شخصيات من الهجرة


  

بسم الله الرحمن الرحيم

المتتبع لحركة التاريخ، وما يرتبط به من شخصيات يلاحظ أن هذه الشخصيات انقسمت إلى قسمين:

أولاً: شخصيات صنعت الأحداث.

ثانياً: أحداث صنعت شخصيات.

والهجرة – كحدث – ارتبطت ببعض الشخصيات التي ساهمت - بشكل فعّال - في صنع هذا الحدث العظيم، الذي ساهم بصورة كبيرة في تغيير مجرى التاريخ.. فحادث الهجرة ساهم في صناعة العديد من الشخصيات العظيمة، التي انطلقت لتشكل وتغير مسار العالمº حيث إنه بالهجرة بدأ الإسلام مرحلةً جديدةً بفضل الله أولاً، ثم بجهود هذه الشخصيات التي قدمّت النموذج والقدوة في التضحية والفداء، فنجد أن جميع الشخصيات التي ساهمت في صنع الحدث (الهجرة) بينها قاسم مشتركº هذا القاسم يتمثل في عدد من الخصائص والصفات التي تدور في فلك شمائل الرجولة والإقدام، وبذل كل ما هو نفيس في سبيل اللهº فداءً لدينه الحنيف.

وإذا ما استدعينا ما في الهجرة من أحداث- صنعها رجال قل تواجدهم في أيامنا تلك- فلسوف نستخلص منها الكثير من العبر.

وبالرغم من بشائر الخير التي تشيع في جميع بقاع الأرض، وتعيشها أمتنا هذه الأيامº فإن أمتنا تكالب عليها الأعداء والطامعون وأعوانهم من الخبثاءº محاولين اجتثات هذه الأمة من جذروها، وطمس هويتهاºولذا على الأمة الاستفادة من دروس الهجرة لاستكمال نهضتها الحضاريةº لما في الهجرة من معانٍ, جليلة، إذا ما تحققت فينا تحققت معها معاني العزة والكرامة، وكثير من المعاني المفتقدة بيننا..

 

وبين يدينا بعض من الشخصيات التي ارتبط اسمها بحادث الهجرة:

علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -

أول هذه الشخصيات والتي ساهمت - وكان لها دور بالغ الأهمية - في هذا الحدث العظيم هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو ابن عم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وزوج ابنته فاطمة الزهراء، وأبو الحسن والحسين- رضي الله عن الجميع.

 

إسلامه:

لمَّا بُعث- صلى الله عليه وسلم - بالرسالة كان أول من آمن به من الغلمان، فأخذ عنه، ونهل من صفاته وأخلاقه.

 

أول فدائي في الإسلام:

وعندما هاجر الرسول- صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، بات علي- رضي الله عنه- في فراشه وارتدى بردته الخضراء، وهو يعلم أن مصيره قد يكون القتل فداءً للرسول- صلى الله عليه وسلم - فهو أول من ضحى بنفسه في سبيل الله، وأدَّى ودائع الناس وحقوقهم عن الرسول- صلى الله عليه وسلم - ثم لحق به إلى المدينة بعد ثلاثة أيام، فكانت فيها إقامته.

 

جهاده:

شهد علي - رضي الله عنه - جميع الغزوات مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عدا غزوة تبوكº إذ استخلفه الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أهله، وكان يحمل اللواء في أكثرها، ويتقدم للمبارزة، وقَتل فيها عدداً من مشاهير أبطال العرب واليهود، وتجلَّت شجاعته في معركة بدر والخندق وخيبر.

 

مكانته عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا علي، إنك مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبيَّ بعدي) [أخرجه أحمد].

وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من كنت مولاه فعلي مولاه) [أخرجه أحمد]، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يتعوَّذ من معضلةٍ, ليس فيها أبو الحسن، وقال رضي الله عنه:\"أقضانا علي\".

 

صهيب بن سنان.. ربح البيع أبا يحيى!

المولد والنشأة:

ولد في أحضان النعيم.. فقد كان أبوه حاكم (الأُبلَّة) وواليًا عليها لكسرى.. وكان من العرب الذين نزحوا إلى العراق قبل الإسلام بعهد طويل، وفي قصره القائم على شاطئ الفرات - مما يلي الجزيرة والموصل- عاش الطفل ناعمًا سعيدًا.. ولم يدم تنعمه هذا طويلاً، فقد أغار الروم على بلدته، وأسر المغيرون أعدادًا كثيرةً، وسبُوا ذلك الغلام - صهيب بن سنان - وبعدها بدأ رحلته الشهيرة إلى الهداية إلى الإسلام إلى أن هداه الله - تعالى - إلى الحق.. وأُوذي في سبيل دينِه ودعوته الكثير..لم يتغير ولم يزحزحه هذا الابتلاء عن دينه قيد أنملة.

وكان جوادًا معطاءً.. ينفق كل عطائه من بيت المال في سبيل الله.. يُعين محتاجًا.. يغيث مكروبًا، ويطعم الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، حتى لقد أثار سخاؤه المفرط انتباه عمر فقال له: أراك تطعم كثيرًا حتى إنك لتسرف..؟ فأجابه صهيب: لقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (خياركم من أطعم الطعام).

 

يوم هجرته:

ولقد افتتح أيام نضاله النبيل، وولائه الجليل بيوم هجرته، ففي ذلك اليوم تخلَّى عن كل ثروته وجميع ذهبه الذي أفاءته عليه تجارته الرابحة خلال سنوات كثيرة قضاها في مكة.. تخلى عن كل هذه الثروة- وهي كل ما يملك- في لحظة.. لم يشُبه خلالها تردد ولا نكوص.

فعندما همَّ الرسول بالهجرة علم\"صهيب\"بها، وكان المفروض أن يكون ثالث ثلاثة، هم الرسول.. وأبو بكر.. وصهيب.. بيد أن القرشيين كانوا قد بيَّتوا أمرهم لمنع هجرة الرسول.. ووقع صهيب في بعض فخاخهم، فعُوِّق عن الهجرة بعض الوقت، بينما كان الرسول وصاحبه قد اتخذا سبيلهما على بركة الله.

وحاور صهيب وداور، حتى استطاع أن يفلت من شانئيه، وامتطى ظهر ناقته، وانطلق بها في الصحراء وثبًا.. بيد أن قريشًا أرسلت في أثره قناصتها فأدركوه.. ولم يكد صهيب يراهم ويواجههم من قريب حتى صاح فيهم قائلاً:\"يا معشر قريش.. لقد علمتم أني من أرماكم رجلاً.. وأيمُ الله لا تصِلون إليَّ حتى أرميَ بكل سهم معي في كنانتي ثم أضربكم بسيفي حتى لا يبقى في يدي منه شيء، فأقدموا إن شئتم.. وإن شئتم دللتكم على مالي وتتركوني وشأني\"، ولقد قبلوا أن يأخذوا ماله، قائلين له: أتيتنا صعلوكًا فقيرًا، فكثُر مالك عندنا، وبلغت بيننا ما بلغت، والآن تنطلق بنفسك وبمالك..؟! فدلهم على المكان الذي خبَّأ فيه ثروته، وتركوه وشأنَه، وقفلوا إلى مكة راجعين.

والعجب أنهم صدقوا قوله في غير شك، وفي غير حذر، فلم يسألوه بيِّنةً.. بل ولم يستحلفوه على صدقه..!! وهذا موقف يُضفي على صهيب كثيرًا من العظمة يستحقها كونه صادقًا وأمينًا!!

واستأنف صهيب هجرته وحيدًا سعيدًا، حتى أدرك الرسول- صلى الله عليه وسلم - في قباء..

كان الرسول جالسًا وحوله بعض أصحابهº حين أهلَّ عليهم صهيب، ولم يكد يراه الرسول حتى ناداه متهللاً: (ربح البيع أبا يحيى..!! ربح البيع أبا يحيى..!!) وآنئذٍ, نزلت الآية الكريمة: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ ابتِغَاءَ مَرضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالعِبَادِ} [البقرة:207].

أجل، لقد اشترى صهيب نفسه المؤمنة ابتغاء مرضات الله بكلِّ ثروته التي أنفق شبابه في جمعها، ولم يحس قط أنه المغبون.. فما المال، وما الذهب وما الدنيا كلها، إذا بقي له إيمانه، وإذا بقيت لضميره سيادته.. ولمصيره إرادته..؟

مَن منا لا يريد أن يكون مثل سيدنا صهيب؟ مَن منا لا يريد أن يقابله الرسول- صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة ويقول له:\"ربح البيع يا...\"مَن أراد هذا فليقتدِ بأبي يحيى.

 

عامر بن فهيرة التميمي:

نشأته وإسلامه:

مولى أبي بكر الصديق، ويكنى أبا عمرو، كان مولدًا من مولدي الأزد، أسود اللون، مملوكًا لـ\"الطفيل بن عبد الله بن سخبرة\"، من السابقين إلى الإسلام، أسلم قبل أن يدخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم، وهو يومئذ مملوك، وكان حسن الإسلام، وعُذب في الله، فاشتراه أبو بكر وأعتقه.

 

دوره في الهجرة:

لما خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر مهاجرين، أمر أبو بكر مولاه عامر بن فهيرة أن يروح بغنم أبي بكر عليهما، وكان يرعاها، فكان عامر يرعى في مكة، حتى إذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر فاحتلباها، وإذا غدا عبد الله بن أبي بكر من عندهما اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم حتى يعفي عليه، ولمَّا سار النبي- صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر من الغار هاجر معهما، فحمله أبو بكر خلفه على البعير، ومعهم دليلهم (المشرك) من بني الديل.

 

جهاده واستشهاده:

شهد عامر بن فهيرة بدرًا وأحدًا، وقتل يوم بئر معونة، سنة أربع من الهجرة، وهو ابن أربعين سنة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply