\ ناصر الدين الأسد \ .. عالم من البادية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

نشأ الدكتور \"ناصر الدين الأسد\" ببادية شرقي الأردن، وأمضى فيها طفولته كلها قبل أن تصبح مملكة، فقد كانت إمارة شرقي الأردن كلها باديةº حتى عمان كانت قرية بدوية، ولم يعرف الدكتور الأسد المدينة إلا حينما أوفدته وزارة المعارف الأردنية - كما كانت تسمى حينئذ - إلى \"القدس\"º فكانت القدس هي أول مدينة رأها، وكانت العقبة ـ مكان مولده ـ ثم الكرك، والشوبك، ووادي موسى، ومعان، وأخيراً عمان، كلها بوادي، أرقاها هي قرية حضرية.

 

 وقد كانت هذه البادية كما يصف هو تختلط أحياناً بالحضر، أي بالاستقرار بالمعنى اللغوي لكلمة الحضر، فهو يشير إلى هذه البيئة البدوية بما كانت تضمه من بيوت الشعر، وكانت تضم الثوب البدوي العادي، وكانت أيضاً من معالمها الخيول، وقد نشأ في هذه البيئة بكل مفرداتها وصفائها، ويذكر أنه كان لهم فرس، دخل به وعمره ثماني سنوات في سباق ووقع من فوقه وأصيب في ظهره.

 

هذه البيئة البدوية لازمته إلى أن بلغ نهاية المرحلة الابتدائية وبداية المرحلة الإعدادية، وكانت المناهج أيامها مختلفة عن مناهج اليوم، فكانوا يتعلمون مختارات من المعلقات ومن الشعر الجاهلي في الصف الخامس الابتدائي.

 

مولده:

ولد العلامة اللغوي الدكتور ناصر الدين الأسد بمدينة العقبة في الأردن 1923م، وتلقى تعليمه الجامعي وحصل على درجة الدكتوراه بتقدير ممتاز من جامعة القاهرة عام 1955م، وحاضر في عدد من الجامعات ومعاهد البحوث في الأردن وليبيا ومصر، وأسس الجامعة الأردنية ثم عُيِّن رئيساً لها خلال الفترة من عام 1962 ـ 1968م.

 

عمل سفيراً للمملكة الأردنية لدى المملكة العربية السعودية من عام 1977ـ 1978م، ورأس العديد من المجامع والمجالس كالمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية \"مؤسسة آل البيت\" ومجلس الأمناء بجامعة الإسراء بعمّان، ومجلس أمناء جائزة عبد المجيد شومان الدولية للقدس.

 

 وتطول قائمة مؤلفاته والكتب التي حققها لتشمل أربعة وسبعين عنواناً تناول من خلالها دراسات عديدة عن الشعر الجاهلي والمعاصر والأدب والنقد والتعليم الجامعي وقضايا الحداثة وأدب الحوار والعامي والفصيح وغيرها من أبواب الأدب.

 

تنوع وثراء:

والمتتبع لأعمال وإنجازات الدكتور الأسد يعجب من التنوع الذي تزخر به مؤلفاته العديدة، فهو عندما يتناول الشعر الجاهلي تخال أنه لم ولن يكتب في أي ضرب آخر من ضروب الأدبº لأنه يمنح الموضوع كل اهتمامه ولا يدخر جهداً عن أدق التفاصيل، محللاً ومقارناً وناقداً.

 

ويظهر ذلك جلياً في أطروحته القيمة التي نال عنها درجة الدكتوراه في الآداب بتقدير ممتاز، وطبعها بعنوان \"مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية\"، وهي دراسة جادّة طُبعت ثماني مرات ما بين عامي ستة وخمسين وستة وتسعين من الميلاد.

 

 ونجد العالم الكبير، شأنه شأن معظم الأكاديميين الملتصقين بهموم مجتمعهم، يدرك أهمية الحوار في حياتنا اليومية، والحوار بيننا وبين الآخر، فعُني بذلك أيما عناية، وأفرد مؤلفين غاية في بابهما بعنواني \"نحن والآخر - صراع وحوار\" عام 1997م، فتح من خلاله نافذة واسعة على أدب الحوار، وضرورة الانتقال به من مرحلة الفهم والإقناع إلى مرحلة التعاون على العمل المشترك بين جميع الساعين إلى السلام الحقيقي، والعدل واقتلاع بذور الأحقاد بين الشعوب.

 

 والمتأمل لمسيرة الدكتور الأسد يجد أنه قد عمل في معترك السلك الدبلوماسي سفيراُ لبلاده لدى المملكة العربية السعودية، وأكاديمياً حظيت عدة جامعات بمشاركته أستاذاً، وعميداً ورئيساً، وسياسياً تولى حقيبة وزارة التعليم العالي في الأردن، ومن بين كل هذا الزخم تأسيسه الجامعة الأردنية في عمّان، والتدريس فيها ثم رئاسته لها خلال الفترة 1962ـ 1968م. وهنا يقول الشيخ \"عبد المقصود خوجة\" ـ الذي استضاف الدكتور الأسد في \"اثنينيته\" (وهي صالون أدبي يعقد في بيته) ـ: \"إن تأسيس جامعة بالمعنى المعروف ليس عملاً يقابلنا كل يوم، فعملية إنشاء الشركات والمؤسسات والمصانع والمزارع والبنوك والمستشفيات، على أهميتها، لا تساوي شيئاً بالنسبة لإنشاء جامعةº لأن الجامعة رسالة علم، وهي في رسالتها تتعامل مع مستويين: عالم نذر نفسه للعمل الأكاديمي، وطالب تفرغ لتحصيل العلم على أسس ومناهج تختلف تماماً عن الأساليب التي تعودها طوال سنوات دراسته السابقة، وخلف هذين المستويين جيش من الإداريين والفنيين والعمال، ينسق بين جميع هذه الأطراف عشرات من النظم واللوائح والقوانين، حتى تبدو الجامعة منذ بزوغ فكرتها وحتى اكتمالها، مشروع مدينة صغيرة ذات أطر مختلفة يصعب التعامل معها بموجب ما هو معروف ومتوارث في إنشاء وإدارة سائر النشاطات الأخرى\".

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply