أحناه على ولد في صغره ... هل أنت أم ناجحة ؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 مجرمون في المهد:

يؤكد علماء النفس أن الشخصية السيكوباتية أو الأجرامية هي في الأصل نتاج لبيئة أسرية غير سوية، إما تكون بفقد الأم بالموت أو الطلاق، أو بغيابها عن أولادها خارج المنزل، أو بفقد الأب لنفس الأسباب السابقة، أو بفقد الأسرة أبًا وأمًا.

وبلا شك أن البيئة الأسرية الطبيعية تعتبر من العناصر الأساسية في عملية التنشئة الاجتماعية، وفي بناء النمو النفسي السليم للطفل.

ولا يختلف اثنان على أهمية الرعاية الوالدية في مرحلة مبكرة من طفولة الأبناء، فعلاقة الطفل على درجة كبيرة من الأهمية، نظرًا لتأثيرها في تنشئة الطفل وتكوين شخصيته، وبدون شك فإن فقدان الأبناء لرعاية والديهم وخاصة الأمº يؤدي إلى كثير من الآثار السلبية على الأبناء.

والسؤال الآن: ماذا نقصد بالرعاية والحنان؟

وما نريده هنا هو إحاطة الطفل بالحب والحنان، والرعاية والعطف المتوازن المعتدل، الذي يمنح الطفل الإحساس بالأمن والاطمئنان، والثقة بنفسه وبالآخرين، ويساعد على استقراره ونموه نموًا نفسيًا صحيحًاº فينطلق بعد ذلك في حياته ناجحًا من جراء هذه الشحنة النفسية من الحنان والحب المتوازن.

والآن نتساءل: هل هناك آثارًا للقسوة والتدليل الزائدين؟

إن القسوة الزائدة، والتي تبدو في الضرب والعقاب، وتوجيه النقد لتصرفات الطفلº لها أثراها النفسية والاجتماعية السيئة على الأبناء.

وكذلك التدليل والحماية الزائدة، والمبالغة في رعاية الطفل لها أثرها السيئ أيضًا على شخصية الطفل.

وملاك الأمر الاعتدال بين هذا وذاكº فتكون الأم حازمة من غير عنف، رقيقة من غير ضعف.

فالأم المسلمة رحيمة بأولادها، فهم يحتاجون إلى الحضن الدافئ، والحب والحنان الصادق لينشأوا نشأة نفسية صحية خالية من الأمراض والأزمات والعقد.

 

الحاجات الوجدانية للأطفال:

إن الحاجة إلى الحب والحنان والأمن تُعد من أهم الحاجات الوجدانية للأبناء وخاصة الرغبة في الأمن، ولن يتقدم الأبناء في حياتهم إلا إذا اطمأنوا وشعروا بالأمن، ففقدان الأمن والحب يترتب عليه القلق والخوف وعدم الاستقرار.

وتذهب التربية الإسلامية إلى أن حنان الوالدين وخاصة الأم لازم لإحساس الطفل بالأمن والاطمئنان، وهو ضروري لزيادة ثقته بأمه، ومن ثم ثقته بنفسه ثم ثقته بالمجتمع بأسره، ويؤكد ضرورة حنان الأم ثناء النبي - صلى الله عليه وسلم - على نساء قريش في هذه القصة العجيبة.

 

وهل يُرفض هذا العرض:

هذه أم هانئ فاختة بنت أبي طالب - رضي الله عنها -، أخت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وبنت عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وراوية حديث الإسراء، فرق الإسلام بينها وبين زوجها هبيرة، وكانت قد انكشفت منه عن أربعة بنين، فخطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت أم هانئ: يا رسول الله، لأنت أحب إليّ من سمعي ومن بصري، وحق الزوج عظيم، فأخشى إن أقبلت على زوجي تعني رسول الله أن أُضيَّع بعض شأني وولدي، وإن أقبلتُ على ولدي أن أضيع حق زوجي، وهنا امتدحها النبي - صلى الله عليه وسلم - وشكر لها ذلك، فقال:

[خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش، أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده]. متفق عليه.

والسؤال هنا: لماذا نساء قريش خير نساء ركبن الإبل؟

لقد أجاب رسول الله على هذا السؤال، والسبب في خيريَّتهن هو العطف والحنان على الأولاد، مع رعاية الزوج وحفظ ما يملك من مال.

هل تحبين عزيزتي الأم المسلمة أن تكوني من خير النساء؟

ومن منا لا تحب، إذًا فاسلكي مسلك نساء قريش وأم هانئ - رضي الله عنها - في حنانها على أولادها، ورعايتها لزوجها وماله، كما أشار الحديث الشريف.

وهذا هو هدي ديننا، يريد أن تكون الأم نبع حب وحنان، ودفقة عاطفة ورعاية، وموجه اهتمام وتضحية واحتضان، وترنَّمي معي قول الشاعر حطان بن المعلي:

وإنمـا أولادنــا بيننــا   * * *  أكبادنا تمشي على الأرض

إن هبت الريح على بعضهم * * *   تمتنع العين من الغمــض

هذا الري العاطفي يتحقق للأمة المسلمة على عكس الأمة الغربية، التي امتصتها الحياة المادية، وأنهكها عملها اليومي المستمر، ففقدت الشعور بهذا الري العاطفي الأسري.

وقد عبَّرت عن هذا كله السيدة سلى الحفار، إحدى عضوات الحركات النسائية في بلاد الشام بعد زيارتها إلى أمريكا فقالت:[من المؤسف حقًا أن تفقد المرأة أعز وأسمى ما منحتها أياه الطبيعة]، وهذا التعبير خطأº لأن المانح هو الله - تعالى -، وأعني أنوثتها، ثم سعادتها، لأن العمل المستمر المفني قد أفقدها الجنات الصغيرات التي هي الملجأ الطبيعي للمرأة والرجل على حد سواء، والتي لا يمكن أن تتفتح براؤها ويفوح شذاها بغير الأم وربة البيت، ففي الدور وبين أحضان الأسرة سعادة المجتمع والأفراد، ومصدر الألهام، وينبوع الخير والإبداع.

 

برنامج عملي للأم الحنون:

لإشباع حاجة الطفل إلى الحب والحنان والأمن، عليك عزيزتي الأم المسلمة اتباع الخطوات التالية:

1- التقبيل: فالقبلة دليل على رحمة القلب لهذا الطفل الصغير، وتأكيد لعلاقة الحب بين الكبير والصغير، وهي سنة ثابته عن رسولنا، فمما ورد عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: قدم ناس من الأعراب على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ قالوا: نعم، فقالوا: لكنا والله ما نقبل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [وأملك أن كان الله قد نزع منكم الرحمة]. صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة.

ويروي أبو هريرة أن الأقرع بن حابس أبصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقبل حسينًا، فقال: إن لي عشرة من الولد ما فعلت هذا بواحد منهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [من لا يرحم لا يرحم]. صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود.

2- الملاعبة والمداعبة: وهذا هو نهج رسولنا مع الأطفال، فكان يلاعبهم ويضاحكهم، فعن أنس قال: إن كان النبي-  صلى الله عليه وسلم - ليخالطنا، حتى يقول لأخ لي صغير: [يا أبا عمير، ما فعل النغير؟]، كان له نغير يلعب به فمات. متفق عليه.

ولا شك أن الملاعبة لها أثرها الطيب في نفس الطفل.

3- تقديم الهدايا: والهدايا لها أثرها على النفس يقول - صلى الله عليه وسلم - :[تهادوا تحابوا]. حسنه الألباني في صحيح الجامع.

ويمكن ربط الهدايا بالتشجيع على الطاعةº كالمحافظة على الصلوات والصيام وغير ذلك، وأيضًا ربط الهدايا بالتفوق الدراسي، وفي تغيير بعض السلوكياتº كالفوضى وعدم النظام في غرفة الأولاد، مما يساعده على إنجاز الأعمال بانشراح صدر وسرعة.

4- المسح على الرأس: وهذا هو هدي رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، فكان يمسح على رأس الأطفال وعلى خديهم وهو يكلمهم، وهو صورة من صور العطف والحنان والحب والقرب.

5- حسن استقبال الأولاد وتفقد أحوالهم: فكان - صلى الله عليه وسلم - يقوم لابنته فاطمة إذا دخلت عليه يرحب بها، ويقبلها ويجلسها في مجلسه إلا في مرضه الذي توفي فيه، فإنه رحب بها وقبلها ولكن لم يقم لها - عليه الصلاة والسلام -، وعلى الأم تفقد أحوال أبنائها والسؤال عنهم، وما فعلوا بعد عودتهم من المدرسة لتشعرهم بالاهتمام والحب.

6-التسوية بين الأبناء سواء كانوا بنينًا أو بناتًا: فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: [جائتني امرأة ومعها ابنتان لها، فسألتني، فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها، فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئًا، ثم قامت فخرجت وابنتاها، فدخل عليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فحدثته حديثها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :[من اُبتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهنº كن له سترًا من النار]. رواه البخاري ومسلم.

فعلى الأم المسلمة أن تعدل بين أبنائها، وتنظر إلى البنين والبنات بعين واحدة من الرحمة والعدل والرعاية والحنو، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: [اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم]. متفق عليه.

7- الدعاء لهم لا عليهم: الأم المسلمة لا تدعو على أولادها كما أمرنا رسولنا الكريم.

ففي حديث جابر الطويل الذي قال فيه رسول الله: [لا تدعو على أنفسكم، ولا تدعو على أولادكم ولا تدعو على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجيب لكم]. صحيح مسلم.

بتطبيق هذا البرنامج عزيزتي الأم المسلمة تصلين إلى أفضل النتائج مع أبنائكº فالبيت الذي يكون الأب سقفه، والأم قلبه، ويغشاه الحب والرحمة والوعي والإيمانº فهو البيت الذي يخرج الإنسان المسلم المتوازن الواثق بنفسه.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply