بسم الله الرحمن الرحيم
الـأَحَـادِيـثُ الـواردةُ في هَـدمِ الـكَـعـبَـةِ:
جاءت الأحاديث عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في بيان حال الكعبة في آخر الزمان وإليك نص الأحاديث:
1 - عَن سَعِيدِ بنِ سَمعَانَ قَالَ: سَمِعتُ أَبَا هُرَيرَةَ يُخبِرُ أَبَا قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : يُبَايَعُ لِرَجُلٍ, مَا بَينَ الرٌّكنِ وَالمَقَامِ، وَلَن يَستَحِلَّ البَيتَ إِلَّا أَهلُهُ، فَإِذَا استَحَلٌّوهُ فَلَا يُسأَلُ عَن هَلَكَةِ العَرَبِ، ثُمَّ تَأتِي الحَبَشَةُ فَيُخَرِّبُونَهُ خَرَابًا لَا يَعمُرُ بَعدَهُ أَبَدًا، وَهُم الَّذِينَ يَستَخرِجُونَ كَنزَهُ.
رواه الإمام أحمد في مسنده (2/291، 312، 328، 351)، والحاكم في المستدرك (4/452).
قال الهيثمي في المجمع (3/298): رواه أحمد ورجاله ثقات.
وقال أحمد شاكر في تعليقه على المسند (15/35 ح 7897): إسناده صحيح.
وقال الشيخ الألباني في الصحيحة (2/120 ح 579): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الصحيحين غير سعيد بن سِمعان وهو ثقة.
وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تخريجه لمسند الإمام أحمد (13/190 ح 7910): إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير سعيد بن سِمعان...ا.هـ.
2 - عَن سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: يُخَرِّبُ الكَعبَةَ ذُو السٌّوَيقَتَينِ مِن الحَبَشَةِ. رواه البخاري (1591، 1596)، ومسلم (2909).
ذُوالسٌّوَيقَتَينِ : تَثنِيَة سُوَيقَة وَهِيَ تَصغِير سَاقَ أَي لَهُ سَاقَانِ دَقِيقَانِ.
قال ابن الأثير في غريب الحديث (2/423): السويقة: تصغير الساق، وهي مؤنثة، فلذلك ظهرت التاء في تصغيرها، وإنما صغر الساق لأن الغالب على سوق الحبشة الدقة والحموشة. ا. هـ.
3 - عَن ابنَ عَبَّاسٍ, أَخبَرَهُ عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : كَأَنِّي أَنظُرُ إِلَيهِ أَسوَدَ أَفحَجَ يَنقُضُهَا حَجَرًا حَجَرًا . يَعنِي الكَعبَةَ. رواه البخاري (1595).
أفحج: قال ابن الأثير في النهاية (3/415): الفحج تباعد ما بين الفخذين.
4 - عَن عَبدِ اللَّهِ بنِ عَمرٍ,و قَالَ : سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: يُخَرِّبُ الكَعبَةَ ذُوالسٌّوَيقَتَينِ مِن الحَبَشَةِ، وَيَسلُبُهَا حِليَتَهَا وَيُجَرِّدُهَا مِن كِسوَتِهَا، وَلَكَأَنِّي أَنظُرُ إِلَيهِ أُصَيلِعَ ، أُفَيدِعَ يَضرِبُ عَلَيهَا بِمِسحَاتِهِ وَمِعوَلِهِ.
أصليع: قال ابن الأثير في غريب الحديث (3/47): تصغير أصلع، وهو الذي انحسر الشعر عن رأسه.
أُفيدع: قال ابن الأثير في غريب الحديث (3/420): تصغير أفدع، والفدع بالتحريك زيغ بين القدم وبين عظم الساق، وكذلك يكون في اليد، وهو أن تزول المفاصل عن أماكنها.
إيــــرادٌ:
هل هناك نعارض بين قوله - تعالى -: \" أَوَلَم يَرَوا أَنَّا جَعَلنَا حَرَمًا آمِنًا \" [العنكبوت: 67]، وبين الأحاديث الآنفة الذكر؟
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (3/461):
قِيلَ: هَذَا الحَدِيث يُخَالِف قَوله - تعالى -: \" أَوَلَم يَرَوا أَنَّا جَعَلنَا حَرَمًا آمِنًا \" [العنكبوت: 67]، وَلِأَنَّ اللَّه حَبَسَ عَن مَكَّة الفِيل وَلَم يُمَكِّن أَصحَابه مِن تَخرِيب الكَعبَة وَلَم تَكُن إِذ ذَاكَ قِبلَة، فَكَيفَ يُسَلِّط عَلَيهَا الحَبَشَة بَعدَ أَن صَارَت قِبلَة لِلمُسلِمِينَ؟
وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحمُول عَلَى أَنَّهُ يَقَع فِي آخِر الزَّمَان قُرب قِيَام السَّاعَة حَيثُ لَا يَبقَى فِي الأَرض أَحَد يَقُول اللَّهُ اللَّهُ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسلِم \" لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى لَا يُقَال فِي الأَرض اللَّهُ اللَّهُ \" وَلِهَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَة سَعِيد بن سَمعَان \" لَا يَعمُر بَعده أَبَدًا \" وَقَد وَقَعَ قَبلَ ذَلِكَ فِيهِ مِن القِتَال وَغَزو أَهل الشَّامّ لَهُ فِي زَمَن يَزِيد بن مُعَاوِيَة ثُمَّ مِن بَعده فِي وَقَائِع كَثِيرَة مِن أَعظَمهَا وَقعَة القَرَامِطَة بَعدَ الثَّلَاثمِائَةِ فَقَتَلُوا مِن المُسلِمِينَ فِي المَطَاف مَن لَا يُحصَى كَثرَة وَقَلَعُوا الحَجَر الأَسوَد فَحَوَّلُوهُ إِلَى بِلَادهم ثُمَّ أَعَادُوهُ بَعدَ مُدَّة طَوِيلَة، ثُمَّ غُزِيَ مِرَارًا بَعدَ ذَلِكَ، كُلّ ذَلِكَ لَا يُعَارِض قَوله - تعالى -: \" أَوَلَم يَرَوا أَنَّا جَعَلنَا حَرَمًا آمِنًا \" [العنكبوت: 67] لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا وَقَعَ بِأَيدِي المُسلِمِينَ فَهُوَ مُطَابِق لِقَولِهِ - صلى الله عليه وسلم - \" وَلَن يَستَحِلّ هَذَا البَيت إِلَّا أَهله \"، فَوَقَعَ مَا أَخبَرَ بِهِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ مِن عَلَامَات نُبُوَّته، وَلَيسَ فِي الآيَة مَا يَدُلّ عَلَى اِستِمرَار الأَمن المَذكُور فِيهَا. وَاَللَّه أَعلَم. ا. هـ.
اختلافُ العلماءِ في تحديدِ زمن تخريب الكعبة:
لقد نقل المباركفوري محقق كتاب \" السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها لأبي عمر الداني \" (4/899) الخلاف بين العلماء فقال:
ووقع اختلاف بين العلماء في تحديد الزمن الذي يقع فيه تخريب الكعبة على عدة أقوال:
منها: أنه يقع في زمن عيسى - عليه السلام -، وهو مروي عن كعب الأحبار، واختاره الحليمي، وذكره ابن كثير عن كعب، ثم عقب عليه بقوله: \" قلت: وتقدم في الحديث الصحيح: أن عيسى - عليه السلام - يحج بعد نزوله إلى الأرض.
وقيل: إنه يقع في زمنه، وبعد هلاك يأجوج ومأجوج، للحديث المذكور، ولما ثبت: \" لحجن هذا البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج \". ويمن أن يقال في الإجابة عنه: إن المراد بذلك ليحجن مكان البيت.
وقيل أيضا: إنه يقع قبل خروج الدجال ونزول عيسى - عليه السلام - ذكره القرطبي عن أبي حامد الغزالي.
وقيل: إنه يقع بعد خروج الدابة.
وقيل: إنه يقع بعد الآيات كلها قرب قيام الساعة حين ينقطع الحج، ولا يبقى في الأرض من يقول: الله، الله، ذكر هذا والذي قبله البرزنجي والسفاريني، وذكرا في تأييد الأخير أن زمن عيسى - عليه السلام - كله زمن سلم و بركة وأمان وخير، وأن البيت قبلة الإسلام، والحج إليه أحد أركان الدين، فالحكمة تقتضي بقاءه ببقاء الدين، فإذا جاءت الريح الباردة الطيبة، وقبضت المؤمنين فبعد ذلك يهدم البين.
ونقل السفاريني عن الشيخ مرعي الكرمي كلاما طويلا في ذلك، خلاصته أن هدم الكعبة بعد الآيات كلها، ثم قال: وإن كان هذا لا يخلو من تأمل.
وذهب القرطبي وابن كثير إلى أن ذلك يقع بعد موت عيسى - عليه السلام -.
ويبدو لي أن الأنسب هو عدم التعرض لتحديد الوقت الذي يقع فيه هدم الكعبة لكون أحاديث الباب مطلقة، إلا أنه من كبرى العلامات التي تعقبها الساعة، لأنه جاء في حديث أبي هريرة: فيخربونه خرابا لا يعمر بعده أبدا. والله أعلم. ا. هـ.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد