هيا إلى العمل


  

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد صلاة العصر..كان عبد الله..يتحدث بحماس مع بدر.. عن الإجازة القادمة:

-كم أحب الإجازات.. وَعَدَنا بابا أن نذهب فيها إلى أبها.. ونلعب في الملاهي.. ونشتري الألعاب الجديدة.. والحلويات الكثيرة..

-ونحن أيضاً.. سنسافر.. ولكننا في الحقيقة لم نقرّر بعد.. إلى أين سنذهب.. على كل.. فإننا أيضاً سنذهب إلى مكان توجد فيه حدائق ومتنزّهات.. وربما نذهب إلى جدة.. ونلعب.. ونشتري... ونشتري... ونشتري..

 

***

ضع قائمة بالمهام التي ستقضي بها إجازتك.. أو من باب الواقعية.. المهام التي قضيتم بها الإجازة الماضية..

نشتري... نستأجر... نلعب... نستهلك.... نستهلك..... وماذا أيضاً؟.... وكذلك.... نستهلك....

ويظل الطفل مستهلكاً لمدة عشرين سنة على الأقل في مجتمعنا... هذا إذا لم يكن يعاني من الفقر الذي ربما يضطره للانخراط في أي عمل كان.. ليشبع احتياجاته الأساسية.. !!

لا أظنكم بحاجة إلى ملاحظتي هذه بقدر ما أحتاجها أنا كي نكمل القصة مع أبي عبد الله.. الذي قرّر أن يكون للإجازة القادمة فكرة جديدة.. ومختلفة عن بقية الإجازات في عين أبنائه..

 

***

 

- ما أكثر الألعاب التي تحب اللعب بها؟

- السيارات!!

- وما رأيك أن تكسب من هذه السيارات؟

- كيف؟

- عندك فرصة شهر لتجمع مصروفك كي يكون هو رأس مالك الذي ستبدأ به مشروعك..

وبعد توضيح الفكرة.. تحمّس عبد الله.. غير أنه وجد صعوبة بالغة في تجميع مصروفه لتحقيق هذا الهدف..

(أظن أنك أيها الأب ترى زيادة المصروف بمعدل ريال يومياً كي يتمكن ابنك من تجميع رأس المال)

 

***

دخلا سوق(أبو ريالين).. مد عبد الله يده على السيارات بطريقة نهمة.. أريد هذه.. وهذه.. وتلك... وأريد السيارة التي هنااااك... بابا.. ادعُ العامل كي ينزلها لي..

وبعد أن عادا إلى البيت.. طلب أبو عبد الله من ابنه أن يرتب السيارات على طاولته:

- هيا ضع تسعيرتك على سياراتك..

- سأبيع كل سيارة بعشرين ريالاً..

- هذا كثير..

- ولكنني أريد مكسباً جيداً.. كي اشتري سيارة أخرى..

- اقتنع بالمكسب القليل.. افهم ماذا يريد الناس بالضبط.. ثم اختر أنسب سعر كي لا تخسر..

- وأين سأبيع سياراتي؟

- عندما نذهب إلى أبها-بإذن الله-سنختار مكاناً مناسباً للجلوس فيه.. واذهب أنت بعيداً عنا بعض الشيء، ثم ابسط بضاعتك..

عندما علمت أم عبد الله بالفكرة.. ضربت صدرها بيدها:

- ابني يبيع في المتنزهات؟! ماذا يقول الناس عنا؟ فقراء.. لا يملكون شيئا؟!

وأظنها ليست الوحيدة التي ضربت بيدها على صدرها!

 

***

هل يعني عمل الأبناء الحاجة والفقر؟ أم أنها تعني شيئا آخر.. مختلفاً تماماً عن تلك النظرة؟

إثبات الذات مثلاً.. !! تنمية المواهب والقدرات.. تقوية الشخصية.. فضلاً عن تعليم الطفل الطريق الذي يمكنه أن يسلكه إن احتاج يوماً ما إلى المال.. لشراء لعبة ثمينة.. أو كمية كبيرة من الحلوى.. وربما.. أشياء أكثر أهمية..

 

***

فهد يملك دراجة عادية.. ومن أجل الاستفادة منها.. سمح لزملائه بأخذ دورة حول البيوت المجاورة بمبلغ ريالين لكل دورة.. ويعود إلى المنزل يومياً بـ(10) ريالات على أقل تقدير.. هذا في غير (الموسم)..

داليا تشتري الإكسسوارات الرخيصة، وتحصل على مكسب ريال واحد في كل طقم تبيعه..

منصور وعلي يبيعان العصيرات المبرّدة للأولاد عقب الانتهاء من اللعب في ساحة الحي..

لمياء.. تؤلّف مجلة صغيرة للأطفال.. ترسم فيها الصور.. وتكتب القصص.. وتبيع النسخة الواحدة بثلاثة ريالات..

 

***

ماذا يريد الأطفال بعد ذلك؟ هل سيظل الطفل يبكي طوال اليوم من أجل الحصول على ريال واحد؟

هل سيتذمر إذا لم تسمح له ظروف والده بالسفر للتنزّه في إحدى المدن؟

هل سيخرج إلى الشارع ليتشاجر مع الأولاد.. وينظم المؤامرات الصغيرة للحصول على المال.. أو لإيذاء رجل مسن يسير في الطريق قتلاً للملل.. ؟!

إننا عندما نفتح المجال لأبنائنا لتحقيق ذاتهم من خلال العمل.. نقدم لهم هدية قيمة.. فلا تتردّدوا في تقديم هذه الهدية لأبنائكم..

قبل الرحيل:

راقب أبناءك عن بعد.. قدم لهم الاقتراحات والآراء التي يمكن أن تفيدهم في أعمالهم.. لا ترغمهم على تقبّلها.. فالتجربة كفيلة بجعلهم يقتنعون..

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply