في يوم الثلاثاء 15/11/1422هـ فوجئ العالم الإسلامي برحيل المفكر الإسلامي الكبير والكاتب البارع الأستاذ أنور الجندي، وذلك في مستشفى التطبيقيين الدولي بالجيزة بمصر، وقد ذكر الطبيب المعالج أنه قبل وفاته مباشرة استقبل القبلة وصلى، وأعلن فرحه بلقاء ربه، حيث فاضت روحه بعد ذلك عن عمر يناهز 85 عاما تعتبر رحلة عطاء وجهاد طويل. أعمال مختلفة تنتهي بالتأليف كان - رحمه الله - تعالى - قد ولد في مدينة ديروط، إحدى المدن بصعيد مصر، وذلك عام 1917 وتزوج في نفس المدينة من ابنة عمه السيدة نفيسة عبد العال الجندي، ورزقه الله بنتا واحدة هي فائزة، وقد حصلت على ليسانس الدراسات الإسلامية من جامعة الأزهر عام 1969م. وقد عمل في أعمال مختلفة منذ بداية حياته، حتى تفرغ بعد ذلك للتأليف والكتابة، وتُشَكِّلُ سنة 1940 م علامة فارقة في حياة الأستاذ أنور الجندي، وذلك عندما قرأ ملخصا عن كتاب \"وجهة الإسلام\" (لمجموعة من المستشرقين) الذي لفت نظره إلى التحدي للإسلام ومؤامرة التغريب، وهو يصف ذلك بقوله: \"وبدأت أقف في الصف: قلمي عدتي وسلاحي من أجل مقاومة النفوذ الفكري الأجنبي والغزو الثقافي، غير أني لم أتبين الطريق فورا، وكان عليّ أن أخوض في بحر لجي ثلاثون عاما.. كانت وجهتي الأدب، ولكني كنت لا أنسى ذلك الشيء الخفي الذي يتحرك في الأعماق.. هذه الدعوة التغريبية في مدها وجزرها، في تحولها وتطورها ……. \". الجد والاجتهاد أبرز صفاته - رحمه الله - ويعد الأستاذ أنور الجندي - رحمه الله تعالى - واحدا من القِمم الشَّامخة التي أثرت المكتبة الإسلامية بالعشرات من الكتب والمجلدات، وقد كان في غاية من الجد والاجتهاد والبحث المتواصل الدؤوب، فكان لا يضيع من وقته شيئاً. تقول ابنته: كان الوالد منظما جدا وبسيطا جدا ومؤمنا جدا - ولا نزكيه على الله - كانت حياته عملا، ولم يكن لديه وقت يضيعه، وكان آخر وقته بعد صلاة العشاء، ثم ينام ساعتين أو ثلاثا ثم يستيقظ ليصلي القيام، وبعد صلاة الفجر ينام ساعتين، ثم يستيقظ لقضاء حاجاتنا اليومية. فالوالد كان يخدم نفسه بنفسه كما كان يقوم على رعايتنا وخدمتنا… فهو الذي كان يشتري الإفطار والجرائد وكل شيء يلزمنا بنفسه.. وكان مع ذلك يهتم بأمور الجيران وغيرهم، تقول ابنته إنه كان يشعر بالمسؤولية تجاه الجميع، ومن مواقفه أنه -رحمة الله- كان يملأ جرادل المياه حين تنقطع عن شقق الجيران، ويتركها لهم أمام شققهم قبل الفجر حتى يمكنهم الصلاة.. وكان حريصا جدا على الوضوء، فكان دائما متوضئا، ولا يأكل إلا متوضئا، بل كان كل سطر يكتبه وهو متوضئ. وهو يقول عن نفسه - رحمه الله - مبينا دأبه في البحث والاطلاع: \" قرأت بطاقات دار الكتب، وهي تربو على مليوني بطاقة، وأحصيت في كراريس بعض أسمائها. راجعت فهارس المجلات الكبرى كالهلال والمقتطف والمشرق والمنار والرسالة والثقافة، وأحصيت منها بعض رؤوس موضوعات، راجعت جريدة الأهرام على مدى عشرين عاما، وراجعت المقطم والمؤيد واللواء والبلاغ وكوكب الشرق والجهاد وغيرها من الصحف، وعشرات من المجلات العديدة والدوريات التي عرفتها في بلادنا في خلال هذا القرن، كل ذلك من أجل تقدير موقف القدرة على التعرف على (موضوع) معين في وقت ما. البعد عن الظهور والشهرة ومع هذا الجد والاجتهاد والشهرة العالية، فإن من الغريب أن الأستاذ أنور الجندي كان رجلا بسيطا لا يعرف الثراء ولا الترف، بل كان يعيش حياة البسطاء في المسكن والملابس وغير ذلك من أمور الحياة، وكان مع ذلك عفيفا لا يقبل شيئا على محاضراته وأفكاره، بل حتى الجوائز التقديرية كان يرفضها ويأباها، ويقول عندما يكلم في ذلك يقول: أنا اعمل للحصول على الجائزة من الله ملك الملوك\" ولذا نجده كما تقول ابنته زاهدا في الأضواء وفي الظهور، ولم يكن يحبذ اللقاءات التلفزيونية أو الفضائية، وكان كل همه التأليف، وكان يدعو ربه دائما بأن يعطيه الوقت الذي يمكنه من كتابة ما يريد \"ولذا فإن مشاركاته في الفضائيات قليل جدا تكاد تقتصر على بعض التسجيلات في أبو ظبي والرياض. هذا وقد أوصى قبل وفاته بأن يتم تصنيف كتبه ومكتبته كلها، ثم دفعها لمؤسسة إسلامية تقوم بطرح هذه المكتبة للجمهور من القراء والباحثين للاستفادة منها، وقد شدد على أن كل تراثه الفكري يجب أن يكون وقفا للمسلمين..
مشاركاته العلمية:
حصل الراحل الكبير على جائزة الدولة التقديرية عام 1960، وشارك في العديد من المؤتمرات الإسلامية التي عقدت بعواصم العالم الإسلامي في الرياض والرباط والجزائر ومكة المكرمة والخرطوم وجاكرتا. كما حاضر في عدد من الجامعات الإسلامية مثل جامعة الإمام محمد بن سعود، والمجمع اللغوي بالأردن، وأثرى المكتبة العربية والإسلامية بأكثر من 300 كتاب في مختلف قضايا المعرفة والثقافة الإسلامية.
ومن أهم كتبه: أسلمة المعرفة، ونقد مناهج الغرب، والضربات التي وجهت للأمة الإسلامية، واليقظة الإسلامية في مواجهة الاستعمار، وأخطاء المنهج الغربي الوافد، وتاريخ الصحافة الإسلامية\". وكان آخر كتبه هو كتاب \"نجم الإسلام لا يزال يصعد\" وبالرغم من كثرة الكتب التي ألفها الأستاذ أنور الجندي والموضوعات التي تعرض لها، إلا أنه اهتم بشكل خاص بتقديم خطة كاملة لمقاومة التغريب والغزو الثقافي، ثم اتجه بعد ذلك إلى العمل في أسلمة العلوم والمناهج وتأصيل الفكر الإسلامي وبناء البدائل، وهو ما واصل العمل فيه إلى آخر لحظة في حياته. وقد واجه أنور الجندي فكر طه حسين في الكثير من مؤلفاته، وهو يفسر سبب ذلك بقوله: \"لقد كان طه حسين هو قمة أطروحة التغريب وأقوى معاقلها، ولذلك كان توجيه ضربة قوية إليه هي من الأعمال المحررة للفكر الإسلامي من التبعية\". ويقول أنور الجندي في العلاقة بين الأدب والفكر وخطر الفصل بينهما: \"إن فصل الأدب عن الفكر وهو عنصر من عناصره من أخطر التحديات التي فتحت الباب واسعا أما الأدب ليتدخل في كل قضايا الإجماع ويفسد مفاهيم الإسلام الحقيقية \" ولئن كان العالم الإسلامي قد فقد شخص الأستاذ أنور الجندي - رحمه الله -، فإن تراثه الفكري سيبقى علامة واضحة على ما قدمه للإسلام والمسلمين، وستبقى كتبه مرجعا للباحثين عن فكر إسلامي واضح بين.رحم الله الفقيد رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وخلف أهله والأمة الإسلامية بخير.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد