات وأكرمها وأعلاها مقاماً هجرة الأنبياء والدعاة، وممن هاجر من الأنبياء نوح وإبراهيم ولوط وصالح وموسى ومحمد عليهم السلام أما نوح ولوط فقد عاقب الله قوم نوح بالغرق وقوم لوط بالخسف فلم يعد لهما من يدعوان ويهديان·

 

وإبراهيم - عليه السلام - ولد وعاش في العراق ثم هاجر إلى بلاد الشام وهاجر إلى وادي مكة وأودع زوجته وولده إسماعيل في وادي مكة· وكان من نسل إسماعيل العرب المستعربة·

 

4 - ومحمد - عليه السلام - مكث يدعو قومه في مكة ثلاثة عشر عاماً فما استجاب لدعوته إلا القليل القليل ولم يكتفِ قومه برفض الهداية بل آذوه ومن أسلم معه ووصفوه بأنه كاذب لأن دينهم الباطل، هو الحق، فمن آمن بسواه فهو كاذب في زعمهم وزعموا بأنه ساحر لأنه استطاع أن يغير دين بعض مواطنيهم فأسلموا ومن كان قادراً على تبديل إيمان الغير فهو ساحر في نظرهم، وقالوا انه كاهن لأن النبي - عليه السلام - أخبرهم بأمور غيبية ماضية كأخبار الماضين من الأقوام ورسلهم وأخبرهم بما سيحصل لمن يكفر بالله يوم القيامة ومن يخبر بالغيبيات هو كاهن، والكاهن عند العرب شخص يعرف الغيب في زعمهم فإذا سأله سائل عما سيحصل له أخبره، وقالوا\"انه لا يستحق النبوة لأن الله لو أراد إرسال نبي لاختار فلاناً وفلاناً من أصحاب المقام الرفيع عندهم وقالوا لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم (الزخرف: 31) وقالوا: إنه طامع في الرئاسة والسلطان لذلك عرضوا عليه الملك وقالوا وقالوا مما لا يتسع المقام لذكره ورغم كل ما قالوه فإن محمداً - عليه السلام - ظل ثابتاً كالطود العظيم لا يحيد عن دعوته، وكان قومه كلما مرت السنين ازدادوا أذى له ولأتباعه إلى حد لا يطاق من الناس العاديين لكن المؤمنين كان إيمانهم شديداً فلم يرتدوا عن دينهم، وطلب بعضهم الهجرة إلى الحبشة فأذن لهم، وكانت هذه الهجرة أولى الهجرتين أما الهجرة الثانية فكانت إلى (يثرب)·

 

5 - وقرر النبي بعد معاناة ثلاث عشرة سنة أن يغير مكان الدعوة فحاول دخول الطائف لكن صدّه سفهاؤها ومراهقوها ورشقوه بالحجارة حتى دميت قدماه فعاد إلى مكة آسفاً حزيناً على قومه لأنه يريد لهم الهداية وسعادة الآخرة ويأبون إلا الكفر والضلال·

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply